شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سطر...بدفء النقاط البيضاء
(1)
● أيتها النقاط البيضاء... في وقفة ليل:
ـ يا زينة عمري... في كل خطوة من دخول ليل، كان يحمل إلى مساحاتي: وجه حبيبتي !
إن الليالي لا تطول... لا تقصر...
نحن الذين نطول بالإحساس... ونحن الذين نقصر بالتبلد، وبالفقد، وبالتنكر!
كان الجميع يقف على ابتكار أمانيه... ويلون تلك الأماني، كذيل طاووس يختال.
عندما يفقد الطاووس ذيله الزاهي... لا بد أن يتحول إلى غراب!
(2)
تعالي... أيتها الحبيبة، المسكونة بك أضلعي!
انظريني - في غربتك - أخاصم الابتسامة، وأتآكل لحظة... لحظة!
إني أنشر الهمسة في فراغ الليل من أصدائك.. من بوحك.. من اختيالك.
تتبعثر الهمسة داخل هذه النقاط البيضاء...فترجع إلى صدري مثقلة بالحنين، وبالوداع، وبالموج الذي يعربد بين أضلعي!
وأتلفت.. أنادي الاكتشاف..
كأنني أقف على سور عال، يشرف على ساحة هجرتها بيوتها القديمة، وفوانيس شوارعها، وخطوات السائرين فيها... وهجرها القمر، والنجوم، والهمسات الخليلة!
(3)
في غيابك.. كنت أرهن صبري في بنك التفاؤل.. وأرخي ستائر نفسي كلما انتصف الليل!
أبقى وحيداً... أبقى وحدي، انتظر بزوغ طيفك، كالهلال!
بدونك.. صرت مثل شجرة "نيم" موغلة الجذوع... تنشر شذاها الليلي، وتتساقط زهرة، زهرة.. في انتظار الصباح الذي يسجن نفحها، ولهفتها!
الليل عمر حقيقي... في الحنين. وفي الوجع. وفي الشوق. في الانتظار!
ومع ميلاد الحنين المتجدد بين الضلوع كل مساء... أناديك: أنت الشاطئ الذي احتضن أمواجي، وغسل رمالي... وأنا هذا البحر الذي استلقى هياجه على صدر الشاطئ... قريراً!
(4)
أيتها النقاط البيضاء... في إشراقة فجر، حافل بالبشارة والتباشير:
هاأنذا.. أسلخ نفسي من درعها، وآتي إلى نبضك مثخناً بالعزلة!
بدونك... تجرحني فراغات الساعات، وأنا... واحة ادخرت أجمل الأغنيات لإصغائك، وأحلى الهمسات لبوحك!
قبلك.. كنت قد أفرغت العمر من الأماني، والضوء.
أخذت حقيبتي، ومضيت جوالاً، مسافراً.. تندس أحزاني في زحام الدنيا، وأنسى كيف تندمل!؟
قبلك... كان فطامي هو العجز الذي يحيل العشق تعوُّداً!
قبلك.. كان عزوفي هو ذلك التبلد الذي يصنع الفراغ في تحديقنا!
وفي كل مشوار... تأخذه "الآه" مدارها في نفوسنا، وترتطم باليأس!
قبلك... ودعت دروبي، في مساء توقفت فيه الضحكات..
تركت الروح، والنجوى، والجوانح في القفار...
وعدت إلى وجوه الناس... يتيم الروح!
(5)
أيتها النقاط البيضاء... في صدق بوحي وأنغامي:
أنت التي فتحت خزائن قلبي، وجوارحي... وامتلكت كنوزها.
صرت معك... أكتب أغنيتي، كلمات من شموسك!
صرت معك... أبدع لحنها، أنغاماً من ظلال أمسياتك!
ـ وتسألينني حيناً: لم كل هذا السكوت؟!
ـ وأجيبك كل حين: لأنني أتوالد في صوتك كالبروق...
لأنني أحمل همساتك في صدري القديم... كالمزن!
فهل كنت تعلمين - يا حبيبتي - إنني سيد جنونك؟!
هل كنت تعرفين - يا حبيبتي - إنني هاجس استراحتك المتخفية في التعب؟!
وأنت أيضاً - يا حبيبتي - طريقي إلى اختراق الأزمنة...
أنت التي رضيت أن أستريح في جنونك...في هروبك الأحياني... في غضبك العاشق لي... حتى تشرق ابتسامتك صبحاً على شواطئي!
(6)
أيتها النقاط البيضاء... في كل مواسم أسفاري:
أعلن لك... من أجلك: إنني قد توقفت عن السفر!
بحثت عن أنفاسي اللاهثة... أود أن أستردها منك بعض الوقت، لأعيدها إليك كل الوقت...
حتى لا ترمينا لحظة النوى المفاجئ عند شاطئ مهجور!
أعلنت لك رفضي لهذا "الزمن الصغير"... حين بدأت به التخفي في التعب!
أعلنت لك: أن خفقاتي لم تكن ضالة... طوال بحثها عنك، وندائها عليك...
لكنني - أمامك - دائماً... أفرغ جروحي، وأتوحد في عينيك!
(7)
أيتها النقاط البيضاء... التي أخاف عليها من استهلاك الحروف لها:
كان تعبي... يكسر ساعاتي، ويذرو أغنياتي في أجران الحزن!
كان اختبائي... يطمس روحي، ويبدد أنفاسي في مبخرة المساء!
وحين انتشر وجه حبيبتي في لا مدى سمائي... وجدتها القمر، وأنا ضوءها!
وجدت - حبيبتي - الوطن.. وأنا مساحتها!
وجدت - حبيبتي - السماء... وأنا رعودها، وسحبها ،ونجومها!
وجدت - حبيبتي - المطر... وأنا الأرض التي تتلقى ارتواءها، فتزهر!
وعندما احتضنت كفاي يدها الدافئة/ اللجوء، سكبت شفتاي عليها قبلة الرجاء/العهد!
وعندما سكنت يدها في دفء كفي كعصفور... كنت أزرع في حدقتي عينيها الأمان، والوعد، والغد!
قلت لها حين طال جلوسها في دائرة الشك بحبي:
ـ إنك تفرين مني إليًّ... وفي كل مرة أنحني لألتقط جلوسك هذا، ولا أسأم، ولا أشك في عودة يدك إلى كفي!
(8)
أيتها النقاط البيضاء... الوعد:
بعد الدخول إلى جزر البهاء في عالمك الأثيري... اكتشفت أرضاً تنبت الربيع من صدرك!
كنت أمشي إلى البحر البعيد... أحمل رموش عيني، وصدري محارة ضائعة فوق رمال السنين!
صرت الآن أناديك: وعداً لا يخون!
بعد الدخول إلى وعد منك ينتشي بحنانك...
صرت أنادي المسافات إلى مدنك المعشبة بالحياة، وبالعطاء...
أنادي القلب الذي يضم وجهك:
ـ أرجوك أيها الخفاق.. تريث، فالحياة الأجمل معها.
حتى صارت الكلمة الصادقة.. ما بين قلبك واحتوائي!
حتى صرت هاهنا... أجلس فوق الرمال، وأرسم وجهك: تعويذة الأمل في ارتقاب الصباح!
أتوخّى ترنيمة يزرعها الحلم في صدري فألاً!
أطارد النجوم لتركض... فألحق بها، حتى تبلغ حدودك... فيسقط الشمال والغرب، في عناق البحر والموجة!
(9)
أيتها النقاط البيضاء... التي لا تغفو أبداً:
لقد انتصف الليل... ومازلت أرتقب "بدري" يطلع من وراء المسافات...
زجاج النوافذ مغطى بالطل، واخترق هذا السكون إلى خارج المدى... حيث يكون وجه حبيبتي!
ترى..من يحدثني عنك الآن؟!
أهدابك... ماذا تحمل؟!
خرافاتك... كيف تكبر؟!
رعودك... متى تتحرر من أنينها؟!
أنت طفولتي، ورائحة فجري! أنت خيولي التي تصهل فوق أرضي التي أضاعت مسافاتها في نواك!
تعتادين نظرتي... كأنك الربيع في غصوني.. كأنك وأنا سُهار الحنين، نعبر إعياء النهر!
نحن - إذن - ننتظر اللحظة التي يتعرى فيها القمر من غيومه!
هنا... بقيت حكاية أصيلة...
بقيت - يا حبيبتي - أنت السيف والغمد... الكلام والصمت!
وبقيت أنا - حبيبتي - أحكي عنك... لك، تحت هذه النقاط البيضاء!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :761  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 53 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.