سطر...بدفء النقاط البيضاء |
(1) |
● أيتها النقاط البيضاء... في وقفة ليل: |
ـ يا زينة عمري... في كل خطوة من دخول ليل، كان يحمل إلى مساحاتي: وجه حبيبتي ! |
إن الليالي لا تطول... لا تقصر... |
نحن الذين نطول بالإحساس... ونحن الذين نقصر بالتبلد، وبالفقد، وبالتنكر! |
كان الجميع يقف على ابتكار أمانيه... ويلون تلك الأماني، كذيل طاووس يختال. |
عندما يفقد الطاووس ذيله الزاهي... لا بد أن يتحول إلى غراب! |
(2) |
تعالي... أيتها الحبيبة، المسكونة بك أضلعي! |
انظريني - في غربتك - أخاصم الابتسامة، وأتآكل لحظة... لحظة! |
إني أنشر الهمسة في فراغ الليل من أصدائك.. من بوحك.. من اختيالك. |
تتبعثر الهمسة داخل هذه النقاط البيضاء...فترجع إلى صدري مثقلة بالحنين، وبالوداع، وبالموج الذي يعربد بين أضلعي! |
وأتلفت.. أنادي الاكتشاف.. |
كأنني أقف على سور عال، يشرف على ساحة هجرتها بيوتها القديمة، وفوانيس شوارعها، وخطوات السائرين فيها... وهجرها القمر، والنجوم، والهمسات الخليلة! |
(3) |
في غيابك.. كنت أرهن صبري في بنك التفاؤل.. وأرخي ستائر نفسي كلما انتصف الليل! |
أبقى وحيداً... أبقى وحدي، انتظر بزوغ طيفك، كالهلال! |
بدونك.. صرت مثل شجرة "نيم" موغلة الجذوع... تنشر شذاها الليلي، وتتساقط زهرة، زهرة.. في انتظار الصباح الذي يسجن نفحها، ولهفتها! |
الليل عمر حقيقي... في الحنين. وفي الوجع. وفي الشوق. في الانتظار! |
ومع ميلاد الحنين المتجدد بين الضلوع كل مساء... أناديك: أنت الشاطئ الذي احتضن أمواجي، وغسل رمالي... وأنا هذا البحر الذي استلقى هياجه على صدر الشاطئ... قريراً! |
(4) |
أيتها النقاط البيضاء... في إشراقة فجر، حافل بالبشارة والتباشير: |
هاأنذا.. أسلخ نفسي من درعها، وآتي إلى نبضك مثخناً بالعزلة! |
بدونك... تجرحني فراغات الساعات، وأنا... واحة ادخرت أجمل الأغنيات لإصغائك، وأحلى الهمسات لبوحك! |
قبلك.. كنت قد أفرغت العمر من الأماني، والضوء. |
أخذت حقيبتي، ومضيت جوالاً، مسافراً.. تندس أحزاني في زحام الدنيا، وأنسى كيف تندمل!؟ |
قبلك... كان فطامي هو العجز الذي يحيل العشق تعوُّداً! |
قبلك.. كان عزوفي هو ذلك التبلد الذي يصنع الفراغ في تحديقنا! |
وفي كل مشوار... تأخذه "الآه" مدارها في نفوسنا، وترتطم باليأس! |
قبلك... ودعت دروبي، في مساء توقفت فيه الضحكات.. |
تركت الروح، والنجوى، والجوانح في القفار... |
وعدت إلى وجوه الناس... يتيم الروح! |
(5) |
أيتها النقاط البيضاء... في صدق بوحي وأنغامي: |
أنت التي فتحت خزائن قلبي، وجوارحي... وامتلكت كنوزها. |
صرت معك... أكتب أغنيتي، كلمات من شموسك! |
صرت معك... أبدع لحنها، أنغاماً من ظلال أمسياتك! |
ـ وتسألينني حيناً: لم كل هذا السكوت؟! |
ـ وأجيبك كل حين: لأنني أتوالد في صوتك كالبروق... |
لأنني أحمل همساتك في صدري القديم... كالمزن! |
فهل كنت تعلمين - يا حبيبتي - إنني سيد جنونك؟! |
هل كنت تعرفين - يا حبيبتي - إنني هاجس استراحتك المتخفية في التعب؟! |
وأنت أيضاً - يا حبيبتي - طريقي إلى اختراق الأزمنة... |
أنت التي رضيت أن أستريح في جنونك...في هروبك الأحياني... في غضبك العاشق لي... حتى تشرق ابتسامتك صبحاً على شواطئي! |
(6) |
أيتها النقاط البيضاء... في كل مواسم أسفاري: |
أعلن لك... من أجلك: إنني قد توقفت عن السفر! |
بحثت عن أنفاسي اللاهثة... أود أن أستردها منك بعض الوقت، لأعيدها إليك كل الوقت... |
حتى لا ترمينا لحظة النوى المفاجئ عند شاطئ مهجور! |
أعلنت لك رفضي لهذا "الزمن الصغير"... حين بدأت به التخفي في التعب! |
أعلنت لك: أن خفقاتي لم تكن ضالة... طوال بحثها عنك، وندائها عليك... |
لكنني - أمامك - دائماً... أفرغ جروحي، وأتوحد في عينيك! |
(7) |
أيتها النقاط البيضاء... التي أخاف عليها من استهلاك الحروف لها: |
كان تعبي... يكسر ساعاتي، ويذرو أغنياتي في أجران الحزن! |
كان اختبائي... يطمس روحي، ويبدد أنفاسي في مبخرة المساء! |
وحين انتشر وجه حبيبتي في لا مدى سمائي... وجدتها القمر، وأنا ضوءها! |
وجدت - حبيبتي - الوطن.. وأنا مساحتها! |
وجدت - حبيبتي - السماء... وأنا رعودها، وسحبها ،ونجومها! |
وجدت - حبيبتي - المطر... وأنا الأرض التي تتلقى ارتواءها، فتزهر! |
وعندما احتضنت كفاي يدها الدافئة/ اللجوء، سكبت شفتاي عليها قبلة الرجاء/العهد! |
وعندما سكنت يدها في دفء كفي كعصفور... كنت أزرع في حدقتي عينيها الأمان، والوعد، والغد! |
قلت لها حين طال جلوسها في دائرة الشك بحبي: |
ـ إنك تفرين مني إليًّ... وفي كل مرة أنحني لألتقط جلوسك هذا، ولا أسأم، ولا أشك في عودة يدك إلى كفي! |
(8) |
أيتها النقاط البيضاء... الوعد: |
بعد الدخول إلى جزر البهاء في عالمك الأثيري... اكتشفت أرضاً تنبت الربيع من صدرك! |
كنت أمشي إلى البحر البعيد... أحمل رموش عيني، وصدري محارة ضائعة فوق رمال السنين! |
صرت الآن أناديك: وعداً لا يخون! |
بعد الدخول إلى وعد منك ينتشي بحنانك... |
صرت أنادي المسافات إلى مدنك المعشبة بالحياة، وبالعطاء... |
أنادي القلب الذي يضم وجهك: |
ـ أرجوك أيها الخفاق.. تريث، فالحياة الأجمل معها. |
حتى صارت الكلمة الصادقة.. ما بين قلبك واحتوائي! |
حتى صرت هاهنا... أجلس فوق الرمال، وأرسم وجهك: تعويذة الأمل في ارتقاب الصباح! |
أتوخّى ترنيمة يزرعها الحلم في صدري فألاً! |
أطارد النجوم لتركض... فألحق بها، حتى تبلغ حدودك... فيسقط الشمال والغرب، في عناق البحر والموجة! |
(9) |
أيتها النقاط البيضاء... التي لا تغفو أبداً: |
لقد انتصف الليل... ومازلت أرتقب "بدري" يطلع من وراء المسافات... |
زجاج النوافذ مغطى بالطل، واخترق هذا السكون إلى خارج المدى... حيث يكون وجه حبيبتي! |
ترى..من يحدثني عنك الآن؟! |
أهدابك... ماذا تحمل؟! |
خرافاتك... كيف تكبر؟! |
رعودك... متى تتحرر من أنينها؟! |
أنت طفولتي، ورائحة فجري! أنت خيولي التي تصهل فوق أرضي التي أضاعت مسافاتها في نواك! |
تعتادين نظرتي... كأنك الربيع في غصوني.. كأنك وأنا سُهار الحنين، نعبر إعياء النهر! |
نحن - إذن - ننتظر اللحظة التي يتعرى فيها القمر من غيومه! |
هنا... بقيت حكاية أصيلة... |
بقيت - يا حبيبتي - أنت السيف والغمد... الكلام والصمت! |
وبقيت أنا - حبيبتي - أحكي عنك... لك، تحت هذه النقاط البيضاء!! |
|