يا حُبُّ ما أنت إلا وَحْي خاطرة |
من الجمال تَسَبَّى ثم تَخْتَطِفُ |
ونظرة القلب تغريها بحاجتها |
رشاقةُ الحسن والأسبابُ واللَّطَفُ
(1)
|
فتطرق القلب - خُلُوا - ثم تسكنه |
ما يستبين لها معنى ويرتجف |
فتستقيم - على وجدانه - أملاً |
يراود النّفس: إذ يدنو وينعطف |
وما الجمال سوى أمداء أخيلة |
يصوغها حُلُمٌ غاوٍ به سَرَفُ |
فيرسم الوهمُ من ذاتٍ مَلاكَ هوى |
جمّ البهاءِ عليه ما اشتهى الشَغَفُ |
ويغدق الوصف مفتناً مذاهبه |
ويطلق النفس تستجلي وتعتكف |
حينا ترق - وهذا نادر - طَفَقاً |
وفي كثير من الأحيان تعتسف |
ففي طفيفك من نعمي الهوى غَدَقٌ |
وفي كثيرك من بؤسي الهوى جَنَف |
ما أسعد الحظ إن كانت نواهله |
سقيا الجمال على معناك يُرتشف |
وأتعس الحظ ما جَفّتْ مواردُه |
على الغرام فلا سقيا ولا كنف |
واخيبة الأمل المَرْجُو إن عصفت |
هوج الرياح به تذرو وينخسف |
واشقوة النفس في دنيا الحياة إذا |
ما ضَلَّت القصدَ أو ما فاتها الهدف |
يا حبُّ! ها فإليك اليوم عن كبد |
حَرّى تحاول كفَّ الدمع ينذرف
(2)
|
يا حبُّ! مهلك ما قَدَّمْتَ من مِنَنٍ |
وكل ما نِلْتُ من نعمائك الطَّفَفُ
(3)
|
تقاذفتني فنون الوجد جاهدة |
مما أقول، ومما فوق ما أصف |
يطغى على النفس معناها فيسلمها |
إلى الغرام ويستشري بها اللَّهف |
قلبي - وآه لقلبي - حظُّه أمل |
حلو الأمانيّ، عُقْبَى ظَنِّه الأسف |
وما الحياة سوى دنيا مُكَوَّرة |
من المتاعب لا يُدْرى لها طرف |
وما السَّعادة. إلا هيكل نَخِرٌ |
خاوٍ يُصَوِّره من طبعنا الصَّلف |
فَعَدِّ عن همسات الحظّ خاطفة |
كالظّالع الرِّجْل أو كالطّير إذ يجف |
علام تأسرك الأحزان بالغة |
وَلِمْ تغالبك الآلام والزَّهَف؟
(4)
|
يا قلب! ماذا أصبت اليوم من دنفٍ |
أقصى مداه نكالُ الهجر والكَشَفُ
(5)
|
وأنت يا مورد الأحلام، معذرة |
فيم الجفاف، وأنت الحافل السَّرِف |
واهاً لماض كأيام الربيع قضى |
فيما مضى، وتوارى حَظِّي التَرِفُ |
سائل ديار الهوى إن كان ينطقها |
نُعْمى الهوى فلعل الدار تعترف |
قد كنت أنهب خطوي باسماً جذلاً |
إلى اللقاء فما يَرْتَدُّ أو يقف |
نشوانَ!. ريّانَ!. في شوق تُرَنِّحُني |
سُلاَفةُ الحبِّ إذ أسْقى وأرتشف |
أيام كنت تواتيني بما نعمت |
نفسي به غدقاً، ما مَسَّها سَهَفُ
(6)
|
وكنت أنهل من سقيا الهوى ثملاً |
حلو الشراب تُرَوِّيني، وأغترف |
ما أسعد الحظ إن واتتك نافلة |
من السَّعادة أو أن تسعف الصادف |
واليوم أنىَّ أُجيلُ الطَّرْف ملتمساً |
أرى المعالم تبدو ثم تَنْكسف |
أروض أحواضك اللائي نعمت بها |
ملأى، فها هي هذي كلها جَفَفُ |
أدعو الهوى يَصِلُ الأيام حالِيَةً |
فلا يجيب، وتُرْخى دونه السُجُف |
والنفس تألف ما عَوّدت من خُلُق |
في شِقوة العيش عقبى النعمة التلف |
ما كنت جانيهَا!. لله ما حكمت |
به اللَّواحظ والأحداق، والعَطَف
(7)
|
لكن جناها الذي أهوى وأُبْتُ بها |
ما كنت أحسبه يبلو، وينصرف |
هي الحياة، فنعماها، وشقوتها |
وقد تَقَلَّص منها ذلك الطَّرَف |
واضيعة الأمل المهدور إذ نقمت |
منه مداهمة المقدور والعُصُف |
هل شئت هجري؟ لا والله ما وَهَمَتْ |
نفسي بذلك، لولا ذاك ما أَهِف
(8)
|
إني لمن يعزف الألحان شائقة |
فَتَطْرَب الأنفسُ الفَطْنىَ بل الصُحُفُ |
إني لمن تشهد الأفلاك سيرته |
وَضَّاءة بمعاني الخير تلتحف |
حُبِّيك لست أخاف الظَّنَّ فيه ولا |
قول العذول: الا ما ذلك السَّرَف |
تالله لولا دواعي النَّفس جاهدة |
بين الأناسيّ ما ساروا ولا وقفوا |
إني أطعت (فروض الحب) واجبة |
فاحكم - فديتك - لي في حكمك الرّأف |
فالحر أن ملكت يُمناه ما ملكت |
منه لما ملكت يُمناه يَنْتَصِف |