شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شجون بين السَّاحةِ وباب السلام (1)
كان المرحوم نبيل حفظي يجلس معنا في الحَصْوةِ الخلفية للمسجد النبوي الشريف، وكانت أصوات الطلاب ترتفع بقراءة القرآن، وكان أهل البلدة الطاهرة يثقون في الشيخ ((رجب أبو هلال)) - رحمه الله - الذي كان يُدَرِّس في الصباح في مدرسة العلوم الشرعية.
وكان له درس في منزله الذي كان يقع في ذلك الجزء الخلفي من حارة الساحة، وكنت إذا خرجت من باب سيدنا عمر - رضي الله عنه - يواجهك إلى اليسار شارع صغير كانت تقوم فيه ((المكائن)) التي تزود قناديل المسجد الطاهر بالإضاءة، وينتهي هذه الشارع - غير المتسع - بتلك الدرج التي إذا صعدتها قادتك إلى هذا الجزء الذي كان يقع فيه منزل الأستاذ ((رجب))، كما كان عدد من أهل المدينة يسكن هذا الحي ولعلَّ المؤذن الشهير السيد هاشم غباشي - رحمه الله - له دارٌ عرفتها عن طريق ابنه زميلنا السيد ((رضا)) والذي كان يحمل في داخله من الصفحات الجميلة ما يتلاءم مع اسمه، وهذا الجزء الخلفي يقودك إلى الموقع القديم للمحكمة الشرعية ثم إلى شارع يدعى ((كومة حُشَيْفَة))، ينتهي أيضاً بَدَرج ((سُلْمِك إلى برحة ((باب السلام))، وفي صدر هذه البرحة كانت تقع حوانيت أحاول ما استطعت أن أتذكر أسماء أصحابها، منهم الشيخ أسعد توفيق، والشيخ محمد حسين رمزي، والشيخ بكر عبد الجواد، وآخر من بيت عبد الشكور - رحمهم الله - وحانوت آخر للمرحوم عمر سنان والد محمد وأخيه عبد الرحمن الذي سبقنا إلى الدار الآخرة قبل سنوات قليلة، ويتوسط هذه الحوانيت زقاق صغير يقع فيه منزل الشيخ ((مالك مديني)).
كانت ساحة باب السلام تمتلئ بحوانيت بائعي ((الكولندي)) والحلويات البلدية مثل ((المشبك)) و((الهريسة)) و((اللدو)) وكان حانوت ((العم صادق)) من أشهر الحوانيت ويقع بالقرب من دار الشريف هاشم دعيس - رحمه الله -، والد الدكتور نايف وإخوانه طلال ومحمد بندر، وكان العم ((صادق)) الذي كان جاراً أيضاً للسيد عبد الرحمن بصري - رحمه الله - متخصصاً في بيع العيش الذي يسمونه ((المغربي)) وكان رجلاً سمحاً في بيعه وشرائه وحديثه.
وكنت أجلس في حانوت الصديق هاشم إبراهيم شيحة، وأعتقد أن ((هاشم)) كان ذكياً إلى حد بعيد، وكثيراً ما ارتفعت الأصوات في ملعب ((الرفة)) تنادي باسمه فكانت إذا وقعت قدمه على الكرة عَرِفَ حارس ((أُحد)) مهنا سبيل، أو حارس الأهلي ((النهضة)) أحمد نذير - رحمه الله - أن ((هاشم)) سوف يُسدد هدفاً، وقد رأيته في عام 1385هـ، في مباراة كروية فريدة بين أُحد والعقيق يُسدِّد ثلاثة أهداف متتالية في أقل من نصف ساعة من الزمن، ولم يلعب ((هاشم)) بعدها الكرة، ولا يزال ابن إبراهيم - يتذكر - صنيع آل عزي الدين جلبوه للنادي، ثم ذهب جميعهم - رحمهم الله - في حادث مأساوي وقع بين عامي 1379هـ و1380هـ في طريق المدينة، والرأي الفصل عند الأستاذ عبد الهادي محروس واحد من الرجال الذين قامت الأندية الرياضية في المدينة على أكتافهم من أمثال الأستاذ حسن الصيرفي، وعبد الرحمن رفة، ورضا خاشقجي، والمعلم محمد صلاح خالد - رحمه الله - والريس علي بن حسن دقاق، ويعترف هاشم أن ((العم)) علي واحدٌ من الرجال الذين لا يتكررون، أما الزميل الأستاذ ((علي حسون)) الذي كان واحداً من أشهر لاعبي الوسط في نادي أُحد مع صديقه الأستاذ ((محمد الحاج))، فيعترف أن الشيخ الدقاق هو الذي اجتذبه لنادي أُحد عن طريق لاعب أُحد الشهير - آنذاك - عطية باحضرم، ولكن أبا الحُسين اعتزل الكرة مبكراً ليبدأ مشواره الصحفي الطويل والناجح بالكتابة في شجون الكرة، ثم اتجه إلى الكتابة القصصية، وهو يمثل الجيل الوسط الذي كتب الفن الروائي باقتدار وخاصة في عمله الأدبي الرائع ((الطيبون والقاع)) ولم ينل هذا العمل حقه من النقد الأدبي، وأعتقد أن أجواء المدينة الشعبية وتمثل الكاتب لها ساعدت في نجاحه.
أعود للقول بأنني كنت أجلس في حانوت الأخ هاشم، في يوم قائظ من أيام شهر رمضان المبارك، سنة 1388هـ وأذان العصر لم يرتفع بعد، وكان يجلس معنا المشجع الأُحدي المشهور - ربيع - رحمه الله - وكان صاحب شخصية فذة ونادرة وأرى أن نادي ((أُحد)) لم يوف مشجعاً مخلصاً مثل ((ربيع)) حقه من التكريم، ولم يوف لاعباً قديراً مثل ((مرزوق المخلص)) ما يستحقه من التقدير والرعاية في السنين العجاف، كنا الثلاثة نجلس نتجاذب أطراف الحديث، فإذا برجل يهبط درجات شارع ((العينية)) ويتجه لباب الرحمة، فإذا بالعم ربيع يتنهد قائلاً: أين أنت يا علي البدوي؟ وكان علي غائباً عن المدينة لقد كان القادم واحداً من مطاليق الرجال، إنه ((مساعد كردش)) وهو من أتباع الشيخ حلِّيت بن مسلم المحمادي الحربي والد صديقنا الشاعر عبد المحسن.
كان ((مساعد)) اعتزل كل شيء في الحياة، يجد في المسجد النبوي طمأنينته، ثم يذهب إلى باب ((الكومة)) لينام تحت تلك الشجرة الضخمة التي كانت تظلل العشرات من أمثاله، الذين ألفوا العيش في ((المناخة)) وألفتهم، وصباح ذات يوم جاء المعلم ((الفاو)) ليوقظ هذا اليعسوب الذي تحدثت عنه الرُّكْبان. فلم يرد عليه كعادته مدعياً أو مازحاً، لقد وجده ((المعلم)) يستقبل القبلة، يرفع سبابته إلى أعلى وقد أسلم الروح لبارئها، وحمله أهل ((المناخة)) ليودعوا جثمانه ثرى الأرض الطاهرة في ((البقيع))، صديقي المرحوم ابن ((جبل)) قال لي لقد ختم الله بالخاتمة الحسنة ((لكردش))، والبرتاوي ((عبد القادر))، ومحمد صالح ((العود)) وغيرهم لم يتعلموا في مدرسة، لم يقرؤوا كتاباً، ولكن قلوبهم كانت تحمل في داخلها النية الصادقة وحب الآخرين، والثقة في عقيدة المؤمن والدعاء له بالهداية، أي هؤلاء يا صديقي من بعض قوم يصنفون الناس درجات في أعمالهم ويصدرون الأحكام الجاهزة وكأن مفاتيح الجنة والنار بأيديهم، إنها بيد الخالق وحده.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :791  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 453 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.