شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النقيدان... وتزوير حقائق التاريخ (1)
كان بعض بني جلدتنا وأخواننا في الماضي قد بلغ منهم التشدد والقسوة والغلظة والجفوة مبلغه - وذلك نتاج بيئة منغلقة لا تعرف تسامحاً ولا رقة ولا عطفاً - حتى إذا ما خلعوا جلودهم الأصلية وتدثروا بغيرها ذهبوا إلى الجانب الآخر أو الضفة المقابلة الأكثر تشدداً، وبتعبير آخر أن من ينتقلون من أقصى اليمين فجأة، لا يمكن أن يحجزوا مواقع في الوسط لهم ولكنهم يندفعون بنفس القوة إن لم يكن أكثر إلى أقصى اليسار، وإذا كنت كتبت في الأسبوعين الماضيين - وفي هذه الزاوية - أعبر عن رأيي الذي أدين فيه انتهاك حرمات الآخرين وعدم رمي الآخرين في عقائدهم أو تفكيرهم، فإنني - اليوم - ومن نفس المنبر أناقش الأخ (منصور النقيدان) في موضوع نشره بصحيفة الرياض بتاريخ 17/5/1424هـ، وهو أن اختار عنواناً أو بالأحرى مدخلاً لموضوعه، وهو حديثه عن قرار مجمع البحوث بالأزهر الأخير الذي يرى أن الأصل في نشر الكتب هو الإباحة وعدم المصادرة.
إلا أنه قد أتى على مسائل في موضوعه لم ينصف فيها نفسه قبل أن ينصف الآخرين، وأساء إلى جوهر التعاليم الإسلامية، وخلط بينها وبين بعض تصرفات البعض على مر التاريخ الإسلامي خلطاً عجيباً، بل إنه في خلطه هذا جعل أمثال (زويمر) و(بيرناردو لويس) أكثر إنصافاً للإسلام منه، وجعل مفكراً كبيراً مثل إدوارد سعيد - مع أنه مسيحي - يبدو أكثر تعظيماً وتقديراً وتبجيلاً لنبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتلك مفارقة عجيبة.
وقبل أن أناقش الأخ (النقيدان) في موضوع (كعب بن الأشرف) وكيفية قتله أو إهدار دمه، أود أن أقول إن كاتبنا - أخفى حقائق كثيرة تتصل بهذا الموضوع، (فكعب بن الأشرف) هو يهودي حلفاً وأما وكونه عربي الاسم لا يجعل الأخ (النقيدان) يسعى لإيهام القارىء بأنه فرد عادي من أفراد مجتمع المدينة عند هجرة سيد الأولين والآخرين - رغم أنف من أبغض وكره - إليها، فلقد كان أهلها كما يذكر أحد المحققين في كتابه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم - وبمنهج علمي دقيق في العصر الحديث - وهو الشيخ محمد الصادق عرجون - رحمه الله - نعم: لقد كان أهل المدينة (أخلاطاً) منهم المسلمون والمشركون واليهود، وكان اليهود الذي يعرف أخونا (النقيدان) أنهم هاجروا إلى المدينة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم واستعمروا مجتمعها استيطاناً - وآطامهم لها بقايا في البلدة الطيبة - واقتصاداً وأفسدوا ما بين القبائل العربية الموجودة في المدينة ونعني بهم الأوس والخزرج، فلما ظهر لهم أن النبي الذي يحمل الرسالة الخاتمة هو عربي وليس بيهودي بالغوا في إيذائه صلى الله عليه وسلم وإيذاء أصحابه رضوان الله عليهم، فأمر الله عز وجل نبيه بالصبر والعفو وفيهم أنزل وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (سورة آل عمران، الآية 186).
وإني لأسأل أخي (النقيدان) وليكن منصفاً، عادلاً، حتى وإن كان له مواقف مع بعض المتشددين فهذا بحسب علمي لن يثنيه عن قول الحق،نعم إنني لسائلك يا عزيزي: هل بإمكانك أن تقدم لي مثالاً مشابهاً من أي دين وحضارة أخرى - على مر التاريخ - يدعو فيها مصدر التشريع إلى الصبر والعفو عن الفئة التي لم تقتصر على هجو الرسول وتحريض كفار قريش عليه الذين أخرجوه من أرضه ومن أحب البقاع إليه كما فعل كعب بل دعوه لزيارتهم نفاقاً ثم أرادوا إسقاط الجدار عليه، ومع هذا لم يعاقبهم!، وسممته جارية يهودية في غزوة (خيبر) لتعرف بالمعجزة هل أنه نبي مرسل من عند الله أم لا؟ ومع هذا أمر أصحابه بعدم قتلها.!!
وماذا أنت فاعل مع (فئة) تؤذي نساء الآخرين في أسواق (المدينة) وتكشف للناس عنوة عوراتهن؟ وماذا أنا، أو أنت فاعل إذا كنا نمشي على أرض لنا وقام وافد أو غريب بمثل هذه الفعلة الشنيعة لا قدر الله؟ هل أنا أو أنت بقادرين - عقلاً - وليس عاطفة على تركه يمشي حراً طليقاً حتى يشتط في سلوكه، ويذهب إلى أبعد من ذلك التصرف والمرفوض عقلاً، وموضوعية!! وإذا كان نبراسك هو الغرب وهذا من حقك كما ذكرت في خاتمة مقالك فهذه أمريكا عندما أوذيت في عقر دارها تسجن في (جوانتانامو) أطفالاً وشيوخاً أفرجت عن بعضهم بعد أكثر من عام لبراءتهم ولم تعوض أحداً منهم عن الضرر المادي والنفسي الذي لحق بهم، وهي ترفض حتى مجرد التفكير في تقديمهم للمحاكمة محاكمة عادلة، مع أننا لا ننكر جميعاً على أمريكا محاكمتها لمن تسببوا في قتل الأبرياء من مواطنيها مع أن يديها ملوثتان بالدماء في مواقع كثيرة من العالم وما فلسطين إلا مثل بسيط، ولقد رأيت بعينك كيف عرضت قنواتها الفضائية على العالم صوراً لمن قتلتهم في العراق، مع أننا يا عزيزي كنا من أكثر الناس نقداً لبعث وقومية صدام في الوقت الذي كان فيه الحداثيون واليساريون العرب يدبجون فيه القصائد والمطولات من المدائح.
ولعلّك تدرك بحكم ثقافتك الدينية أن الإسلام من أكثر الأديان تحريماً لتشويه الإنسان بل إنه دعا أن يرفق الإنسان بالدابة عندما يريد ذبحها، ودعا صراحة إلى عدم قتل النساء والشيوخ والأطفال، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما حذر من التعرض للكهان في صوامعهم،وأريد أن أختم مقالي هذا بتناول بعض ما ورد في وثيقة المدينة وهي أول وثيقة اعترفت بحقوق الآخر في العالم، فلقد روى ابن إسحاق وقال (كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار، ووادع فيه اليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم)،ومما ورد فيها (وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم، وأن من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم)، اللهم إيماناً كإيمان العجائز وكفى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :827  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 415 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج