شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هُتَافٌ منْ باب السَّلام؟ (18)
((سويقة))، هذا الاسم الذي يطلق على الطريق الذي تنتشر على جانبيه الحوانيت ويعيش أهله كأسرة واحدة، يرضون بالقليل من متاع هذه الدنيا ويتجسد هذا الشعور في انتفاء ما يمكن أن يدخل في باب الحسد والغيرة وما شابه ذلك من الصفات الذميمة، بل إن القوم كانوا يرتفعون في سلوكياتهم إلى آفاق قد يعتبرها البعض من جيل اليوم مما يدخل في باب الأسطورة، وهنا لا أروي عن أحد ولكنني أنفض عن الذاكرة غبار السنين، فأتذكر جلوسي في حانوت الرجل الصالح السيد عارف طرابيشي - رحمه الله - بحكم مودة وأخوة تربطني بحفيده السيد هلال طالب طرابيشي.
كان السيد عارف يمسك بالمصحف الشريف بين يديه، وتفيض الأنوار - دوماً - على وجوه القوم الذين امتلأت قلوبهم بمحبة الله ورسوله - عليه صلوات الله وسلامه - فهم بين منازل الحمد والشكر والذكر وكان الوقت ضحى، فجاء رجل وأخذ يقلب فيما يحتويه الحانوت من بضاعة ((القماش)) وسأل عن السعر، فرفع الرجل الوقور رأسه مبتسماً وكانت إجابته في كلمات موجزة ولكنها عجيبة ومدهشة: يا أخي - لقد استفتحت - ولله الحمد - انظر إلى جاري فلديه مثل هذا ((القماش)) وهو لم يستفتح بعد. صنيع الرجل الصالح، كلماته الهامسة، إجابته الصادقة تذكر بالآية الشريفة وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
رائحة البخور من ((المجامر)) تمتزج برائحة الأرض الطيبة التي تشرفت بخطوات سيد الخلق - وهو يتنقل بين أسواقها، وبساتينها، وأوديتها وجبالها. وصوت ((الريس)) تردد صداه قمم أحد، وسلع، والجماوات. ونداء الحادي يخترق هذا السكون المهيب في ليلها المضيء، إنه النداء الذي عرفته سماؤها منذ أن فتحت ذراعيها للحبيب الأعظم - صلى الله عليه وسلم - يرددون في نشيد عذب، لم يستطع الزمان بكرّه وفرّه أن يأتي على شيء من حلاوته وطلاوته، بل هو يتألق مع مرور الأزمنة بهاء حين ترتفع به الأصوات المسكونة بالحب والشجن:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع... وجب الشكر علينا ما دعا لله داع.
وطوى الزمن ((سويقة)) ولكنه لم يطو صفحات الذكريات الجليلة التي شهدتها حجارتها العريقة، ومنعطفاتها التي طالما أورق فيها حب صادق امتزج بدماء وعروق القوم الذين أكرمهم الله بالجوار وخصهم برؤية الروضة والمنبر، والمقام، إنه حبك الساري - يا ابن عبد الله صلى الله عليك وسلم - في أرجاء هذا الكون وسوف يظل كذلك إلى الأبد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :727  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 121 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الغربال، تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه - الجزء الثاني

[تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 2009]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج