شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هُتَافٌ منْ باب السَّلام؟ (15)
أصوات ترتفع من هنا وهناك في سوق العياشة، كأنني أسمع صوت ذلك الرجل الوديع - محمد علي خراز - رحمه الله - ((مبسطه)) يقابل حانوت الشيخ أحمد حوالة - رحمه الله. وهذه مناسبة أذكر فيها الدكتور أنور ماجد عشقي، بأنه في ذلك الزمن الذي لم يدركه أي منا، كان هنا ركب يدعى بركب ((الحوالة)) وآخر باسم الداغستاني، وأن حمزة لبان - الذي كان شيخاً للحي الذي نشأت فيه المعروف باسم ((العنبرية)) انفصل عن ركب ((الداغستاني)) ولكن ((اللبان)) لم يعمر بعد ذلك طويلاً فسار بعده بالركب ابن أخته ((إبراهيم سيف)) وجاء بعد ذلك عبد القادر - المنشد - شيخا للعنبرية بعد ((اللبان)) وإن لم تخني الذاكرة فهو - أي المنشد - كان يرتبط بعلاقة نسب مع - آل بشير - والدهم المرحوم ((حسن بشير)) كان إماماً لمسجد بهرام آغا - بجوار التكية المصرية، وظهر اللبان في وقت كانت ((العنبرية)) تباهي بالرجال المطاليق فيها من أمثال ((الدوي)) الدودي، هو والمرحوم مصلح هويدي من أسرة واحدة، وكان الهويدي نسيباً لواحد من أشهر رجالات العنبرية والمناخة وهو - درويش سعد. ولقد أدركته في مطلع العمر هو وأخ له يدعى - محمد علي سعد - رحمهما الله - شيء يا صديقي الدكتور سمعته عن والدي، فرويته منسوباً له، وآخر شاهدته فالذاكرة ما زالت تعينني على تصويره، أحاول أن ألتقط صوره قبل أن تفر من بين يدي، والتاريح الحقيقي لأي مجتمع هو هذه الأشياء اليومية الصغيرة والمتناثرة. لم أشاهد الركب المدني فرجاله طواهم الزمن قبل أن يشتد العود مني، ولكنني شاهدت الركب المكي يدخل المدينة في مشهد بهي ومؤثر، تدخل الركائب حتى تصل إلى آخر شارع العينية، يصلي على الحبيب - صلى الله عليه وسلم - الرجال من فوق ظهورها، ثم يعودون أدراجهم إلى الحلة في المناخة، أو إلى زقاق الطيار أو إلى باب الكومة حيث مقهى - الفار - رحمه الله - ويمشي كثير من أبناء ((الحارة)) القادمين للزيارة على أقدامهم حفاة إجلالاً لمقام الأرض التي وطئتها قدما النبي الخاتم - عليه صلوات الله وسلامه - وبقي في مكة من أهل الركب غير الشيخ عبد العزيز محضر، ثلة من الرجال يأتي في مقدمتهم العم (عبد الله آدم) المزهد المعروف من أهل الشبيكة أما الحبيب ((السيد عباس المالكي)) فهو من أسرة علم وفضل، ولكن في جعبته الكثير عن الركب، ويعرف أبو عاصم عن فن الإنشاد ما لا يعرفه غيره، فحبذا يا صديقي لو سمع منك جيل اليوم ما كان يتمتع به جيل الأمس من رجولة وشهامة ونبل.
يا جليسي في حصوة المسجد، ويا من كنت أشكو إليه هموم الغربة، ووطأة الزمن وقسوته، فإذا هو يرسل ابتسامته الدائمة ليزيل ما حل بالنفس من وحشة وما اعتراها من قلق، أتذكر يا ابن الأرومة الطاهرة حديثنا ضحى في ((نقا)) الأحباب، وسهرنا عشية في ((خيف)) الرواجح،وجلوسنا بمقعد الصفاء ((بشامية البصنوي))، ويوم رحل الرجل وهو ينطق بكلمات الحق وهو على كرسي الطبيب، لقد أذن وأقام وكأنه لم يخرج من المقام، خرج من هذه الدنيا وترنيمة ((الحب)) على لسانه وأنشودة الطهر والجلال تسري من بين شفتيه في سهول مكة وبطاحها وأوديتها، ويبقى الصدى يعاود آذاننا بين الحين والآخر، فنلوذ بالصمت، ونحتمي بالماضي من عجائب دهر ذهب أجمله وبقي أشده وأصعبه.
ـ آخر الكلام:
شكراً لكم والشكر يو
م، الدين في الحسنات يوزن
ولقد تأذن ربنا
للشاكرين بما تأذن
إن الذي صاغ الفضا
ئل، صوغ مقتدر تفنن
حلاكمو وحباكمو
منها بأجملها وزين
أخلاقكم أبدأكما
شاهدتها ورد وسوسن
الدين والنسب الزكي
الطهر والحسب المعنعن
والناس لو وزنوا بكم
كنتم بفضل الله أوزن
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1046  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 118 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.