شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أشجان الشامية (6)
تمتد رحلتي معك إلى أمكنة عديدة في البلد الحرام، في (شِعْبِ عامر) صديقاك فيه (عبد الله بن ظافر) و(أحمد غَبْرة) - رحمهما الله - والأخير عرفته صديقاً لك ولوالدي.. فصيح اللسان تبدو جزالة الكلمة في كل عبارة ينطق بها، يحدثني والدي قائلاً: كان أبوه (الشيخ خليل غبرة) أفصح منه عبارة وأجزل منه قولاً. نتوقف فجأة في طريقنا إلى (الدَّحلة) أمام رجل يمتطي دابته.. يترجل الشيخ المسن عن الدابة.. يتجاذبان الحديث يعودان إلى ذلك الماضي الجميل الذي قضياه مع أهل الحارة.. ثم يستأذن الرجل.. يغرز عصاه الغليظة في الأرض ويقفز فوق ظهر الدابة... رشاقة الشيوخ وهم يدلفون نحو المحطات الأخيرة من حياتهم.. أسمع الكلمة منك عن الرجل بعد انصرافه، هذا رجل من وجوه أهل الشعب إنه الشيخ ((موسى))، لا تمر على قوم إلا وحيُّوك في وجوههم البشر، في كلماتهم الحب، وفي سلوكياتهم الطهر والنزاهة، أهل الشّعبين في مكة (شِعْبُ علي وشِعْبُ عامر) يُولدون فصحاء، في أحيائهم وُلِدَ أفصح العرب وسيد البشر، وشفيع الأمم محمد بن عبد الله - عليه صلاة الله وسلامه - وبين أفياء دورهم تنزلت آيات الكتاب المبين.
في الليل نتابع الرحلة إلى (حارة الباب) في جبل الكعبة بيت السادة (آل البار) بيت عريق في النسب، راسخ في العلم، كأني أنظر إلى ذلك الوجه المشرق وهو يحدث الجمع من الناس.. إنه السيد علي البار - رحمه الله - وفضل البار - أمد الله في عمره -.. نتشوق إلى مساء ((الجمعة)) لنحظى فيه بجلسة العلم وساعة الصفاء.. وإلى مساء الأربعاء لننعم برؤية السَّيد الفاضل حسن فدعق - رحمه الله - جد الحفيد الصالح السيد عبد الله بن محمد فدعق.. أدركت الجَدّ وقد امتدَّ به العمر المبارك يتجمع الناس من كل أنحاء البلد الطاهر ليسمعوا كلمات الرجل الصالح ويحظوا بدعائه الذي يختم به المجلس، تلك بيوتٌ من بيوت العلم، يعود تاريخها إلى قرابة قرن من الزمن أو ينقص قليلاً، وليس بعيداً عن هاتين الدارين في حارة الباب، تقع دار السادة (آل الحبشي) نؤُمُّ الدار بصحبة الإخوان لصداقة وطيدة مع السيد أحمد بن حسين حبشي، والسياق يقتضي أن أروي هذه القصة التي سمعتها من المرحوم الأستاذ ((محمد حسين زيدان)) قال: كان جد آل الحبشي ((السيد محمد بن حسين حبشي)) رجلاً عالماً ومربياً فاضلاً.. وجاء رجل في يوم من الأيام يطرق باب الدار العامرة، وحين أطل الشيخ المهيب من نافذة الدار، تلجلج الرجل الغريب في حديثه فهو قد أخطأ الطريق وضَلَّ الدرب، ابتسم الشيخ في وجهه ثم أشار إلى الجهة الأخرى من الحي.. كأنه يعرف بغيته ومراده، ولا تخفى عليه خطوات الرجل التي تتسلل إلى الحي خلسة في سكون الليل ومع هجعة الأعين، والليل كما يقولون ((سَتار)) يقول الزيدان - رحمه الله - كأني استمع إليه ((وكانت ليلة القدر، وساعة الإجابة، ونظرة الرضوان)).. سلوك الشيخ الجليل من آل ((الحبشي)) وحسن تعامله وسعة صدره، أثر في الرجل الغريب.. لقد أقصاه عن الطريق الذي سلكه في ماضي حياته وسابق أيامه.. وسلك به طريق الهداية ودرب النجاة. جاء ((الغريبُ)) في الليلة التالية إلى الدار نفسها - قصداً - لم يفتح الرجل العارف دفة النافذة وينظر إلى الطارق، ولكنه سعى إليه، وفتح له الباب.. وأي باب ذلك الذي فُتح؟ وأي درب ذاك الذي عُبِّد؟ ثم رفع يديه الطاهرتين إلى السماء.. وناجى المولى بكلمات صادرة من قلب عامر بالإيمان، ثم انصرف صاحبنا وقد اطمأنت نفسه، وتحررت روحه من إسارها، وانعتقت من قيودها، وانطلقت في ذلك الفضاء الرَّحب فضاء الحب والطهر والصفاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :611  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل