شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة المناخة (18)
ـ إنني لأذكر يا صديقي لقاءنا الأول بين الساحتين. لقد امتدت الأيدي وسبحت الأرواح في فضاء واحد، فضاء الحب والألفة والصفاء، ولكأن الفضاء الذي كان يقوم في عالم الحس أمامنا كان له ما يوازيه في عالم الروح، لقد تلاشى ذلك الفضاء الذي كان يعمر بين المغرب والعشاء، ويخلو من زوّاره ومُريديه إذا ما خف الناس إلى دورهم ليلاً، ولكن أرواحنا يا صديقي لم تزل تسبح في ذلك الفضاء الآخر الذي لا تحده الحدود وتعجز عن وصفه الحواس. اللغة هنا تقف عاجزة، ولا تقوى على الانطلاق. وتتركنا حيرى إزاء أشياء عديدة نحسها ولا نستطيع البيان عنها، بل إن ألستنا لتنعقد، ومداد كلماتنا يتوقف، وفي ذلك الدليل على أن الإِنسان أَلِف عالم الحس فتوقفت به مداركه وقدراته عند ذلك، وعندما يسعى لاختراق العالم الآخر الموازي لهذا العالم يكون العجز من نصيبه. ولكنه مع ذلك العجز ليشعر بالدهشة ويحس بالرغبة في الانطلاق، ويتطلع إلى التحليق. وقلة من بني البشر ممن وهبهم الله الأجنحة التي يستطيعون أن يحلقوا بها في تلك العوالم التي غاية ما يتطلعون من ورائها أن تصيبهم قطرات ندية من أجوائها، يعودون بعدها مُحمَّلين بمقامات الحب والصفاء، الحب الذي يجعلهم يبتسمون عندما يستبد الغضب بالآخرين، ويصفحون عندما لا يستطيع نظراؤهم من بني البشر التخلص من نوازع الثأر أو دواعي الانتقام. تلك المقامات التي تحملهم على رؤية الجمال في موجودات هذا الكون وهي التي تمدهم أيضاً بالقدرة على إضفاء صفات الجمال والحس على كل مظاهر هذا الوجود الذي تضيق عن تحمل أعبائه النفوس، وهو شعور طبيعي لا غرابة فيه ولا يعتبر شذوذاً الإِحساس به، ولكن التعالي على مثل هذا الشعور أو محوه من النفس هو نعمة يسديها خالق هذا الكون ومديره لبعض عباده، وأعظم بها من نعمة وأكرم بها من مزية. تلك المقامات - يا صديقي - هي التي تطهِّرُ نفوسهم من حقد قد يحمل النفس على ارتكاب ما تعده هي في أوقات أخرى وزراً في حقها قبل أن يكون وزراً وسوءاً في حق الآخرين. هي التي تجعل ذلك الحقد يتفتت ويذوب كما يذيب الماء الصّخور ويفتتها. الحب - يا صديقي - هو ماء الحياة الذي ظل الإِنسان في مسيرته الطويلة يبحث عنه ويَجِدُّ في طلبه ويتصوره دوماً بعيداً هناك عند مغرب الشمس حيث لا ضياء ولا دليل ولا أثر..
يا صديقي يا مُوقدَ الشَّموع في ليل الأحزان، يا صَانعَ الحب في زمن النسيان، أعدني إلى مواطن الأحباب وأسمعني أصواتاً طالما تغنت بالجمال الذي تبدى لها في عالم الروح، أليست هي الأصوات التي صنعت الشوق في نفوسنا، ونحتته في دواخلنا؟ أليست هي الأصوات التي كانت تدفق الوجد فينا، وتمنحنا الرغبة في الإِبحار إلى ذلك العالم المجهول، عالم النفس الذي أعيانا البحث في رغباته وتطلعاته؟ فهي رغبات كثيراً ما تتناقض، وتطلعات لا تكف عن طلب المزيد. أعدني يا صديقي إلى المنبع فهناك دوائي وهناك المطلب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :709  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 50 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج