شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حارة الأغوات (11)
إذا ما أمطرت السماء في بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم انغسلت معها النفوس وتطهرت القلوب. وما أكثر أدران الحياة وما أضعف هذه النفوس في مواجهة نعيم الدنيا وإغراءاتها. يهرع الناس إلى الحرم يمتعون النظر بمرأى القبة الخضراء الحاضنة للرحمة المهداة للعالمين وهي تستقبل رحمة السماء ينسكب الماء من كل ميزاب في الحرم يلامس ذرات الأرض التي يعفر الناس فيها وجوههم من جميع أطراف الدنيا لخالقهم وليس في المدينة موضع إلا ويشهد بوحدانية الله وليس بين أحيائها موقع إلا وتنقلت فيه خطوات سيد الخلق عليه صلوات الله وسلامه أو اجتمع فيه صحابته رضوان الله عليهم أو زار فيه مريضاً أو شيَّعَ فيه ميتاً.
لن نستكثر على بعض سلف هذه الأمة حبهم، لتلك الأرض ليس للأرض ذاتها فلقد كانت قبل حلوله فيها موئلاً للحمى وتحولت بعد هجرته إليها مصدراً للنور لن نستكثر عليهم هيامهم بآثارها. فالآثار قبله كانت آطاماً يتقاتل من فوقها الناس، وبعده أضحت مساجد ترتفع من فوق مآذنها كلمات الحق التي أمره الله أن يصدع بها ولئن افتخرت الحضارات الأخرى بملامحها في ميادين الكر والفر فأرض المدينة تروي ملاحم الحب الذي صنعه سيد العرب عليه أفضل الصلاة والتسليم بسجاياه العظيمة.. ألم يؤلف قلوباً كانت متنافرة ويقضي على ثارات كانت متأججة ويوحد جموعاً كانت متفرقة، جمع الله له السلام والمعجزة في شيء واحد لقد كانت المعجزة في الكلمة فهي وحي يتنزل وقرآن يتلى وقيم سامية تُطبَّق، بالقرآن استقامت له قلوب الناس لقد داوى القرآن قلوباً غلاظاً وهذب طباعاً شاذة بالأمس كانوا يقاتلون بعضهم البعض واليوم يقاتلون عدواً واحداً. بالأمس كانوا يغيرون على جيرانهم واليوم يجعلون للجار حرمة وللآخر ذمة.. بالأمس كانوا يسهرون فيحيلون الليل لهواً وصخباً واليوم تهجع منهم العيون في أول الليل وترتفع منهم الأكف في الهزيع الأخير منه يناجون مولاهم بألسن لا تعرف الكذب وقلوب تنزهت عن الحقد وأنفس ترفعت عن صغائر الحياة. وإذا ما أظلهم الصبح فهم آخذون من دنياهم بنصيب لا يشغلهم ما فيها عن ذكر الله ولا تتبدل أخلاقياتهم لبريق يلوح منها أو بزهو تجرهم إليه فتنتها.
تلك لمحات من سيرة الأمة التي عاشت فوق تلك الأرض المحبوبة، فالأرض بهم طابت ومن أجلهم تسامت في أعين الناس على مر التاريخ فلا شوق يعدل ذلك الشوق الذي يجدونه في نفوسهم إليها ولا حب يداني ذلك الحب الذي يستشعرونه في أعماقهم لمرابعها إلا أن ما يجدونه في نفوسهم من شوق وما ينسكب من أعماقهم من حب إنما ينبثق ضياؤه من ذلك النور الذي قال الله فيه في محكم كتابه: قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (المائدة: 15).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :593  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.