شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الخنافس الحية..
والقارىء لا بد أن يتساءل عن علاقة الخنافس بتمثال العقربة؟؟ وكان هذا هو السؤال الذي همست به في أذن (أبو الفتوح) فضحك ضحكة خافتة وقلَبَ تمثال العقربة ـ لأراه محفوراً، وأخذ يتمم العملية... وضع أحد الخنافس في الحفرة، أو الفراغ المعد لها في التمثال كانت أصغر مما يجب... فجرب الثانية، واستقرت الثالثة، فطوَّقها بما حولها من الزِّفت... ووضعها أمامي على المنضدة، فأخذت تمشي (عقربة) بكل شكلها الخطر.
وكان الأستاذ قد رفع صوته بكلمة (اقرأ يا ولد) ثم استغرق في النوم كعادته... فإذا (بأبو الفتوح) ينهض من مقعده، وينطلق على رؤوس أصابعه إلى الأستاذ، ويضع العقربة على صدره تقريبا.
والأعجب أن تلاميذ الفصل، كانوا يتابعون حركة أبو الفتوح وانتظروا إلى أن عاد إلى مقعده، وقد أخذت العقرب تمشي على صدر الأستاذ، ليصرخ أحدهم.
:ـ. عقربة.. عقربة يا أستاذ.
وبتصايح آخرون.
:ـ. عقربة.. عقربة يا أستاذ.
وارتعب الأستاذ طبعاً ولا أدري كيف وقع بصره على صدره والعقربة ماتزال تتسلَّق أو تسرح عليه، فأخذ يصرخ هو أيضاً
:ـ. العقربة.. العقربة يا حمزة.. يا حمزة
ونهض عن الكرسي الذي يجلس لتسقط العقربة على الأرض وهو مايزال يردد (العقربة... العقربة يا حمزة).
وقبل أن يسمعه (حمزة سليم) ويدخل الفصل وفي يده (فردة نعاله الثقيلة)، كان الأستاذ قد خرج وهو مايزال يردد (العقربة... العقربة)
والعجيب أن العقربة وقد سقطت على الحصير الأصفر، لم تتوقف عن الحركة.. كانت تمشي، وذيلها المعقوف بشوكته مرتفع إلى أعلى، ولم يسع حمزة سليم إلاَّ أن ينقض بفردة نعاله الثقيلة على العقربة.
وهنا كانت (الفضيحة)، فقد تبطط تمثال العقربة وفيه الخنفساء اللعينة على الحصيرة، وأدرك حمزة (اللعبة)... حرص على أن يرفعها كما هي. ودون أن يتكلم خرج بها في يده من الفصل.
كان الفصل ـ قبل الفضيحة ـ يضج بالضحك والصخب... ولكن بعدها أصفرَّت الوجوه، وأخذ كل منا يحملق في الآخر.. وهنا كانت البادرة التي ماازال معجباً بها... بهؤلاء الأطفال وأكبرهم ـ العريف ـ لم يتجاوز الثانية عشر من عمره...
كلنا كنا نعرف أن (أبو الفتوح) هو الذي قام بالعملية كلها، وهو الذي تسلَّل ووضع العقربة على صدر الأستاذ المستغرق في النوم... كما كنا ـ وكل منا يحملق في وجه الآخر، ندرك أن حمزة سليم قد ذهب بالعقربة إلى (السيد ماجد عشقي)، أو حتى إلى السيد حسين طه (مدير الراقية)... بل كنا ندرك أن الأستاذ نفسه قد دخل مرعوبا على السيد ماجد عشقي.
لم يتكلم أحد منا ليقول أي كلمة.. ربما لأننا لا نجد ما يمكن أن يقال... ظللنا واقفين، ننتظر نداء حمزة سليم يقودنا إلى مصيرنا المجهول، وما هي إلا دقائق حتى دخل حمزة، وهو يتساءل:
:ـ. قولولي... مين اللي...
وقبل أن يكمل سؤاله.. وجدنا أنفسنا ـ كلنا ـ نقول:
:ـ. ما ندري.
واحتدم حمزة وهو يقول:
:ـ. خلاص... كلَّكم تمشو معايا، هيا تعالوا.
ومشينا خلفه لننتهي إلى غرفة (السيد ماجد عشقي مدير التحضيرية) وكان معه إلى جانبه (السيد حسين طه مدير الراقية) وعلى مقعد في ركن الغرفة جلس الأستاذ... وهذا يعني أن المسألة أخذت حجماً ضخماً... ولكن أعجب ما في الأمر أن (أبو الفتوح) نفسه كان متماسكاً ليس في ملامحه ما يمكن أن ينم عن أنه هو الذي فعلها... ولم نكن نحن نختلف عنه تماسكاً وتظاهراً بالاصرار على كلمة: (ما ندري...).
وبدأ السيد ماجد عشقي التحقيق... كان يطلب من كل منا أن يتقدم إلى مكتبه، فيركز عليه نظرته الحادة.. ويسأل
:ـ. مين منكم اللي سوَّى العقربة،... ومين اللي حطها على صدر الأستاذ؟
ولم يقل أحد منا إلا نفس الجواب.
:ـ. ما أدري يا أستاذ..
وأدرك الأستاذ السيد ماجد عشقي، ومعه السيد حسين طه اننا لن نقول شيئاً... أدركا أنه موقف جماعي باتفاق سابق بيننا جميعاً، فلا سبيل إلى معرفة الفاعل، ولذلك أخذ الأستاذان أو المديران يتحدثان بالتركية.. ثم طلب السيد ماجد، من حمزة سليم ان يجيئه (بالفلكة) و (الخيزرانة) وهو يقول:
:ـ. كل واحد منكم ياكل فرش إلى أن يعترف ويقول مين اللي عملها.
وبالفعل، جاءت الفلكة... والخيزرانة، ومع حمزة سليم البواب، وبدأت عملية (الجْلد) على كفيْ القدمين... وليس خمس جلدات أو عشر، وإنما أكثر من عشرين. والعادة، أن يردد الذي جلد من التلاميذ صارخاً كلمة
:ـ. أتوب... والله أتوب يا أستاذ
ولكن هذا لم يحدث، كل منَّا كان يضع ذيل ثوبه في فمه، ويتجلد فلا يقول هذه الكلمة التقليدية... تم جلد الجميع.. ولكن دون أن يقول أحد منا، من الذي فعلها.
وبعد أن نال كل منا نصيبه من الجلد، عدنا إلى الفصل في انتظار صفارة (الفسحة للغذاء)... ولكن ليس في عيوننا أي أثر للدموع... كنا نتألم ونحن نمشي... ولكن لا بكاء، ولا كلام.
واكتشفت بعد ذلك، أن العملية كلها كانت باتفاق سابق بين تلاميذ الفصل بمن فيهم العريف... للخلاص من الأستاذ الذي يقول: (إقرأ... يا ولد!!) ثم يستغرق في النوم... واختاروا أبو الفتوح، لأنه هو صاحب الفكرة وهو الذي كانوا يعرفون براعته، في صنع تماثيل لمختلف الحشرات أو حتى الحيوانات من (الزفت) الذي لا أدري ماذا يسمى هذه الأيام.
* * *
الأيام في المدرسة
أما في البيت، ومع أمي، وعمي، فقد أخذت أسمع، وأفهم أن أمي توشك أن تضع طفلاً، وانهم يستشيرون المستشفى العسكري. عن (الداية) التي يمكن الاعتماد عليها في الولادة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :845  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج