شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشعر الأشقر والقلب العجوز
مع أني لم أفهم شيئاً من موضوع الحوار بين الخالة فاطمة، وابنتها بدرية، عن العم محمد سعيد، وزوجها عبد المنان، إلا أن احساسي بأن الخالة فاطمة متوترة، جعلني لا أستبعد أن يحدث شيء ـ أي شيء ـ عندما يدخل العم محمد سعيد، الذي فهمت أنه قد تأخر عن موعد عودته بعد صلاة العشاء، لأنه ذهب للقراءة على مريضة بمرض لم أسمع عنه إلا في هذه الليلة، وهو (اليرقان)... أما العلاج بالقراءة من أي مرض، فلم يكن غريباً على ذهني، لأني ما زلت أذكر أن جدّي رحمه الله، كان كثيراً ما يجلس إلى فراش خالتي، ثم يأخذ في قراءة هامسة، أفهم أنها لعلاجها من المرض الذي ماتت أخيراً به... وقد علمت بعد سنين من أحاديث أمي وهي تتحسر وعيناها دامعتان أن ذلك المرض كان (السل)... وأن السل هذا هو ما يسمّونه (داء الشباب).
وحين دخل العم محمد سعيد، وخلفه عبد المنان الذي كنت ليلتها أراه للمرة الأولى وقد أدركت من الحوار بين الخالة فاطمة، وابنتها بدرية، أنه (زوجها).. لم تفتني ملاحظة نظرات الخالة فاطمة وهي تلاحق العم محمد سعيد، في اتجاهه نحو باب القاعة، بينما اتجه عبد المنان، إليها وانكفأ على يدها يقبلها، بينما أسرعت هي تبعد لَيَّ الشيشة وتعلقه في المشجب. كانت أمي قد جلست إلى جانبي، وقد التفت في القسم العلوي من (الملاية)، وهو الذي درجوا على أن يسموه: (الفوقانية). لم أجرؤ على أن أسألها عما إذا كنا سنبيت ليلتنا هنا... أم أننا سنعود إلى البيت... ولا أخفي أني كنت في نفس الوقت مشغول الذهن ببدرية التي نهضت لتعد (السماور)، وتجهز العشاء... وهذا إلى جانب أنى قد أصبحت أشعر برعب يعصر قلبي، كلما وجدت نفسي أدخل البيت ويدي في يد أمي، وعلى الأخص ذلك الدهليز الحجري المظلم حتى في النهار... ظللت التزم الصمت، كما التزمته أمي والخالة فاطمة، وحتى عبد المنان، الذي أخذ مجلسه في الطرف المقابل من الدكة، ظل ساكتاً... أما العم محمد سعيد، فقد خرج من باب القاعة أخيراً، بعد أن خلع الجبّة والعمامة وارتدى ثوباً أبيض، وعلى رأسه ما كان يسمى (الطاقية) التي تستورد مصنوعة ربما من الحرير من تركيا أو بخاري.
وما كاد يتجه إلى الدكة حتى نهضت الخالة فاطمة، كما نهضت أمي، ومعهما عبد المنان.
ووجدت نفسي أنهض أنا أيضاً معهم... وقد تعلمت مع الأيام، أن النهوض هكذا عندما يدخل أحد (الكبار). واجب و (أصول) و (أدب) جرت العادة أن يتقيد به (الصغار)... وأخذ العم محمد سعيد مجلسه في الركن من صدر الديوان، وبعد أن تمكن من مجلسه، ومرّ بمنديل في يده على جبهته وعينيه التفت إلى الخالة فاطمة، ليرى نظراتها شبه مسمرة عليه... كان في هذه النظرات ما جعله يفهم دون شك أنها تريد أن تقول شيئاً هاماً... ولم يطل انتظاره إذ قالت وهي تجلس، ونحن نجلس في أماكننا أيضا:ـ.
:ـ. كيف حالها؟؟؟
وبعد تردد لحظة قصيرة قال:
:ـ. مين هيه؟؟؟
:ـ. اللي بتقْرا عليها من (اليرقان) ؟؟
ولم يستطع العم محمد سعيد أن يخفي دهشته، فقال، وهو يلتفت التفاتة سريعة يستدركها إلى عبد المنان الذي نقل أخبار (التي يقرأ عليها) من (اليرقان)...
:ـ. اليوم أحسن من أمس.
:ـ. ومن متى أنت بتقرأ على اليرقان؟؟؟
:ـ. أعرف القراية على اليرقان، وعندي كمان (الطاسة) من زمان..
:ـ. لكن يعني، عمري، ما سمعت انك بتقرا على أحد، والطاسة اللي بتقول عليها مرمية في دولاب الكتب من سنين.
:ـ. بس، لما واحد يحتاج اني اقرا على بنته أو وولده، لازم ما أتأخر...
:ـ. ونجم الدين أفندي، ايش اللي عرفه انك...
وهنا، بدا العم محمد سعيد متضايقاً، فأدار وجهه عنها وهو يقول في نبرة لم تخل من حدة.
:ـ. يحيى مرغلاني هو اللي أظن قال له... ما أدرى ايش اللي تبغي تقوليه؟.
:ـ. اللي أبغا أقوله... أنها أصغر من بدرية.
:ـ. يمكن... أبوها بيقول أنها ما دخلت العشرين. لكن ايش قصدك؟؟؟
:ـ. ايوه ما دخلت العشرين... وكمان شعرها أشقر.. وبيضا..
ولم يعد هناك شك، في أن العم محمد سعيد قد أدرك ما يدور بذهنها، فقال مراوغاً.
:ـ. عندك أحد يبغا يتجوزها؟؟؟
وبنبرة مشحونة بسخرية حاولت أن تخفف منها قالت:
:ـ. أيوه... هوه هادا اللي أبغا أقوله... عندي ما هو واحد بس... عندي اتنين...
ولولا نبرة السخرية التي تنم عن رغبتها في النقار، لصدق العم محمد سعيد أن هناك فعلاً شخصين يتقدمان لخطبة الفتاة... ولكنه تظاهر بأنه يصدق ما تقول فأجاب:
:ـ. والله ياريت يكون كلامك صحيح.
:ـ. يعني ما تعرف أنو فيه اتنين يبغو يتجوزوها؟؟
:ـ. لا... ما أعرف. انتي ما قلتيلي.
:ـ. طيب أقول لك دحين... اتنين تعرفهم...
:ـ. مين هما يا فاطمة؟؟؟ وفين بدرية... فين العشا.. يعني ما تبغى تعشى ضيوفك؟؟
وفجأة ارتفع صوت الخالة فاطمة، واتسعت عيناها، بحيث أحسست أنها توشك أن تهجم على الرجل وقالت:ـ.
:ـ. اسمع... أنا عارفة ايش اللي بتجرى وراه... بس أنت ناسي أنها أصغر من بنتك.
:ـ. يعني ايه؟؟؟
:ـ. يعني أنت اللي ناوي تتجوزها.
والعجيب أن العم محمد سعيد، بدا وكأنه كان يتوقع أن تقول ما سمع فقال بعفوية وبرود: وبضحكة مصطنعة خفيفة.
:ـ. هادا واحد... لكن مين التاني؟؟
:ـ. التاني جوز بنتك... هادا اللي رايح جَيْ معاك... يعني هوه كمان بيقرا عليها من اليرقان؟؟
ولأول مرة، رأيت عبد المنان، يرفع راسه من اغضائه الطويل، ويلتفت نحوها، وفي عينيه دهشة وتساؤل.. بينما واصل العم محمد سعيد ضحكته وهو يقول:
:ـ. هادا شرع جديد... اتنين يتجوزوا وحدة..
:ـ. ايوه هادا شرعك أنت...... شرع نجم الدين معاك... لما يقول لك أنك أكبر من أبوها ما يقدر يقول شي في عبد المنان...
:ـ. تبغيني أقول لك الكلام الصحيح؟؟
:ـ. بدون ما تقوله أنا عارفاه... أنت من أيام ما كنا في الشام، بعدما الشوطة أخدت جوزها... وأنت بتجري وراها..
:ـ. لكن يا فاطمة انتي عارفة اني من زمان اتمنى يكون عندي ولد... قلت لك في الشام ناخدد واحد من الأولاد اللي كنا بنشوفهم في الشارع نربيه.
وهنا دخلت بدرية، حاملة بساط الأكل (الصفرة)... بسطته على الأرض... والتفتت إلى زوجها، عبد المنان.. ودون أن تقول شيئاً رأيته ينهض، وحين اتجهت تخرج، كان يمشي خلفها، وتابعت الخالة فاطمة تقول وقد ارتفع صوتها وبدت متوترة تتعثر الكلمات في فمها:
:ـ. يعني تبغا تتجوزها عشان تجيب لك ولد.. موكده؟؟؟
:ـ. بس يا ريت أبوها يوافق.
وهنا، استدارت الخالة فاطمة في جلستها بحيث أصبحت تواجه زوجها في مجلسه وقالت:
:ـ. اسمع يا محمد سعيد.. أنت ما لك في هادا البيت الا حوايجك.. وهادى الكتب اللي في المأخر... من بكره في الصبح ما أشوف لك جرة... أنت فاهم؟؟؟
قالت هذه الكلمات، ثم نهضت... ودون أن تلتفت إلى أمي التي كانت ماتزال في مكانها ملفعة بالملاية... اتجهت الخالة فاطمة إلى باب الخروج من الديوان... فأسرعت أمي تنهض وتلحق بها وهي تقول:
:ـ. قوم يا عزيز... أمشي..
ولكن قبل أن نصل إلى الباب، دخلت بدرية وخلفها عبد المنان، وهي تحمل صينية العشاء... وقالت:
:ـ. على فين يا ستيتة؟؟؟ أمي طلعوا فوق...
:ـ. طيب يا بدرية... أخاف نحنا ما يسير نقعد وخالة فاطمة ما هي معانا.
:ـ. بس الدنيا ليل يا ستيتة... وأمي قالولي، انتو بايتين عندنا... دحين نتعشى وأنا وعبد المنان كمان نبغا نبات هنا... أصله البيت عندنا مليان قرايب أم عبد المنان من مكة... نازلين عندنا..
وكان العم محمد سعيد يلتزم الصمت، ويده تمشط لحيته القصيرة في حركة عصبية متوالية.. وكأنه انتبه لما يدور من حديث بين بدرية وأمي فأخذ يقول:
:ـ. اقعدي يا بنتي انتي والولد... وهادي بدرية تقعد معاكم... هيا بسم الله..
ونهض من مكانه، وجلس إلى المائدة... وأسرع عبد المنان يجلس هو أيضاً...
فأخذت أمي يدي في يدها، وجلسنا جميعاً حول المائدة... وخرجت بدرية لتعود بعد لحظات، ثم تجلس إلى جانبي تماماً... ثم أحسست بيدها على كتفي وهي تقول:ـ هيا بسم الله.. قوليله ياكل يا ستيتة..
ما زلت أذكر احساسي العميق بالفرحة وأنا أسمعها تُعنى بأن آكل، ولمسة يدها على كتفي كان لها في نفسي وقع غريب لا استطيع التعبير عنه... ولكني ظللت أتمنى أن تتكرر اللمسة لأي سبب ولعل ما لا يزال يحتاج إلى تفسير هو هذا الشعور بالارتياح لهذه اللمسة من بدرية، مع أن لمسات أمي المماثلة، والحانية دون شك، والتي تتكرر مرات في اليوم، لا تترك في نفسي هذا الأثر... قد يكون شيء من هذا مفهوماً، بالنسبة لمخلوق في مرحلة اليفع أو الشباب، ولكنه يظل غامضا بالنسبة لطفل لم يتم الخامسة من العمر.
ظللنا نتناول عشاءنا في صمت إلى أن نهض عن المائدة أخيراً العم محمد سعيد وهو يقول موجّهاً الكلام إلى بدرية:
:ـ. أمك زي عادتها، يابنتي، قالت: من بكرة في الصبح ما تشوف لي جُرة في هادا البيت... وطيب اللي إنتي وعبد المنان بايتين عندنا... بكرة من بدري تقومي تلمي لي حوايجي والكتب...
ولم تكن بدرية قد سمعت أمها وهي تنذر العم محمد سعيد ذلك الانذار القاسي الرهيب، ولكن يبدو، إنها قد ألفت أمثاله طوال سنين مضت، ولذلك لم يبد عليها ما ينم عن الدهشة أو الإستنكار... كان كل ما قالته
:ـ مرحبا يابويا... بس طولو بالكم... انتو طول عمركم فيكم الاستحمال.
ولم يعقب العم محمد سعيد... وفيما كان يدخل باب القاعة، التفت إلى عبد المنان وهو يقول
:ـ أنا وأنت ننام في القاعة ياعبد المنان... وبدرية تنام مع بنت الشيخ أفندي وولدها هنا في الديوان.
ونهض عبد المنان يلحق به... فإذا بالعم يعود ليطل من الباب الموارب ويقول:
 
:ـ. لا تنسي يا بدرية تطلعي تشوفيها قبل ما تناموا... وإن كان تبغا (تعميرة... شوفي أنا جبت لها (كيزَرون) (1) جديد... يقولوا أنو وصل من الهند قبل يومين.
:ـ. مرحبا يابويا... ربنا لا يحرمها منكم...
:ـ. بس بكرة من الصبح بدري، تلمي لي الحوايج والكتب... سامعة؟؟؟؟
:ـ. مرحبا يابويا... تصبحوا على خير...
:ـ. وانتو من أهله.
و أغلق العم محمد سعيد، الباب خلفه... ولم يبق في الديوان الآن الا أمي وبدرية التي أخذت الصينية، نهضت أمي وأخذتني في يدها، إلى (بيت الماء).. حيث توضأت، وغسلت لي يدي وفمي...
كانت ليلة لا تنسى... و لم أنسها حتى اليوم.... فهي الليلة التي لم يغلبني فيها النعاس، ربّما لأول مرة طوال سني طفولتي... ليس فقط لأني ظللت أسمع الحديث الهامس الذي ظل يدور بين بدرية، وبين أمي، وفيه الكثير من حكايات العم محمد سعيد، والخالة فاطمة، وآخرها حكاية الفتاة التي يقرأ عليها من (اليرقان)، وإنما لأن بدرية كانت بجانبي... أو انا الذي كنت بجانبها... هذا الذي حصل... إذ كان موقعها بيني وبين أمي... ومع أنهم قد أطفأوا اللمبة (أم فتيلتين) التي كانت تضيء الديوان، وأشعلت بدرية لمبة أخرى معلقة في الجدار ضعيفة الضوء، فقد كانت كافية، أرى على ضوئها بدرية، وقد حررت رأسها من (المحرمة) التي كانت عادة المرأة في تلك الأيام أن تلف بها رأسها... كان شعر بدرية طويلاً، ما كادت تخلصه من تلك المحرمة حتى تهدّل، وانسدل على صدرها وكتفيها، و لا شك أني في تلك السن ، لم يكن في وسعي أن أدرك ما يضفيه شعر الفتاة على قسماتها من الحسن وجلال الطلعة ، ولكن فيما استقبلت من سنى العمر ظل شعر بدرية في تلك الليلة، معنى مستترا لا أكاد ألمح مثله في امرأة، حتى تبحر بي الذاكرة إليها، فأدرك حقيقة، أو مجموعة من الحقائق عن جمال المرأة، عبرت عنه تماثيل الأغريق، وهي تسبغ عليهن صفات التأليه، وتترك للأسطورة أن تستوعب فنوناً من الصراع بينهن وبين قدر الإنسان، لعله الذي مايزال دائر الرحى حتى اليوم.
وكانت الحكايات عن العم محمد سعيد والخالة فاطمة، كثيرة متنوعة ومتباعدة الأحداث من أهم ما فيها، إن العم محمد سعيد، ليس له فعلاً في هذا البيت.... غير ملابسه وكتبه فهو طالب علم من أبناء أسرة هاجرت إلى المدينة، ثم طرأ ما استلزم أن تعود إلى موطنها وأن تترك محمد سعيد لطلب العلم... أما الخالة فاطمة، فهي التي تملك هذا البيت، ورثته عن أبيها، وقد ورثه عن جدها... وتملك أيضا مزرعة أو ما يسمونه (بلاد) في العوالي وقد توفي أبوها عنها وعن أخيها، الذي توفي هو أيضاً فأصبحت الماكلة الوحيدة للبيت و (البلاد) إلى جانب مبلغ من الجنيهات (العُسْمَنْلي)، تعتقد بدرية أنها ماتزال تدخر بقية طيبة منها، ولم تخف بدرية وهي تتحدث هامسة، عن أمها، انها (جبارة)... ولا تخاف من أي شيء، حتى لقد فكرت أكثر من مرة أن (تذبح) بنفسها الجارية، لينفتح لها الكنز... ولم يمنعها الخوف من عملية الذبح الرهيبة، وإنما الخوف من الحكومة، ولذلك فقد اشترت عبداً ليذبح الجارية... ولكن العم محمد سعيد هو الذي أنقذ الجارية (حسينة) بعد أن اكتشفت غرض الخالة فاطمة المخيف... ولا تدري بدرية كيف تزوج أبوها من الخالة فاطمة... ولكنها تقول في نبرة اشفاق، أن أباها (مسكين)... طيب... بخاف الله... وصحيح أنه (طول عمره) يتمنى أن يرزق (ولداً) ولكن الخالة فاطمة لم تستطع أن تنجب له سواها (بدرية)... ولا أمل، بعد أن بلغت هذه السن أن تنجب... ولذلك... ـ وهذا أعجب منطق سمعته من بدرية ـ فان أباها (العم محمد سعيد) له حق، أن يتطلع إلى أن يكون له (ولد)..
ثم تضيف بدرية، في عفوية عجيبة، أنها هي نفسها تتمنى أن يكون لها (أخ) فلو أن أمها توافق على أن يتزوج أبوها بنت نجم الدين أفندي، فإن الله (كريم)... يمكن أن يحقق الأمل، وأن ترى لها أخاً.
أما بنت نجم الدين افندي هذه، التي يقرأ عليها أبوها من (اليرقان)، فإن بدرية لم تخف إنها (حلوة)... شعرها أشقر وبيضاء... وصغيرة.. ولا تخفى أيضا أن العم محمد سعيد بدأ يتعلق بها منذ كانوا في الشام... وعلى التحديد منذ مات زوج الفتاة بحمى (التيفوس) التي حصدت المئات من أهل المدينة هناك، ثم الأهم، هو أن الفتاة الشقراء مرضت بعد وفاة زوجها، وعنى العم محمد سعيد، بعلاجها من الملاريا، لان أبا الفتاة (نجم الدين أفندي) مرض هو أيضا وأصبح عاجزاً عن العناية بابنته... وتقول بدرية:
:ـ. صحيح أبويا أكبر من نجم الدين أفندي... لكن البنت يمكن تتمناه... دي تفرح به لما تشوفه داخل عليها... وتقوم بنفسها تجهز له الشاهي، وتقدمه بيدها وتقعد جنبه.
ثم تضيف بدرية بعفوية وبساطة:
:ـ. كمان يا ستيتة... أمي (جبارة)... كلامها ناشف... وطول عمرها شايفة نفسها على أبويا... يعني يمكن عشان هيّة غنيّة... لكن هوّه عمره ما قصر،... هو اللي يصرف البيت... زنبيل المقاضي هوّه اللي يكلفه... بس ما هو باين في عينها... يا ستيتة، فين وفين لمّا يسمع منها الكلمة الطيبة.
كنت أصغي إلى حديثها، ولا أدري، إلى أي ساعة من الليل، ظللت ساهراً، تغمر قلبي مشاعر غامضة، كلما أحسست بيدها، تلمسني في حركتها أثناء الحديث الطويل... وكلما هب من ذلك الشعر الذي ملأ الوسادة، بجانبي اريج عبق، عرفت بعد سنين طويلة أنه عطر (البنفسج) وان كنت لا أدري حتى اليوم، كيف كانوا في تلك الأيام، يحصلون على هذه العطور.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :836  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج