شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خدمات ننتظرها من الشاشة الصغيرة
استطاعت الشاشة الصغيرة أن تجد لها مكاناً في كل منزل، في المدن وفي القرى... وقد بلغ من ترحيب السكان بها، حد الاستغناء عن جهاز الراديو، أو عدم الاهتمام به ما دامت الشاشة الصغيرة تطل على الأسرة بموادّها، ومنها الكثير الذي يشدّ الأطفال، والقليل الذي يسترعي انتباه ربّة البيت ومنه هذه المعلومات عن الطهو يقدمها من أظن أنهم من كبار الطهاة.
ولا بد أن أعترف بأني لا أطيل الجلوس إلى الشاشة، وعلى الأخص في ساعات النهار، ولكن لا أشك في أن ساعات الإرسال التلفزيوني يمكن أن تملأ ببرامج تحتاجها الأسرة وربّة البيت على الأخص... ومن هذه البرامج، معلومات مدروسة ومشوقة عن التمريض المنزلي.. أو عن العناية بالمريض،الأطفال أو حتى الكبار، بطرق علمية، تتجاوز العشوائية والعفوية، ولا أقول الجهل.
لا تخلو حياة أي منزل، من أن يصاب أحد أفراده بجرح صغير، أو بارتفاع درجة الحرارة المفاجئة، أو بحالة إسهال ومغص، أو بآلام في الأحشاء أو الأمعاء... المألوف في كثير من البيوت، هو اللجوء على الوصفات البلدي، ولكن المألوف أيضاً في بيوت أخرى، اللجوء إلى المستشفى أو إلى الطبيب... ولا نستطيع أن نقول إن الوصفات البلدي لا تفيد، أو إن اللجوء إلى المستشفى أو الطبيب تسرّع أو خطأ... ولكن وجود فرد في الأسرة، وعلى الأخص ربّة المنزل، يعرف ما يسمّى الإسعاف الأولي، بطرقه العلمية المدروسة، يمكن أن يتدارك الحالة، وأن يحول دون تطورها إلى الحد الذي يحتاج معه المريض إلى المستشفى وإلى استدعاء الطبيب.
ومعرفة أصول التمريض المنزلي والإسعافات الأولية، تستلزم مقدرة على تخمين الحالة وتقدير خطورتها... وهذا يساعد على أن يزوّد الطبيب الذي يستدعى، بفكرة عن الحالة التي يستدعى لها، كما يساعد على القيام بالإسعافات الأولية في الحالات الحادة، إلى أن يحضر الطبيب، أو إلى أن ينقل المريض إلى المستشفى.
والشاشة الصغيرة، التي تطل على كل منزل في المدينة وفي القرية، تستطيع أن تقدم برنامجاً موسّعاً ومدروساً عن التمريض المنزلي، وعن الإسعافات الأولية التي لا يستغني عنها أي منزل.
صحيح أن طهو الأطباق الشهية مطلب تتعلّق به ربّة البيوت، وعلى الأخص منهن اللائي لا يزلن في السنة الأولى من الحياة الزوجية، ولكن صحيح أيضاً أنهن يواجهن حالات طارئة من مرض الأطفال، أو الزوج أو أي فرد في الأسرة لا تستغني عن العناية الواعية.
هناك الكثير الذي تستطيع أن تقدمه الشاشة الصغيرة، إلى جانب مواد التسلية والترفيه... بل وحتى مواد التسلية هذه يمكن أن تستغل لتقديم الفائدة لكل فرد في الأسرة، والمسألة لا تحتاج إلى أكثر من أن نفكّر في كيف نستطيع أن نجعل من الشاشة الصغيرة عنصراً يعطينا أكثر من مجرّد التسلية وملء أوقات الفراغ.
* * *
إذا كانت الدولة تعطي... تؤدي ما تشعر أنه مسؤوليتها نحو الوطن والمواطن... فمن حقها على المواطن أن يؤدي هو أيضاً، ما تفرضه عليه المواطنة وما يحتمه الانتماء، من مسؤوليات نحو الدولة.
والدولة لا تعني (الحكومة) فقط... وإنما تعني الحكومة، والوطن، والمواطنين. تعني الكيان كله في حاضره... وماضيه بتاريخه العريق، وكذلك في مستقبله الممتد. ومن منطق هذا المفهوم للدولة، تتقرر تلك العلاقة العضوية بين جميع أجزاء هذا الكيان... وهي علاقة عضوية، بمعنى أن ما يمس الجزء من هذا الكيان يمس في الواقع الكيان كله وما يمس الكيان بمفهومه الكلّي الكبير، يمس الجزء مهما دق أو صغر. ولذلك فإن مسؤولية هذا الجزء الصغير - وهو المواطن - عن الحفاظ على الكيان، هي نفسها مسؤولية الدولة بكامل حجمها الضخم. ومن منطلق الإحساس والإيمان بهذه المسؤولية يتعيّن على المواطن أن يساهم بما يستطيع وما يملك، في جميع عمليات البناء والتنمية والتطوير على أوسع نطاق...
وما أكثر ما سمعنا عاهلنا العظيم، جلالة الملك فهد بن عبد العزيز، يذكر بالخير جهود المواطنين، التي ساهمت في كل إنجاز ضخم، وما أكثر الإنجازات الضخمة، التي تمّت وأصبحت تملأ مختلف مرافق الحياة في طول المملكة وعرضها.
لا نحتاج أن نقول، إن كل إنجاز من هذه الإنجازات قد أنفقت على إتمامه الدولة ألوف الألوف من ملايين الريالات... كما لا نحتاج أن نقول إن كل إنجاز من هذه الإنجازات يمثل ادّخاراً... يمثل ثروة هائلة، يصعب أن نتصور حجمها... وهذا الادخار... أو هذه الثروة بكل ما أصبحت تقدمه من خدمات يتمتع بها كل مواطن... بل كل مقيم في المملكة، أصبحت أمانة غالية في ذمة المواطن... في ذمة الجزء الصغير من كيان الدولة... وهو المسؤول عن الحفاظ عليها... ومسؤوليته هي نفس مسؤولية الدولة بكامل حجمها الضخم.
تلك حقيقة يجب أن يعيها المواطن، وأن يدرك أبعادها، وأن يتعامل على ضوئها في كل خطوة يخطوها في مسيرة حياته. وقد لا ينبغي أن نقول إن الوعي أو الإدراك من هذه الزاوية بالذات، لا يزال شبه مفقود على مستوى الجماهير، أو على مستوى القاعدة العريضة... وتنمية هذا الوعي أو هذا الإدراك، مسؤولية يشترك فيها البيت والمدرسة والجامعة، ولكن يستطيع أن يباشرها الإعلام، وأن يواصل الدعوة والتنبيه و التذكير والحث عليها ببرامج الإذاعة المرئية والمسموعة والمقروءة أيضاً... ونحن نقول برامج، فإننا نعني التخطيط، والاستراتيجية والكفاءات، والخبرات، التي تعرف كيف تصل إلى نفوس وعقول وقلوب الجماهير.
في مقالة القيم، الذي نشرته له مجلة اقرأ منذ أسابيع، بعنوان (الصيانة بين المسؤولين و المواطنين) انتهى الأستاذ رضا لاري إلى ضرورة وجود نوع من مساهمة المواطن في دفع تكاليف صيانة الطرق والمطارات كمثال يمكن أن يطبّق على مختلف الإنجازات التي تحتاج إلى صيانة تتحمّل نفقاتها الدولة. وهو يختم مقاله بقوله: (لو رأى نفر منا، في هذا الرأي تحريضاً للدولة على فرض ضرائب على استخدام الطرق والمطارات، فليكن هذا تحريضاً لها... طالما أن هذه الضرائب تخدم مصالحنا ووجودنا في الحاضر والمستقبل).
وأجد نفسي أردد مقولته: فليكن... ولتفرض الدولة هذه الضرائب ليس على استخدام الطرق والمطارات فقط، وإنما على الكثير الذي لا يعد ولا يحصى من الخدمات التي تتحمّل الإنفاق عليها، وتقدمها دون أي مقابل.
إننا نكاد نكون البلد الوحيد، الذي لا يدفع المواطن فيه أي ضريبة، حتى ولا ضريبة تنظيف الشوارع - على سبيل المثال - والسبب هو الفكرة القائلة أن الحكومة قويّة... وأنها غنية... وأنها ليست محتاجة إلى أن نساعدها على الإنفاق بما ندفع من ضرائب...
هذا لا يعني في منطقي شخصياً سوى إخلاء طرف المواطن من مسؤوليته عن الحفاظ على الوطن بمدخراته وثرواته... لا بأس بما تنفق الدولة... وهي غنية حقاً زادها الله غنى... ولكن ما الذي يمنع أن يعطى المواطن فرصة المشاركة في الإنفاق... إن لم يكن لشيء، فلتنمية إحساسه بحق الوطن والدولة عليه.
أعلم، أن الذين يقرأون هذا الكلام... سيسرعون إلى الهاتف ليسمعوني شتائمهم القذرة كما حدث ويحدث في بعض الأحيان... وأنا مستعد لسماعها... لأقول لهم... كفى... كفانا أن نعايش إحساساً بالانفلات، والنرجسية، وانتظار الملعقة من ذهب، توضع في أفواهنا بيد الدولة... دون أن نقوم من جانبنا بأكثر من الزعيق، إذا قامت الدولة بترشيد استهلاك الكهرباء أو الوقود على سبيل المثال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :614  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 189 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.