شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الذكاء الملتهم
في حفل التكريم الذي أقامه الرئيس الأمريكي رونالد ريجان لملكة إنجلترا، في الزيارة الرسمية التي قامت بها في العام الماضي، وبعد أن ألقى الرئيس كلمة الترحيب الحميمة، وقفت الملكة تلقي كلمتها وكان مما لاحظته أن جو لوس أنجلوس كان غائماً ومطيراً على غير المألوف في ذلك الفصل من فصول السنة. فإذا بالملكة لا تفوتها الملاحظة لتقول: (كنت أعلم قبل قدومي إلى أميركا، أننا قد صدّرنا إليها الكثير من تقاليدنا، ولكن لم أحسب، أن الجو أيضاً، كان واحد من هذه الصادرات) وكانت تقصد ذلك الجو الغائم المطير الذي عرفت به الجزر البريطانية.
ضحك الرئيس ريجان، وضحك معه آخرون، وربما ضحك أيضاً مراسلو الصحف، ووكالات الأنباء الذين لم يفتهم، أن يسجّلوا هذه الكلمة، وأن يلقوا عليها الأضواء، مكتفين بأن يتركوا للقارىء أن يدرك أن ملكة بريطانيا، لم تنس أن تذكّر الأمريكيين بأن إنجلترا كانت في يوم ما تستعمر معظم أجزاء القارة الأمريكية الشمالية، وأن الكثير جداً من تقاليد وعادات وأنماط ومناهج الحياة في أميركا، لا يزال متأثراً بما رسّخه ذلك الاستعمار قبل رحيله.
ولا نحتاج أن نقول، إن اللغة الإنجليزية التي أصبحت لغة الأمريكيين، وسوف تظل كذلك إلى الأبد، هي أهمّ مخلّفات الاستعمار البريطاني في حياة أميركا... ولا يزال الأدب الإنجليزي وأعلام هذا الأدب القدماء منهم والمحدثون، هم الذين يهيمنون على حياة الفكر الأمريكي، بحيث يتعذّر أن يخلو كتاب عن تاريخ الأدب ودراسات النقد على اختلافها، من دراسات موسّعة للأدب الإنجليزي وأعلامه في الشعر والقصة والرواية والمسرحية والنقد. ولعلّ ما يسترعي الانتباه في هذا الواقع عدم وجود الحساسية المفروضة أو المألوفة تجاه المستعمر والاستعمار. ويتعذّر بالطبع أن نعزو ذلك إلى شيء سوى أن الأمريكيين قد تجاوزوا العقدة، وعايشوا الواقع فلا يترددون في أن يأخذوا من الإنجليز، أو من غيرهم، ما يجدون أنه الأصلح الذي يضيف إلى مسيرتهم، ما يحقق انطلاقها إلى الهدف، وهذا الهدف كان ولا يزال إثراء حياتهم والعمل على تفوّقها قبل كل شيء.
أرادت الملكة أليزابث، أن تذكّرهم بأن بلادها (كانت) تستعمر أميركا، وأن القارة كلّها من مواليد هذا الاستعمار... ولم يعلّق أحد على الكلمة الذكية الملغومة... اكتفوا بتسجيلها فقط... وإذا كانوا قد ضحكوا للكلمة، فقد قالوا بهذا الضحك... ما لعلّه يعني: بلى... أميركا، وليدة الاستعمار البريطاني فعلاً... ولكن أين هي اليوم... وأين بريطانيا؟؟؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :632  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 165 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.