هدية سمو ولي العهد إلى الفكر |
ليس من المبالغة في شيء أن نقول، إن ينابيع الفكر، ومصادر إشعاعه أياً كانت مواقعها في عالم اليوم، لا بد أن تشعر بما يتوالى ويتلاحق في المملكة العربية السعودية من جهود تبذل بسخاء، لتوثيق عرى العلاقة بين الفكر في إنسان هذه الأرض، وبين الفكر في تلك الينابيع الثرة، ومصادر الإشعاع في عالم لم يعد فيه مكان يليق بإنسانية الإنسان وكرامته، إلا للمؤمن بأن مسيرته نحو مستقبل أفضل، وحياة موفورة العزّة، إنما تعتمد على تلك العلاقة بينه وبين (الكلمة) تشع ضوءها بين دفتي كتاب، أو آفاق صفحة، وتصدح بنبرها وموسيقاها أجهزة إرسال ووسائل إعلام، تجاوزت اليوم سدود المكان وقيود الزمان، تطلبها من أقصى الغرب، لتكون تحت نظرك في أقصى الشرق، في التو واللحظة، لأن العالم أدرك، ولا يزال يتوسّع في هذا الإدراك، إن الحرف أو الكلمة هما سبيل الإنسان، إلى معنى الإنسانية بمضمونه من الحضارة في مفهومها الخيّر الذي يبني أسس السلام والحب، ويرسخ معاني النبل والسمو والإحسان. ذلك هو حلم الإنسان، لعلّه لم يتحقق حتى اليوم... ولكن ما يتم من منجزات التقنية، وبهذا المستوى المتنامي يبعث الأمل في أن الخطوة العاشرة مثلاً من الألف ميل التي لا بد للإنسان أن يطويها نحو حلمه القديم الكبير، قد خطاها الإنسان في هذا القرن. |
وهدية صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، التي اختار لها أن تُتوّج باسم المؤسس المُلهَم، جلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وقدّمها، بكل مكوّناتها من مبان، وكتب، وخدمات متطوّرة، إلى أبنائه، وإلى كل قارىء من المواطنين والمقيمين وعلى حسابه ونفقته الشخصية... هي النموذجُ القدوة، للإحساس بأهمية توثيق عرى العامة بين الفكر في إنسان هذه الأرض، وينابيع الفكر في العالم على رحبه ومع أن هدايا سموّه متعدّدة، وفي كل هدية هذه النظرة البعيدة والحانية على مستقبل المواطن، وعلى واقعه الاجتماعي، الذي تعمل الدولة على تطويره بكل ما تملك من وسائل وجهود، فإن هذه الهدية بالذات،حملت في مضمونها نوعاً من الخصوصية، التي تعيها وتستوعبها شريحة المثقفين ولا شك أنها قد فرحت بها، واستقبلتها بالكثير من الامتنان والعرفان. صحيح أن جميع الجامعات السبع في المملكة، تضع المكتبة في القمة من ضرورات رسالتها، ومن مكوّنات القوة والكامل في مركزها بين جامعات العالم، ولكن، مكتبة الملك عبد العزيز، تتميّز بأنها مفتوحة الأبواب، مرحّبة بروادها من عشاق الحرف والكلمة، في اللغة العربية، واللغات الأخرى، بغض النظر، عن انتماءاتهم الفكرية، وفي أوقات، لا تتقيد بأوقات الدوام الرسمي بل وبغض النظر عن مؤهلاتهم العلمية، الأكاديمية وغير الأكاديمية... إذ المهم أن يكون من يرتادها قادراً على (القراءة)، إذ هي السبيل إلى الاستفادة من عطاء المكتبة، وما أكثره وما أكثر تنوعه، وحرصه على أن يوفّر لمرتادها المتاح من حاجته للاطلاع ولعلّها مناسبة طيبة أن أذكر، أن في حواضرنا الكبرى، وفي مقدمتها مكة المكرمة والمدينة المنورة، والطائف، مكتبات خاصة وقديمة أو تاريخية، بل في المدينة مكتبة وضع حجرها الأساسي جلالة المغفور له الملك فيصل رحمه الله وهي متوّجة باسم المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز وفي إحدى زياراتي للمدينة قصدت المكتبة، وقد تمت، بناءً، وقد فهمت أنها حافلة بالمئات أو الألوف أو عشرات الألوف من الكتب والمخطوطات القيّمة، فإذا ببابها مغلق... فطرقته، ليظهر لي حارس الباب وهو يقول (الدوام انتهى...)... وكانت الساعة تشير إلى حوالي الثانية بعد الظهر... وفهمت أنه (الدوام الرسمي)... مما يعني أن تظل المكتبة مغلقة الأبواب، طوال الفترة التي يفترض أن يرتادها الكثيرون من الموظفين الذين يستطيعون أن يتزوّدوا بالمعلومات التي يحتاجون إليها، في أوقات فراغهم، بعد الرابعة مساء وإلى التاسعة أو العاشرة مثلاً. ومثلهم مئات من المواطنين وغير المواطنين، الذين يفرغون من أعمالهم في الخامسة... فيجدون أبواب المكتبة مغلقة لأن (الدوام انتهى)... |
وأعلم أن في جدة مكتبة، عَدلْتُ عن محاولة زيارتها، عندما قيل لي إنها لا تفتح أبوابها إلا في أوقات ((الدوام الرسمي))... وربما كان هذا هو الواقع في جميع المكتبات الموجودة في المدن الكبرى... والمشكلة ناجمة عن أن العاملين في هذه المكتبات (موظفو حكومة) لا بد أن يخضعوا للنظام، ولمواعيد (الدوام الرسمي)... ولا أستبعد أبداً صحة ما قيل من أنه لا سبيل إلى حل، حتى ولو كان الموظفون متعاقدين، من إخواننا في البلدان العربية، لأن المتعاقدين مع الدولة، يتبعون نظامها، ومنه (الدوام الرسمي). |
هدية صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، تتميّز - كما فهمت عنها - أنها لا تغلق أبوابها، وأن العاملين فيها متواجدون في جميع الأوقات نهاراً وجزءاً من الليل... أعتقد أن هذا المنهج أو الأسلوب، هو الذي يحقق الهدف السامي الكريم من المكتبة التي أهداها سموّه إلى عشّاق الكلمة، والراغبين في الاستفادة من ضوء الحرف. |
وبعد. |
فما أكثر ما ننسى أننا الأمة الوحيدة في الأرض، التي أمرها الله بأن (تقرأ) في أول ما أمر به رسول الله صلوات الله عليه، وحياً من الله حمله جبريل عليه السلام إلى سيد الخلق... بل ما أكثر ما نسي المسلمون في جميع مراحل التاريخ وحتى اليوم أن أول وأعظم ما فرضه الله عليهم، هو أن يقرأوا... أن يتعلّموا... أن يستضيئوا بضوء الحرف والكلمة... ما أكثر ما نسي المسلمون هذه الحقيقة... وما زالوا ينسونها، ولا يجدون من يزيل عن أبصارهم هذه الغشاوة، التي تركت أكثر من 80% منهم أمّيين... يفترسهم الجهل ويدمّر حياتهم، التخلّف والجمود. |
* * * |
مما يؤخذ عليّ، وأصبحت آخذه أنا أيضاً على نفسي، أني لا أذكر المرجع أو المراجع التي أذكر فيما أكتب، نصاً من النصوص فيها. والسبب - إذا كان لا بد من تبرير ما - هو أني أحرص على الأمانة، في عدم ادعاء أني صاحب النص. وهذا في تقديري كاف، وهو الذي قد يهم القارىء إذ أستبعدُ أن يعنى بأن يتتبّع مصدر النص في مراجعه، ما لم يكن من إخواننا الأكاديميين الذين يبرعون في الرسائل أو الأعمال التي يحققونها وينالون عليها مؤهّل الدكتوراه، في ملْء الهوامش بالمرجع أو حتى المراجع... ومكان وجودها وتاريخ طباعتها الخ... |
ومن هذه النصوص، ما قاله أحد الديبلوماسيين، وهو يستعرض، ما يعانيه الإعلام العربي من فشل وهزال بل وضياع، في مواجهة الإعلام المضاد أو المعادي، أو المتربّص بقضايانا الكبرى، وإسرائيل أخطر ممثلٍ له... قال من لا أتذكر اسمه: |
(أهم نجاح حققه الإعلام الإسرائيلي هو غيابُ الإعلام العربي) |
ثم أضاف يقول: (مشكلة الإعلام العربي الكبرى، عالمياً، ويقصد على مستوى الدول التي تبادلنا التمثيل الديبلوماسي أو السياسي، أنه يعتمدُ على موظفين في السفارات، أو على موظفين منتدبين من جامعة الدول العربية المعنية قبل غيرها بقضية الإعلام، وكل موظف من هؤلاء، يحمل جوازات سفر ديبلوماسية، فيعيش في البلدِ الذي ينتدب إليه، عيشةً مُترفة أقل ما تتميّز به السيارةُ الخاصة... والراتبُ المجزى، وحضور حفلات الاستقبال (Receptions) ثم لا شيء بعد ذلك غير انتهاز فرص هذه الحفلات لعلاقات خاصة (ناعمة). والأنكى الذي يضحك الثكلى،أن أعظم هؤلاء، لا يستطيعون أن يفهموا لغة البلد الذي ينتدبون إليه، أو أي لغة أجنبية كالفرنسية أو الإنجليزية، فهم بهذا النقص الخطير في كفاءتهم، أسوأ ممثل للإعلام العربي. |
وفي المقابل، في الإعلام الصهيوني أو الإسرائيلي، نجد، أن وراءه، عقولاً متخصصة، ليس في الإعلام فقط، بل في كلِّ قضية من قضايا الصهيونية مع العالم ككل، ومع العرب على وجه الخصوص، وهذا إضافة إلى الخلايا - كما يجب أن تسمى - اليهودية، المقيمة في كل بلد من بلدان العالم، بما فيه بلدان العالم الثالث، وكلها مسخرة، ومتطوعة، لخدمة الإعلام الإسرائيلي بمستوى من الكفاءة، يستبعد تماماً، أن يوجد له مثيل في الجاليات العربية في هذه البلدان. |
للقارىء أن يقول: (كل هذا ليس فيه من جديد... لم يعد أحد من القراء يجهله) وهنا يكمن البلاء، إذ ما الذي فعله الإعلام العربي، وهو يواجه هذه الحقيقة، ويعلم كل تفاصيلها وما تفرزه بطبيعة الحال من نتائج، وما تستنفده من أموال تهدر بلا حساب، لتدارك النقص وإصلاح الحال؟؟؟ |
من الظواهر التي أسميها (عِللا) في الإعلام العربي، أنّه ما زال يُوجّه (داخلياً)... والدليل على ذلك قائم، في هذا الكم الهائل من الصحف والمجلات، إضافة إلى الإذاعة والتلفزيون، التي تخاطب الإنسان العربي، في بلده وبين أهله، عن قضايا، أو وقائع، أو تعديات ودعايات، ومواقف، لن تضيف إلى معلوماته شيئاً، لأنّه يعرفها، وقد وصل إلى حد الملل لكثرة ما رددتها وعالجتها هذه الصحف والمجلات، ومعها الإذاعة والتلفزيون. بينما الذي يجب أن تتجه إليه الحملات الإعلامية أو المعلومات، أو حتى الردود على ما ينشر في صحف ومجلات الدول الأجنبية من الأخبار الكاذبة، والدعايات المغرضة، هو تلك الدول التي يهمنا أن تظهر لها الحقائق، وأن تتضح عند قرائها الصورة، وأن ترى الوجه الآخر الذي تبرع إسرائيل والصهيونية العالمية، في تشويهه وتلطيخه بالسواد. |
إسرائيل في الأرض المحتلة - على سبيل المثال - تصدر صحفها ومجلاتها، وتخاطب جماهير الشعب فيها باللغة العبرية، التي لا تزال تنفذ مخططاً مدروساً، لترسيخها على ألسنة الكثيرين الذين لا يعرفونها... ولكن، مئات، أو ألوف الصحف، وأجهزة الإعلام، في أوروبا وأميركا، مشحونةٌ بالعناصر اليهودية التي تعرف كيف تتسلّل بالخبر والصورة إلى القراء لتؤكد، حتى الأكاذيب، بل وحتى الأوهام، التي تخدم إسرائيل على أوسع نطاق. |
ورغم تواجد هذا العدد الهائل من (المتطوعين) لخدمة قضايا إسرائيل... هناك التوجيه المدروس، تعكف على التخطيط له، عقول في الأرض المحتلة، من جهة، إلى جانب عدد كبير من المستشارين (الأساتذة) في كل سفارة من جهة أخرى. |
أما الإنفاق على الدعاية لقضايا الاعتداء والعدوان، التي تستهدف قلب الحقائق وتذويب الثوابت، فقد يدهشنا أن نعلم، أن ما لا يقل من عشرة ملايين جنيه استرليني، هو المبلغ الذي ينفق سنوياً لأغراض الإعلام الإسرائيلي، في أوروبا وحدها... ولا يدخل في هذا المبلغ ما ينفق في بريطانيا، إذ إن الذي ينفق في هذه الجزر، هم أغنياء اليهود، ومنهم (روتشيلد) و(مارك اند سبنسر) و (سيلفيدجز)... ومعهم نصف مليون يهودي (بريطاني)... كل منهم يدفع، وما أكثر الذين يعملون في كبريات الصحف والمجلات،ويعتبرون أنفسهم مجنّدين لخدمة (إسرائيل). وإن كان معظمهم لم ير (تل أبيب) إلاّ في التلفزيون. |
وإذا كان لا بد من تصوير، خطر اليهود في بريطانيا - وأثرهم أو تأثيرهم الممتد في أوروبا كلها... يكفي أن نعلم أن أحدهم (أظن أن اسمه حاييم) يملك أكبر ناطحة سحاب في إنجلترا ويملك أكثر من ستين في المئة من دور السينما فيها... بلغ من نفوذه أنه منع عرض فيلم عن ألمانيا النازية كلُّه دعاية ضدّها وحرب عليها، ولكن فيه جملة واحدة اعتبرها حاييم أخطر ما في الفيلم على اليهود وهي أن (هتلر) قبل أن يموت، وقد تجرّع جرعة السيانيد التي انتحر بها قال لمن كان يقف حوله: (حذّروا العالم من اليهود!(. ولم يعرض الفيلم، لا في بريطانيا، بل ولا في أوروبا. |
ترى... متى... وكيف... نصل إلى هذا المستوى من الاقتناع بخدمة قضايانا في مواجهة إسرائيل... ومعها - للأسف - العالم الكبير؟؟؟ |
|