شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ونستن تشرشل، والأشجار التي لا تشكو
الذين عاصروا أو عاشوا أهوال الحرب العالمية الثانية، وكانوا يسمعون تلك الكلمات البليغة التي كان ونستن تشرتشل يدقق بها في قلوب ودماء الإنجليز، لهيب الإصرار على مواجهة جحيم القنابل والصواريخ، التي كانت تمطرهم بها طائرات ألمانيا النارية، ليلاً ونهاراً.. يذكرون أن ذلك الداهية الذي استطاع في النهاية أن يربح الحرب، كان إلى جانب مسؤولياته الضخمة عن إدارة دفّة هذه الحرب، في ساحاتها العالمية الواسعة المتباعدة، في البر والبحر والجو يجد الوقت، ليمارس هوايته في الرسم، بحيث وجد من بعده فنّاناً تشكيلياً من مستوى قد لا يرتفع إلى حد الإبداع الذي يسلكه في عداد عباقرة هذا الفن، ولكنّه لا يهبط إلى الحد الذي يخرجه من عداد الفنّانين التشكيليين في عصره.
وكان الفنّان التشكيلي ونستن تشرتشل، مولعاً برسم المناظر الطبيعية الريفية، حيث يكون المنظور أشجاراً، أو مجرى نهر تحيط به الخضرة والأزهار بألوانها وظلالها الخ.. وبعد أن تقاعد وأزاحته الديموقراطية البريطانية عن كرسي رياسة الوزراء، ليفسح المجال لوزارة تواجه قضايا ما بعد الحرب، عاش السياسي العجوز ذكريات أيامه التاريخية، وعكف على الريشة والألوان يرسم مناظره الطبيعية، ولا يحاول أبداً أن يرسم (البورتريه).. أو وجه الإنسان.
سألوه يوماً: لماذا تفضل دائماً أن ترسم المناظر الطبيعية؟ فكان جوابه اللاذع وعلى الفور: (لأن الشجرة لا تشكو من أني لم أتقن رسمها..).
وقياساً على منطق ونستن تشرتشل مع أشجاره فإن إنسان العالم الثالث، لو وجد الجرأة ليسأل أحد قادته: (لماذا يفضّل دائماً أن يتصرف على هواه في مقدرات شعبه؟) فإن أفضل وأبلغ رد يمكن أن يتلقّاه السائل الجريء هو (لأن هذا الشعب لا يشكو من أني تصرفّت في مقدراته على هواي وكما أريد..).
أشجار وينستن تشرتشل، وشعوب العالم الثالث، يجتمعان في خصيصة الصمت، مع فارق هام وحاسم، هو أن الأشجار محكومة بالصمت، لا تملك أن تناقش أو تعترض أو أن ترفض الأخطاء التي تنزلق إليها ريشة الرسّام، بينما إنسان العالم الثالث محكوم بالقدرة التي تستطيع أن تخرسه، في ظلام الزنزانات، وتحت أثقال الأصفاد والقيود.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :800  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.