شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تكنولوجيا معايشة الراحلين
والراحلون حتى اليوم فريقان. كنا وما زلنا نعايش أحد الفريقين، وهو الأعظم قدراً، والأوفر عطاءً، والأبعد زمناً، عن زماننا، وهم الذين استطاعت المطبعة، أن تحفظ لنا ما عكفوا على كتابته وتدوينه من علمهم وفنونهم وآرائهم،وحتى فلسفتهم، واتجاهات آرائهم في النقد، والتقنين والتقعيد للكثير الذي لا بد أن نرجع إليه، كلما أحسسنا بالحاجة إلى الأصح والأدق، وحتى الأجمل والأفضل... ولا شك أن المطبعة، كانت اختراعاً لا بد أن يُعد من فنون التكنولوجيا رغم ما كانت عليه من البدائية والبساطة قبل أن تتطور هذا التطور المذهل الذي أصبح يتيح للصحف اليومية أن تقدم الصورة الملونة، ويملأ صفحات الكتب - وعلى الأخص منها ما يدخل في مفهوم دوائر المعارف من القواميس - بهذه الصور الملونة التي تبهر وتأخذ بالألباب، روعةَ ألوانٍ ودقةَ خطوط الملامح أو الشكل. ومن هنا يمكن القول إن التكنولوجيا كان - ولا يزال - لها الفضل، في أنها أتاحت لنا معايشة التراث، في لغتنا العربية أولاً ثم في اللغات الأخرى لمن يعرفها ويطلب مراجعها ومكنوناتها.
وبفضل التكنولوجيا، التي تطورت هذا التطور الكاسح، وكل الظواهر والمؤشرات تؤكد أن تطورها لن يقف عند حد... بفضلها... نعايش فريقاً آخر من الراحلين، الذين أدركوا تكنولوجيا التسجيل بالصوت والصورة - أسود وأبيض في البداية - وبالألوان في هذه الأيام... وهو تسجيل لم يكن يتسع له العقل قبل خمسين أو ستين عاماً... ولكنه اليوم حقيقة تكنولوجية تملأ الحياة، في منازلنا ومكاتبنا، وأسواقنا وفنادقنا الخ... وبفضلها أصبحنا نعايش راحلين أثْروا الحياة بفنّهم، وإبداعهم، ثم رحلوا... ولكن التكنولوجيا تتيح لنا أن نعايشهم، وأن نستمتع بفنهم وإبداعهم... ومنهم - على سبيل المثال - أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ونجيب الريحاني، ويوسف وهبي، وحسن عابدين... ولو كانت أجهزة الإعلام تعنى بتسجيل عطاء العلماء، إضافة إلى الشيخ الشعراوي الذي لا أشك في أن ما سجّل له يقدم لنا النافع الرائع من علمه الغزير ومنطقه الدقيق العميق، في تفسيره للقرآن الكريم، وتُعنى أيضاً بتسويق أو نشر ما يتم تسجيله، كما تسوق قراءات كبار وأعاظم القراء... فإنها تقدم خدمة أعتقد أنها مطلوبة من جهة، وقادرة على مواجهة الكثير مما ينتشر من كاسيتّات علماء بعينهم يقال إنهم من دعاة التطرف والعنف من جهة أخرى.
والفرق بين تكنولوجيا الكلمة المطبوعة نعكف على قراءتها، ساعات أو شهوراً، وربما سنين، وبين تكنولوجيا التسجيل صورة وصوتاً ولوناً وحركة، وما يحيط بكل ذلك من المشاهد والمناظر... هذا الفرق كبير جداًَ، والفائدة المعطاة من التكنولوجيا الحديثة أكبر وأسهل تناولاً، وأسرع استيعاباً وتأثيراً، ومن هنا تتم لنا معايشة الراحلين، هذه المعايشة التي نستعيد بها عطاءهم فنستعيد المتعة والفائدة، ونتذكر ما نكون قد نسيناه من التفاصيل.
ومن الذين رحلوا منذ أسابيع عازف الكمان الكبير الفنان أحمد الحفناوي، الذي يعد من أكابر العازفين، الذين أعلم جانباً من سيرة حياتهم، التي تميّزت بالتعفّف والنقاء، والاحتفاظ بعزّة النفس وكرامة الشخصية، ولذلك فقد تجاوزتْه فرص التقدير، ورحل (مستوراً)... ولا أقول فقيراً... إذ لم يكن يرضى أن يوصف بما يُزري بكرامته وعزة نفسه.
ولقد أتيح لي أن أعايشه لحظات في برنامج في تلفزيون القاهرة، فلا أخفي أن البرنامج انتهى، وقد امتلأت عيناي بالدموع... رحمه الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :686  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 94 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .