شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بين الموروث... والجديد
ذكرني بالمعركة الدائرة منذ سنين، بين أنصار (الموروث) الذين يرون في الخروج عليه أو التساهل في التزامه، خروجاً على الأصالة، ومنها التقاليد والأعراف والعراقة، وعلى الأخص في الإبداع شعراً، وقصصاً، ورواية، وبين أنصار الجديد، أو (الحديث) الذين يرون في الأخذ به ومحاولة ارتفاق موجته والإبحار في أثباجه، معاصرةً، تعايش الحياة في مسيرتها المنطلقة إلى مستقبل لا يزال ينطوي على الكثير من المجاهيل التي لن نستطيع أن نفك أو نحل طلاسمها إلاّ بالأخذ بهذا الجديد، والإبحار في ثبجه، ومع حركة اندفاعه الواسعة التي لا يكاد يحدها شيء.
ذكّرني بهذا، الذي اعتبره من وجهة نظري موضوعاً انتهى وانطوى، ورحل إلى ماض بعيد يحسن أن نخفف من محاولة استرجاعه، هذا الكتاب الذي سوف أعنى بقراءته للكاتب الأستاذ عبد الله الخشرمي الذي اختار أن يسمّيه (ذاكرة لأسئلة النوارس) وقد قرأت ما كتبه عنه الأستاذ محمد العصار.
سبق أن قلت للأستاذ الخشرمي، في نادي جدة الأدبي، بعد أن قرأ علينا قصيدة من إبداعه - إنه يسرف في الاتكاء على الاستعارة إسرافاً يلف ما يريد أن يفضي به، بما يشبه قشور (البصلة)، إذ تبدو وكأنها تنطوي على (لُبٍ)... فإذا بها تظل تعطيك قشورها، قشرة وراء أخرى، إلى أن تجدها بين يديك مجموعة من القشور لا أكثر ولا أقل.
ولا أذكر الآن، ماذا كان رد الأستاذ الخشرمي ولكن لعلي سمعت من زميل له في حوار عن إبداع الأستاذ أني ظلمته ظلماً شنيعاً، لأن اتكاءه على الاستعارة بهذا الإسراف، هو الذي يخلع على عمله حلة الإبداع! وما ضرورة أن نجد (لُبّاً أو ثمرةً)... ما دمنا نستمتع ((بمحاولة)) العثور على مضمون... لا يعيبه أننا لا نجده... إذ لا شك أن هناك من يجد هذا المضمون في عملية البحث عنه وراء هذه القشور. ويكفي - من وجهة نظره - أن تمتع بلذة أو متعة اكتشاف مجهول، لا يهم أن يوجد أو لا يوجد. إذ ما أكثر ما باءتْ محاولاتٌ لاكتشاف المجاهيل بالفشل، ولكنها في جميع الأحوال لم تخل من متعة... ثم أضاف ما بدا لي كأنه نَسَفَ تشبيهي واقع البصلة بقشورها، حين قال: (والبصلة كلها لب).
وللأستاذ الخشرمي قبل هذا الديوان الجديد، ديوان آخر، يؤسفني أني لم أجد الوقت لقراءته ومحاولة الكتابة عنه - كما هو المفروض - ولكن لي أن أقول إن ظاهرة الاتكاء على الاستعارة لا تزال كامنة إلى جانب الإقلاع المتهوّر، في محيط اللغة، وراء كلمات وألفاظ يصطادها، ولا يجد ما يمنع أن يضعها في سلة القصيدة، دون اهتمام من أي نوع، بما إذا كان ما اصطاده وجمعه في السلة، مما يفيد أو يثري ديباجة العمل... ومن هذا المنظور يمكن القول إن الأستاذ الخشرمي، لا يهمه إطلاقاً أن يتعامل مع (المتلقي)... أن يمنحه شيئاً من هذا الذي جمعه في السلّة... وهنا نتساءل: - لمن يكتب؟؟؟ وهل هناك متلق يمكن أن ينتفع من الصيد الذي عانى الأستاذ ما عاناه في الأبحار، ومغالبة العواصف والأنواء، في محيط اللغة الواسع بلا حدود. لاصطياده وجمعه؟؟؟
ولا مانع عندي أن يجد الشاعر، الخشرمي أو غيره، في (النوارس) جَرْساً يطيب له أن يغرى بتأمّله أو ملاحقة سبحه في أجواء البحر... ولكن أن تكون للنوارس ذاكرة، أو أن تكون للأستاذ ذاكرة تتحاور مع أسئلتها فنوع من الاستغراق في البعيد الغائب الذي يندر أن يعايشه المتلقي، حيت ولو كان من المتلقي، حتى ولو كان من أصحاب الدارات على (الكورنيش).
وليس هذا مما يمس حرية الاختيار أو يهبط بالاختيار نفسه إلى مستوى (الولع) بالغريب النادر. ولكن هذا يسقط (العفوية) و((التلقائية))، التي لا يصح أن يهرب منهما العمل الفني، ما دام يستهدف العرض في ديوان على جمهور القراء.
أما الأستاذ محمد العصّار، الذي اعترف أني لم يسبق أن قرأت له شيئاً قبل هذا المقال الذي عالج به الأبحار مع الأستاذ الخشرمي في ديوانه، فإني لا أملك إلا أن أهنىء الأستاذ الخشرمي، ورصفاءه من الشعراء الذين يلتزمون موقفهم المتعاطف بحرارة مع هذا الجديد، في محاولة للفرار من ((الموروث))... رغم أن المحيط الذي يبحرون في أثباجه، هو اللغة العربية، وما يتاح لهم أن يصطادوه من الألفاظ، ويوضع في السلة، يظل منتمياً إلى (الموروث)... وإن كان انتماءً فيه من القلق، ما يجعله دائم البحث عن مكانه، في السطح أو في الأعماق. ولقد خرجت من مقال الأستاذ العصار... بزحمةٍ من الضحك، ومن الأسئلة التي تتلخص في: - (ماذا يريد أن يقول؟؟؟).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :806  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج