شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كفران الماضي ضياع
ما بال أعناق تتلوى بنكرانها للماضي، كأن الضياع الذي هم فيه لا يحسبونهم من أنفسهم فتلتوي ألسنتهم بالمعابة على الذين يذكرونهم بماضيهم..
ما بال هؤلاء الشباب وقد حملوا من الشهادات أعلاها، لا يتجملون ولا يكملون ثقافتهم بالرجوع إلى تراثهم؟ أحسبهم حين يقرأون كلمتي هذه مروا بها يتغامزون. يقولون ما لنا ومال الكتب الصفراء، كأن معيب الكتاب في لون الورق! هكذا زخرفوا حياتهم بالألوان والأصبغة، بينما الذخر للحياة هو في الدسم لقد عابوا عليّ أني أذكرهم بالماضي، فالذين انغمسوا في صنع الباطل كرهوا مني أن أذكر اسم عمر والذين طمسوا لا ينظرون إلى ضياعهم يظنون أن الضياع هو في تذكيرهم بالماضي مع أنه من لا ماضي له.. لا مستقبل؛ له لأن الحاضر نشاز حين لا يرتبط بالماضي وحين ذاك لا يصنع للمستقبل شيئاً، فالنغم النشاز ترفضه الأذن السماعة أما الوضع النشاز فينتكس به الذين أفئدتهم هواء، أي فارغة لا يعمر وجدانها الاتصال بماضيها إذ يغمر وجدانها الانفصال بحاضرها، وكم من مرة ذكرت إجابة الدكتور محمد حسين هيكل رئيس تحرير جريدة السياسة اليومية ومجلة السياسة الأسبوعية ورئيس الأحرار الدستوريين ورئيس مجلس الشيوخ.
جاء يرحمه الله حاجاً حتى إذا وصل إلى المدينة أقمنا أنا ولفيف من إخواني حفل تكريم له في بستان العمرانية، فألقيت أمامه خطاباً مطولاً نشر في جريدة البلاغ أيام كان يرأس تحريرها الأستاذ الكبير صاحب الإيجاز عبد القادر حمزة.
ألقيت التحية ثم استطردت أقول له: كنا نعجب بك وحتى نحترق ولكنا لا نحبك لأنك كنت تدعو إلى الفرعونية كما تدعو إلى أن مصر أمة وحدها تابعاً لرأي أستاذك الآخذ بيدك أحمد لطفي السيد. ولكنك بعد أن كتبت مقالاً تحترم فيه اللغة العربية ترد على طه حسين حين أنكر على الدكتور منصور فهمي يرحمه الله أن يضع كتابه ((خواطر نفس)) في يد أستاذ العربية الأول صادق عنبر يصحح الأخطاء فيه. أنكر طه حسين على منصور فهمي ذلك. فاعترفت أن العربية إجادة وأنت ومنصور فهمي لستما كصادق عنبر ، فثمة ومضة من الحب تضاف إلى الإعجاب وإلى الاحترام حتى إذا ترجمت حياة محمد عن الإفرنسية تأليف دارمن دام ثم أخرجت هذه الترجمة التي نشرتها في ملاحق السياسة بالمجلة في ثوب جديد عربيًّا بحتاً إسلاميًّا محضاً مصريًّا أسلوباً. تعمق الحب لك.
فإذا الاحترام والحب كانا لك.
هذه خلاصة ما قلته له في حفل من الناس حضره رأساً في هذا الاحتفال وكيل إمارة المدينة حينذاك الشيخ الوقور عبد العزيز بن إبراهيم يرحمه الله. فقام الدكتور هيكل يقول وبالحرف الواحد: لقد صدق الأستاذ. وسماني. لقد تلقينا العلم في باريس في فرنسا فرانت ثقافة الغرب على أفئدتنا فكأنها ريح غطى قتامها، ينصرف فكرنا بها إلى ما أنكرتموه عليه، ولكنا حين رجعنا إلى أرضنا وقرأنا تراثنا، كانت هذه القراءة كأنها الرياح الطيبة أزاحت القتامة والرمال عن أفئدتنا فصفا وجداننا. فرجع الحجر الصلب بارزاً لا غبار عليه. ولقد كان الدكتور هيكل وجاد المولى بك المهمازين حملا طه حسين وتوفيق الحكيم أن ينافساهما، يكتب كل منهما عن محمد عليه الصلاة والسلام. عن الفتنة الكبرى حتى إذا جاء قارئ التراث الأول عباس محمود العقاد - كان العبقرية في عبقرياته.
ما نقص هؤلاء حين قرأوا التراث بل زادوا، فأصبحوا على قمة الثقافة العربية كلها، يقرأ العربي ما كتبوه في الصحاري وعلى شماريخ الجبال وأحواض الأنهار وفي الجامعات والمكتبات وأنا مع معروف الرصافي حين يقول:
فدعني والفخار بمجد قوم
مضى الزمن القديم بهم حميدا
فخير الناس ذو حسب قديم
أقام لنفسه حسباً جديداً
وشر العالمين ذوو خمول
إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا
أنا معه. لا أريد بالتذكير الفخار. وإنما أريد أن أزرع الحب لتنمو شجرة العمل حباً قديماً يقام على أساسه حب جديد. إن الكفران بالماضي ضياع الحاضر وأكثر ما يكون الضياع بأن يكون الفرد أمة وحدها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :848  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 966 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج