شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إعلان البراءة.. من المشركين في حجة أبي بكر الصديق
الحج إلى البيت الحرام ركن من أركان الإسلام، وكأنما، وهو الركن الخامس، قد أعطى للمؤمن كل البراءة من الفسوق والإلحاد والشرك، وكل مذهب يحارب الإسلام، أو كل متمذهب ينتقص من قدر الإسلام، ولعلّي لا أتجاوز اليقين، ولا أتعسف أبرئ نفسي من الخطأ، إذا ما اعتقدت أن في الحج جماع الأركان، فالصلاة الذكر تجد هذا الذكر تلبية وتكبيراً واستغفاراً: هو الإعلان للحج، فالحج ذكر، والزكاة التذكية للمال بالشكر، والحج نفقة مال لأداء الشكر، والصيام الصبر والطهر، والحج طهر من الرفث وصبر على توقيت المنع للحلال، كما الصبر الامتناع عن الفسوق وعن الجدال. أما الشهادتان إعلان الإسلام باللسان، فإن الحج إعلان للإسلام وفاء بالأركان.
فإن ما يدعو إليه الإسلام هو أن يكون الحج إعلاناً لسرمدية القبلة: وبرهاناً على أن القبلة الاتجاه إلى الكعبة، فكل هذه النظافة في طهارة البدن واللسان والعمل توجب الطهارة من أي شائبة لا نظافة فيها، من هنا نزلت سورة التوبة، وفيها البراءة أي التبرأ من المشركين، لأن الشرك بالواحد الأحد ينتفي به الإسلام، لأن الإيمان قد انتفى به.
فالإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، كأنما الإسلام قد تحدد بالإيمان، وكل ما يخالف ذلك من الشرك والفسوق ليس من الإسلام في شيء، وكل أمر جنح أصحابه إلى التشغيب لا يمكن إلا أن يكون هذا التشغيب فسوقاً وجدالاً، فالأمر من الله في قوله تعالى: فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (البقرة:197)..
وينبغي لي أن أتوسع في الشرح هكذا:
أولاً: إن الله قد منّ على المصطفى الرسول النبي خاتم الرسل سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلم بالفتح المبين: فتح الله له مكة المكرمة المسجد الحرام بسلام، فأنزل الله سكينته على المسلمين، وطوع قادة الشرك أن يستسلموا ليسلموا، وكان هذا الفتح، وبعد غزوة حنين، قد واكب أول الأشهر الحرم، فلم يحج رسول الله في عامه هذا (عام الفتح)، لأني أسترشد بما طبع الله على قلب رسوله من الرأفة والرحمة بالمؤمنين، وما وفقه الله إليه من التأليف للمشركين، لم يأمره الله بالحج في ذلك العام، لم يحج لأنه ما أراد عليه الصلاة والسلام أن يغير على قريش بعض تقاليدهم في الحج تألفاً لهم، فكأنما هو قد أرجأ هذا التغيير بعد.
ثانياً: لقد كان الفتح المبين في السنة الثامنة من الهجرة، وحين استهل الشهر الحرام لم يذهب صلَّى الله عليه وسلم يحج قائداً للحج، بل قلّد صديقه خليله صاحبه صهره الصديق أبا بكر إمارة الحج، بمعنى آخر قيادة الحج، وأنزل الله سورة التوبة وفيها البراءة من المشركين، وفيها أحكام التعامل مع المشركين الذين عقدوا العهد مع رسول الله، فبعث ابن عمه صهره صاحبه الإمام علياً كرم الله وجهه يبلغ عنه، ليكون المبلغ عنه من أهل بيته فتلى علي هذه الآيات:
بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ . فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ . وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (التوبة: 1 – 3).
فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ . كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ . كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (التوبة: 4 - 8).
ثالثاً: وبلغ علي حكم الله في المشركين ومن إليهم. ولي وقفة هنا: أستنبط فقهاً فيه علامات تبين لنا ترشيح أبي بكر لإمارة المؤمنين خليفة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم، بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، فإمارة الحج لأبي بكر، وأمره يصلي بالناس في مرض الرسول، كل هذا إشارة إلى الأثر (يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أن يكون أبو بكر هو الخليفة). والتبليغ من علي عطاء للمكان الكريم يتبوأه هذا الإمام: معلماً مبلغاً مرشداً عوناً لأمير المؤمنين، ليكون له فيما أنعم الله عليه خليفة راشداً في زمان قدره الله، فالإسلام الذي انتصر بإيمان أبي بكر وتصديق أبي بكر وثبات أبي بكر ما كان إلا من حفظ الله لهذا الذكر، وهل يحفظ الذكر إلا بحفظ الله له وإلا بحفظ المسلم لإسلامه؟ وأبو بكر، بعد رسول الله، أنعم الله عليه بأن يكون الخليفة يجاهد لحفظ الذكر ومن كان معه لحفظ الذكر؟ كل الأخيار كانوا معه، وفي طليعة الأخيار كان الإمام علي.
رابعاً: إن مشركي العرب لا يمكن أن يظلوا مشركين في عهد الإسلام، فكلمة التوحيد تنتصر وتعتز بوحدة الكلمة، وبقاء المشركين لا تتم به الوحدة ولا يتم به النصر، فكان أمر الله أن يحرم المشركين من العرب من الطواف بالبيت وهم يحبونه، حرماناً لهم ليشعروا بوحشة الشرك، حتى إذا حرموا واستوحشوا جاءوا مسلمين أفواجاً، فالبراءة من الشرك والمشركين هي دعوة لأن يكونوا المسلمين المتوحدين، فأيما نحلة وأيما مذهب تشيع لهما فريق من المسلمين، فإن في ذلك الفرقة، ومنها وبها يتأثر الإسلام: دين الجماعة، وحين منع المشركون من الطواف بالبيت أسلموا، ذلك أمر الله، ومن يتنكب الطريق عن أمر الله، إن لم يكن ذلك عن شرك، فإن ذلك عن عصيان، ولا يستقيم الحج بالعصيان والعصاة، ومن العصيان الجدال ومن العصيان التشغيب.
خامساً: إذا ما تم الحج: حج الجماعة، وكان مبروراً، فإن في عمل الجماعة تحت ظلال عقيدة التوحيد وتوحيد الكلمة، العطاء للنصر على المشركين والملحدين والشيوعيين، إن التشغيب فرقة، والفرقة عطاء ينتصر به كل من حارب الإسلام.
سادساً: وحين أعز الله العرب بالإسلام وأعز الإسلام بالعرب كان من حكم الإسلام ألا تؤخذ الجزية من مسلم عربي: فإما الإسلام وإما القتل: يحفظ من القتل من عاهد إلى مدته، فإذا انقضى عقد العهد دعي العربي ليسلم أو يعرض على القتلى، وإن في هذا التكريم للعربي: يجب عليه أن يكون في الوحدة: وحدة الإسلام. ولئن قال بعض السفهاء يزعمون أن في عدم أخذ الجزية من العرب، فيه جور، فإنا نقول لهم: بل إن فيه العز: يصونهم عن الفرقة ويجمعهم في الوحدة، حتى إذا تم ذلك كان الفتح العظيم.
سابعاً: إن إعلان الحرب على أعداء الإسلام: مشركين وكافرين ومتمذهبين، لن يكون إلا بالمواجهة في وحدة كاملة تحت ظلال السيوف. أما الكلمات في المظاهرات وإعلان السباب فذلك لا يفيد، بل إن الأعداء يتخذون منه سبة على المسلمين: يقولون إن المسلمين في مسجدهم الحرام وفي حجهم يتنابذون بالسباب ويتشاتمون، فاللَّهم أصلح قلوبنا، وارزقنا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :559  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 945 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.