شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هيئة الأمم.. لا ديمقراطية ولا ميثاق
وكما خربوا عصبة الأمم فقد مارسوا التخريب لهيئة الأمم، وإن اختلفت الصور، وإن اختلفت الأسباب، فقد اتحدت الغايات.. فالذين خربوا عصبة الأمم يضعون التبعية على النازية والفاشية، بينما أسلوب بريطانيا وفرنسا مع عصبة الأمم، وتحت ستار من ظلال الديمقراطية هما المخرجان لهيئة الأمم بالضغط على ألمانيا ألا تجد رقعة تتوسع فيها، وبالإجابة لإيطاليا أن تحتل الحبشة لتكون درعاً واقياً لبريطانيا أن تبقى في السودان ومصر، وأن يبقى لها الجيب في الصومال.. كما هو كذلك لفرنسا بالنسبة لجيبوتي والصومال.
وبالإشارة الصريحة إلى كل شعوب إفريقيا.. إذ تقول بريطانيا وفرنسا: لقد عرفتمونا، فلو لم نكن المحتلين لكم لاحتلتكم ألمانيا، أو لاحتلتكم إيطاليا كما هي الصورة الآن فيما يمارسه الاتحاد السوفيتي في القرن الإفريقي والأفغان، وفيما تمارسه بعض الحكومات العربية مضطرة أو مختارة: تعطي الاتحاد السوفيتي مناطق نفوذ.. تبيح الولايات المتحدة للاتحاد السوفيتي ذلك لأنها تستفيد منه أن تستقطب مناطق أخرى باسم الحماية للذين رضوا بذلك أو باسم الدفاع عن مصالحها.
فالصورة - إذن - أيام عصبة الأمم، هي الصورة الآن في عهد هيئة الأمم. فلا ديمقراطية ولا ميثاق.
إن الميثاق الذي أصبح في خزانة مكاتب الأمم المتحدة، وليس في أرشيف كثير من أعضاء هيئة الأمم المتحدة.. إن هذا الميثاق، وكان ينبغي أن يعرفه كل إنسان، أستطيع أن أؤكد أن كثيراً من مندوبي الدول في هيئة الأمم لم يقرأوا الميثاق، فقد أصبح أثراً حضارياً لا يصل إليه أحد.. مكتوب على إضبارته: ممنوع الاطلاع عليه، أو حتى الزيارة له. الميثاق.. تهدر باسمه حقوق الإنسان - إذا ما كان الإنسان عربياً في فلسطين، وترتفع الصرخات تدافع عن حقوق الإنسان - إذا كان يهودياً في الاتحاد السوفيتي. وهكذا أهدر الميثاق، وبقيت الديمقراطية.. فأين هي..؟
إن هيئة الأمم لا يتصور أي إنسان إلا أنها برلمان لدنيا الإنسان كله، وتعنى كلمة البرلمان أنه - أعني البرلمان - الحصن الحصين للديمقراطية. لأن الديمقراطية تخضع الأقلية التي تعارض القرار إلى الطاعة لتنفيذ هذا القرار، فلو أصدر البرلمان البريطاني بالأكثرية ضد أقلية قراراً، فإنه ملزم بتنفيذه. لا طاعةً لسلطان الحكم بل لأن هذا المعارض هو صاحب القرار، وإن اعترض عليه.
هيئة الأمم المتحدة لا يمكن إلا أن تكون البرلمان يحمي الديمقراطية ويطبق أحكامها، فتصبح كل دولة في الهيئة - وإن عارضت القرار - ملزمة بتنفيذه، وكما قلنا، ليس طاعة لسلطان الحكم وإنما لأن هذه الدولة المعارضة هي صاحبة القرار كما هو حكم الديمقراطية، لأن الأقلية وإن عارضت فإنها خارج البرلمان.. هي واضعة القرار.
فأين ذلك الآن في هيئة الأمم..؟
لقد تمكنت الولايات المتحدة أن تلعب بهيئة الأمم بالنسبة لإمبراطورية الصين.. كما لعبت بالنسبة لقضية فلسطين، فكل أساليب الضغط حجزت هيئة الأمم المتحدة أن تعترف بالصين صاحبة المقعد الخامس وذلك بحق الرفض (الفيتو) يوم أن شكلت هيئة الأمم في ظل الميثاق الذي لم يطبق إلا مرة واحدة.. هي تشكيل هيئة الأمم.
أقصت إمبراطورية الصين مخالفة للديمقراطية، وتحت ضغط الظروف الديكتاتورية. بممارسات الاتحاد السوفيتي استطاعت الولايات المتحدة أن تعق الصين الوطنية لتستجدي المصالحة مع إمبراطورية الصين بأسلوب ديكتاتوري.. مارسته خارجاً عن حدود هيئة الأمم.. أعني أنها لن تسأل عن هيئة الأمم حين رفضت الصين واستجابت للصين.
وحين صوتت هيئة الأمم تصدر قراراً بالاعتراف بإسرائيل دولة.. لم تكن نتيجة التصويت.. ديمقراطية في سلوك الولايات المتحدة، ولم تكن كذلك إلا أنها غير عابثة بأحكام الميثاق، فالميثاق لا يعطي إسرائيل في أرض ليست لها أن تكون دولة فيها.
اشترت الولايات المتحدة الأصوات، ولا ننسى أن صوت (ليبريا) قد اقتنصته الولايات المتحدة اقتناصاً بمساعي شركة (فاير ستون) للكفرات.. التي تنتشر مصنوعاتها (الآن) في العالم العربي، وبعض الصحف لم يتورع عن الإعلان لمصنوعاتها.. مع أن الواجب يقتضي أن تكون أول شركة تخضع للمقاطعة العربية.
ولا يفوتني أن أترحم على سليم اللوزي، فقد نشر مرة أو مرتين إعلاناً عن مصنوعات (فاير ستون).. وحين ذكرته بذلك في كلمة كتبتها أحسبه لم يستمر في النشر.
وهكذا تكونت دولة إسرائيل بأسلوب ديكتاتوري تحت ستار من الديمقراطية، كالأسلوب الديكتاتوري الذي أعطى وعد بلفور لليهود كأنه منحة من بريطانيا.
وفي هذه الأيام، وبالأمس القريب.. صوتت هيئة الأمم على قرارات خمسة بالنسبة لفلسطين ومنها القرار الذي يعطي الفلسطينيين تكوين دولة فلسطينية، فإذا الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.. يصوت كل منهم ضد هذه القرارات..
فأين حقوق الإنسان.. وأين الميثاق.. وأين الديمقراطية..؟
إن الولايات المتحدة معروف موقفها.. تقودها الصهيونية، وتقاد بإطار (كامب ديفيد).. فتشكيل دولة فلسطينية نسف لإطار كامب ديفيد، ولكن.. ما الدافع لبريطانيا، ولألمانيا وهما دولتان من الدول التسع التي أصدرت أكثر من بيان، وحاولت أن تتمطى بالبندقية.. تعلن للعالم العربي أنها جادة في صنع السلام في الشرق الأوسط؟
إن ألمانيا تخاف عقدة الذنب.. تخشى أن ترهق بالأكاذيب الصهيونية.. أو هي قد انقادت لأمر الولايات المتحدة، ولكن بريطانيا لما تشعر بعد بعقدة الذنب. ثم هي ليست مع الدول الصناعية تخشى أي خسارة من بترول الشرق الأوسط، أو لعلّها تعرف عن العرب أنهم لا يمارسون أي ضغط عليها بالنسبة لامتناعها عن التصويت ضد هذا القرار، أو لعلّ المؤكد جداً أنها في اكتفاء ذاتي لا يخضع لأي ضغط بترولي، فعندها الكفاية من بترول بحر الشمال، فلئن كان هذا أو ذاك، فإن الحصيلة هي إهدار الديمقراطية في هذا البرلمان العالمي (هيئة الأمم)، فلو كانت الهيئة ديمقراطية حقاً لألزمت الذين عارضوا أو الذين لم يصوتوا أن يخضعوا لهذا القرار، لأنه كما قلنا سابقاً هو قرار ديمقراطي تصنعه الأقلية التي عارضت مثل الأكثرية التي وافقت.
ومن المفارقات أن ترفض الولايات المتحدة قرار تكوين الدولة الفلسطينية بينما مندوبها وهو رئيس مجلس الأمن، قد أعلن بصوت جهير: الموافقة على قرار مجلس الأمن.. يأمر إسرائيل بعودة رئيس بلديتي رام الله وحلحول وقاضي الخليل، وليس في ذلك التناقض في موقف الولايات المتحدة وإنما هو التوافق، فالتصويت ضد القرار من هيئة الأمم هو نفسه الموافقة على قرار مجلس الأمن آنف الذكر، لأن تكوين دولة فلسطينية هو ضد إسرائيل، أما التصويت لعودة رئيسي البلديتين فهو مع إسرائيل.. لأن عودة الرئيسين تطرية وتوطئة لنجاح المفاوضات بالنسبة للحكم الذاتي.. يعني أن ذلك دعم لإطار كامب ديفيد. أما قرار هيئة الأمم فتقويض لإطار كامب ديفيد.
بولندا وفلسطين
ويأتي الكلام بعد.. عن موقف الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي في بولندا، وموقف الاتحاد السوفيتي ضد الولايات المتحدة في فلسطين والجولان.
إن الولايات المتحدة تهز الاتحاد السوفيتي هزة كبيرة بالنسبة لبولندا.. حتى أصبح الإنسان يخشى أن تكون الكارثة.. بينما إن لدى الاتحاد السوفيتي ورقة ناجحة هي فلسطين فلماذا لا يهز الولايات المتحدة هزة كبيرة؟
يقول: إنكم تعارضون ضد أن أخضع بولندا إلى واقعها الشيوعي وموقعها من حلف وارسو بينما أنتم لا تخضعون إسرائيل ضد ما تمارسه في فلسطين وما تعرض به مصالحكم في الشرق الأوسط. أنا صديق لحكومات عربية. بل وحليف لبعضها، وصديق لمنظمة التحرير، فباسم كل ذلك أدعو الولايات المتحدة أن تكف عن عون إسرائيل، بل أن تضغط على إسرائيل، وإلا فسأحاول أن أكون ضد إسرائيل كما هو موقفكم ضدي في بولندا.
ولكن الاتحاد السوفيتي يعرف الولايات المتحدة ومن إليها بالنسبة لبولندا ويصون عواطفه مع إسرائيل فلا يقول كلمة ينتصر بها حتى للجولان، فإسرائيل تزمع أن تضع تشريعاً تملك به الجولان كما فعلت مع القدس، وأمام الاتحاد السوفيتي موقفان: موقف كواجب قانوني - لا أخلاقي - مع معاهدة الصداقة مع سوريا يصدر إنذاراً لإسرائيل كما هي سابقته في إصدار الإنذار ضد من يعتدي على اليمن الجنوبية، يقول لإسرائيل: حذار، حذار أن يصدر هذا التشريع فإني سأطلق جيش سوريا بكل العون مني لتدافع عن الجولان. هذا الموقف لا يمارسه الاتحاد السوفيتي لأن مصلحته في أن لا يكون ذلك، فقد يقول للولايات المتحدة: إذا صح أن وافقتم على ما صنعت إسرائيل في بيت المقدس وما ستصنعه في الجولان، فكيف تنكرون عليَّ أن أضع تشريعاً أحتل به بولندا؟
فمصلحة الاتحاد السوفياتي أن يحتج بما تفعله إسرائيل في الجولان ليفعل مثلها في بولندا، ولا أدري كيف تنسى الولايات المتحدة ودول أوروبا أنها هي التي أعطت الاتحاد السوفيتي أن يحتل نصف أوروبا، وأن يدمر المجر. وأن يضرب تشيكسلوفاكيا، وأن يعطي نصف كوريا، وأن يترك له الحبل على الغارب في فيتنام، وأن لا يتحرك أي صوت ضده في القرن الإفريقي وفي أنغولا، وأن يموت تحرك الصوت ضده في الأفغان.
تلك أساليب الغرب، وأسلوب الولايات المتحدة التي قلنا من قبل لبعض رجالها: إنها ورثت الإمبراطورية البريطانية حتى في كل تخطيطها السياسي، وممارساتها، تخضع أقاليم كثيرة لنفوذ الاتحاد السوفيتي لتخضع لها أقاليم كثيرة باسم الوفاق، وبصراحة باسم الاتفاق غير المكتوب.
إن الديمقراطية والميثاق قد انتحرا في هيئة الأمم المتحدة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :641  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 855 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.