قالوا.. وقلت |
قالوا: وفي التاريخ عبر.. |
ـ قلت: وما أكثرها في تاريخ الأمة العربية وليس المهم كثرة الكم في العبر، وإنما المهم أن أسأل: أين من يعتبر؟ |
فإن الشام كلها أصبحت وسط الحريق، وفي التاريخ عبرة.. لم تتحول إلى أسوة، تكون بها القدرة. فالشام - كلها - كانت تحت استعمار روماني.. توجوا عليها ملكاً عميلاً، فإذا الفتح العظيم يرسل الناهض به (أبو بكر الصديق) جيوشاً أربعة إنقاذاً للإنسان من كل ما يذله ويهينه سواء كان اعتقاداً أو احتلال أرض، يفرضه سلطان أجنبي، وقد رسم لكل جيش أن يفتح إقليماً من أقاليم الشام.. وإذا الإمبراطور قيصر وقادة جيشه قد تجمعوا في مكان واحد لئلا تتبعثر القوة أمام قوة العرب المسلمين من جزيرتنا العربية - عدنانياً، وقحطانياً - وصدر الأمر من الخليفة أن تواجه الجيوش الأربعة المسلمة التجمع للجيش الروماني. وكان الأمر اليومي (كونوا في مكان واسع المطرد ضيق المهرب) ويعني ذلك أن يلزم الجيش الروماني أن يسير إلى مواقع الجيوش المسلمة.. كأنما هي وضع الجيش المسلم في المكان الذي اختاره ليكون على استعداد في صد الهجوم، أو المبادرة بالهجوم.. فأيما جيش - حتى في العصر الحديث - ينبغي أن يكون على استعداد حسب ما تقتضي به الظروف بصد الهجوم أو ببدأ الهجوم. جيوش.. أربعة تحت قيادات تفرقت، يقاتلون متساندين: |
وجاء البطل (سيف الله أبو سليمان خالد بن الوليد) جيشاً خامساً مدداً للجيوش الأربعة، فسير الوضع، واغترف من كل المعرفة التي جاد بها الوضع لتلك الجيوش، فإذا هو يقول الكلمة يسمعها القادة الأربعة: أبو عبيدة، عمرو بن العاص، يزيد بن أبي سفيان، العدنانيون القرشيون وشرحبيل بن حسنه القحطاني، قال لهم خالد الكلمة وهي موطن العبرة.. الداعية إلى القدوة، قال: |
ـ (إنما أنتم فيه كل أمير على جيش، تقاتلون مساندين، هو شر على الإسلام أقوى وأشد من شر الروم عليكم، لتجتمع على أمير واحد، كجيش واحد، وليتولى الإمارة كل واحد منا يوماً بعد الآخر ودعوني أكن أميركم اليوم). |
وتوحدت الجيوش، وكان النصر في اليرموك، وكان ما بعده من الفتح.. فرحل الرومان بغير رجعة إلى الشام، فالقدوة هنا: أن تكون الشام المحترقة الآن بنار الضيم - أن تكون في الوحدة جيشاً وسياسة وقيادة.. أما إن بقيت الفرقة (كل حزب بما لديهم فرحون) فذلك الشر، أقوى من شر إسرائيل، أو هو الذي يعطي إسرائيل أن توزع شرها على أقاليم الشام. شيء من الإيمان.. من رحمة الشعوب.. من تقديس الماضي المجيد بالفعال، لن تكون فعال إلا بتحديد الهدف والوحدة للوصول إلى الهدف. |
وعجيب أن تكون الشام، وهي أول من دعا إلى القومية والوحدة موضوعاً أعطى الفرصة وهي الغصة أن أكتب عن هذه العبرة، وأن أدعو إلى القدوة. |
وأي عبرة ظاهرة للعيان من أن تكون فلسطين محتلة ولبنان يحترق..؟ |
وفي الوقت الذي تضم فيه إسرائيل الجولان أصبح إقليمان من أقاليم الشام: البلقاء (شرق الأردن) وسوريا في حرب غير معلنة.. كأنما كل ذلك هو المدد لإسرائيل.. صانع الامتداد لها يعطيها القوة تمارس طغيانها أكثر من القوة التي تمدها بها الولايات المتحدة.. فمدد عربي بالخلاف، ومدد أمريكي بالسلاح، ومدد بشري من الاتحاد السوفيتي. |
ـ وقالوا: إن سعد حداد الخائن المرتد الذي تتطرى الإذاعات فتدعوه (المنشق) أذاعوا عنه نبأ بأنه سيكون كتيبة من اللبنانيين، ولعلّهم من شيعة لبنان، أو من المارونيين. ستكون هذه الكتيبة رداً على تطوع الأردنيين مع العراق ضد إيران.. فهل هذا صحيح؟ |
ـ قلت: ليس المهم أن يكون هذا الخبر صادقاً أو كاذباً، فما أكثر العبث من هذا المنشق الخائن، ولكن المهم أن نسأل عن صدق هذه الفجيعة، فقد قال ناشر الخبر: إن كل التسهيلات ستمنح لهذه الكتيبة اللبنانية.. ترسل إلى إيران عبر سوريا (.) فهل سوريا على اتفاق مع سعد حداد.. لأن يكون سعد حداد متمتعاً بهذه الازدواجية.. تعينه إسرائيل على حرق لبنان، لأنه - وبصراحة - يقود فرقة مرتزقة تعمل لحساب إسرائيل كما أنه - إن صح الخبر وهو إرسال الكتيبة عبر سوريا - قد متَّعته سوريا بهذه المنحة، ولو كانت هي الواحدة.. يدعو إليها عون إيران، فإنها الناسفة لمواقف قوة الردع في لبنان ضد سعد حداد. |
فهل بلغ الشتات العربي أن يكون القاتل لوحدة الشام وللقومية العربية، كأنما دمشق قد عادت عبشمية.. تحارب العراق، ثم انقلبت شيعية تحارب موطن الشيعة في العراق.. تنتصر بها الشيعة في إيران..؟ |
ـ قالوا: إن العرش في المملكة الأردنية هاشمي علوي قد تحمس للقومية فأرسل المتطوعين عوناً للعراق، ولم يسأل عن المذهب في إيران.. مع أنه ما قام مذهب الشيعة إلا حباً لأهل البيت وللعترة النبوية.. |
ـ قلت إن العرش الهاشمي في الأردن - وإن اعتز بالنسب فإنه بعيد عن المذهب. ذلك أن الملك الهاشمي في الأردن من ذرية الحسن لمعاوية أسقط حق بنيه، وإنما الإمامة في مذهب الشيعة - ما عدا الزيدية - محصورة مقصورة على الحسين بن علي وبنيه.. فكل حسني لا يصلح أن يكون إماماً أو صاحب ولاية على الشيعى، وموقف العرش الأردني موقف قومي.. ينتصر به السبب، ولا ينتفي به النسب. |
ـ وقالوا: هل الشروط الثلاثة التي أملاها وزير الإعلام السوري (أحمد إسكندر) على إسرائيل هي البديل عن المشروع العربي الذي أعلنته المملكة العربية السعودية، وجرى ما جرى نحوه في مؤتمر فاس؟ |
ـ قلت: كانت الخطوة في مؤتمر فاس أن قالوا: (لا) وجاءت الخطوة الثانية تفسيراً لكلمة (لا) في مؤتمر فاس. |
فمن الزعم الذي لا يحتمل الوقوف على قدميه أن تكون هذه الشروط المملاة، والجولان في قبضة إسرائيل، بديلاً عن المشروع العربي السعودي. ذلك أن الدنيا كلها، والأكثرية من الأمة العربية قد احتفلت بالمشروع العربي السعودي.. فهو البديل الحق عن إطار كامب ديفيد، ليس فيه شيء من غطرسة الإملاء، وإنما فيه كل الشيء.. تتضح به المسيرة نحو تقرير الواقع.. نحو إقناع كل نصير إسرائيل، ليعرفوا أن الأمة العربية تريد السلام وتعمل له، فالإملاء ما أحلاه، وما أغلاه لو أننا اكتسحنا إسرائيل في الجولان. |
ـ وقالوا: ألم تسمع تصريح السيد العراقي (نعيم حداد) يدعو به العرب إلى أن يحتضنوا عودة مصر إلى التضامن العربي؟ |
ـ قلت: صعب أن نخضع المصير إلى تقلبات الظروف، ولكن.. مرحباً بالضيم يدعو العربي إلى أن يعود إلى أخيه العربي، وهذه الدعوة قد انفتح مجالها بحسن الظن في مصر.. حين تغيرت القيادة.. |
صور: |
وقرأت ما كتبه الصديق الأستاذ (أكرم زعيتر) فأسعدني أن وجدت التصويب لما أخطأت فيه، ولعلّه لا يعرف أنني أفرح بالخطأ يهديني إلى الصواب. لقد صوب أن الأبيات من الشعر هي لـ (نسيب عريضة) فوجدتني أستعيد إلى الذاكرة صدق هذا التصويب، فقد مضت على حفظنا لها سنوات طويلة تربو على الخمسين عاماً.. لكن الأحلى من الصواب أن أتحف قارئه بنشرها كاملة. |
أما نسبتي الكلمة (صناعة الموت) لياسين الهاشمي، فلم أكن مخطئاً ولا مفتربا، وإنما حفظتها إذ قرأتها في مجلة (الفتح) لصاحبها الكاتب الكبير العربي الهاشمي: محب الدين الخطيب هو الذي نسبها لياسين باشا الهاشمي، أما سامي شوكت، فما عرفته إلا منك.. ذلك أن كل الأبواب التي كانت توصلنا بالعالم العربي، لم تكن مفتوحة وإنما كانت المجلة الفتح.. هي الفتح وذكرت أن (بكر صدقي) هو قائد الانقلاب، ونسيت زعيم الانقلاب، أو أنك تجاوزت أن تذكره وهو (حكمت سليمان) وإليك معلومة حفظناها من مجلة الفتح. |
فقد ترجم له محب الدين الخطيب، قائلاً: إن حكمت سليمان هو الأخ لمحمود شوكت باشا بطل الانقلاب العثماني الذي أسقط السلطان عبد الحميد وأقام السلطان محمد رشاد، وهما - حكمت ومحمود - شركسيان استعرقا في العراق، لأنهما كانا من موالي داود باشا الذي استقل بالعراق منفصلاً عن الدولة العثمانية، وضرب باسمه عملة كتب عليها: |
ـ (يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض). |
فانتصرت عليه الدولة العثمانية ونفته إلى الحجاز، وكانت كما أعتقد أن الداوودية في مكة والداؤودية في المدينة منسوبة إليه. وبقي محمود شوكت وأخوه حكمت في العراق عظيمين، فمحمود له الصدارة في اسطنبول، وحكمت له مقامه في بغداد - معلومة ليست لك، وإنما هي للقارئ. |
|