بولندا بعد بغداد |
إن التبرير الأمريكي للغارة اليهودية الإسرائيلية على بغداد.. تخترق الأجواء العربية لا تحترم قانوناً.. ولا ميثاقاً.. إن هذا التبرير وعلى لسان الرئيس رونالد ريجان، فيه اعتذار عن إسرائيل للبقية الباقية من الأصدقاء للولايات المتحدة، وفيه الإنذار لهؤلاء الأصدقاء بالذات، وفيه الإباحة تجترم على القانون والميثاق، وعلى كل المنابر في (هايد بارك) في عواصم الدنيا كلها.. إباحة صريحة تدعو الاتحاد السوفياتي بعد أن احتل الأفغان أن يحتل بولندا. |
فما دامت المشاعر الصادقة - كما هو زعم التبرير - أباحت إسرائيل أن تدمر المنشآت النووية في العراق، فإن الدعاوى المعلنة من الاتحاد السوفيتي - برر بها احتلال الأفغان ويبرر بها احتلال بولندا - هي أكثر صدقاً من مشاعر الطغاة، لأن يفعلوا ما دعا إليه التبرير الأمريكي. |
إن بولندا في مواقف الاتحاد السوفياتي معها تدعوه لأن يباشر عملاً عسكرياً يرد به العصيان على المذهب الشيوعي، والسخرية بإمبراطورية الكرملين، وما سيحدث من هزات في حلف وارسو.. فكل هذه المبررات تدعو الولايات المتحدة لأن يكون صادق المشاعر في اتخاذ أي عمل عسكري ضد بولندا. |
من هنا اتهم التبرير الأمريكي بأنه أراد التخلص من أي موقف له ضد الاتحاد السوفياتي في بولندا. |
ولعلّ الولايات المتحدة الأمريكية حين اعتذرت عن إسرائيل وأعطتها هذا التبرير.. أعطت لنفسها تبريراً آخر تعتذر به عن تخليها نحو الأفغان، وعن تخليها نحو بولندا. |
أما الإنذار، ففيه الإيعاز لأصدقاء الولايات المتحدة في غرب أوروبا. وفي الشرق الأوسط كأنما تقول لهم: إني سوف لا أتورط بأي تحرك ضد حلف وارسو، وبأي تحرك ضد إسرائيل فأي حرمة الميثاق بعد هذا. |
إنه لا ميثاق، وإنما هو توثيق العلاقة بالطغيان، فمن الوهم أن يظن أي معلق على الأخبار.. يعطي نفسه أن الولايات المتحدة، والرئيس ريجان بالذات، قد أحرجته الغارة الإسرائيلية على بغداد، أو أن غزو بولندا سيحرجه أيضاً، ولعلّي أزعم صادقاً أن الولايات المتحدة لم تحرج بذلك، وإنما هي ستخرج على الدنيا بكسب جديد: طاعة مفروضة أكثر على حلف الأطلسي. تطوع أكثر من أصدقاء الولايات المتحدة، فإنها بهذه الإباحة وهذا التبرير تعطى الاقتسام الأرض. وصيانة المصالح التوزيع بينها وبين الاتحاد السوفياتي للأرض والقاليم، ولنفسها صون المصالح كما تزعم. |
فمن الوهم أن توصف الولايات المتحدة بالغفلة، أو أنها تتصرف بحماقة القوة.. لأن الصحيح أنها تتصرف على صورتين: صورة الاسترضاء للاتحاد السوفياتي، وصورة الاستحواذ على ما تريده من الأقاليم، فإن تبرقعها بدعوى فوضى الحرية، وحرية الفوضى.. ما هو إلا ستار كثيف قد وجدنا فيه ثغرة أطلت علينا، وهي أن الولايات المتحدة قد استطاعت أن تبرر الطغيان، وأن تلغي الميثاق، وأن تجعل من مجلس الأمن منبراً من منابر هايد بارك!! |
فرنسا: |
حين تولى السلطة الحزب الاشتراكي، وفاز بالرئاسة فرانسوا ميتران. تخوف حلفاء فرنسا وأصدقاؤها، فأسرعت ألمانيا وبريطانيا، وحتى الولايات المتحدة تريد أن تعرف ماذا سيصنع (فرانسوا ميتران) هل يعطى للشيوعيين دوراً، هل سيكون أكثر تطرفاً من الديجوليين أم أنه يمثل الوسط بين ذلك؟.. |
وتخوف العرب الذين بينهم وبين فرنسا عقود وصداقة: هل يخرج عن الديجولية الصديقة لهم ليكون (جي موليه) آخر؟ |
كل ذلك خطر في بال الأصدقاء والحلفاء، فإذا الرئيس ميتران يسرع ليعلن أن فرنسا في عهد ديستان، ولكن ضربة المفاعل النووية الذرية في بغداد قد خططت لها إسرائيل أن تكون في عهد الرئيس ميتران لتلقى على فرنسا أزمة من الشكوك.. خصوصاً وأن فرنسا لم تزد في الاحتجاج والتنديد عن أي دولة لم تكن صاحبة التنفيذ، والعون لإقامة المفاعل النووية في بغداد.. |
ولعلّي أستعيد كلمة (إميل زولا) إني أتهم.. وذلك لأن الضربة تمت وليس هناك خبير من فرنسا، أو من إيطاليا، أو من الاتحاد السوفياتي إلا هذا الخبير الواحد.. لعلّهم أغفلوا أمره، أو أنه لم يبال بما حذروه، وإلا فكيف تفرغ هذه المؤسسة من هذه الكثرة من الخبراء؟ إن الكثيرين في العالم العربي يودون أن تتوطد العلاقة بينهم وبين فرنسا، لكنهم - وقد عرفوا مكائد اليهود - يخشون على فرنسا أن تجازف ببعض علاقتها مع العرب إرضاء لليهود.. |
* * * |
ـ صور: |
إن قرار مجلس الأمن بهذه الصورة التي افتضح بها مجلس الأمن لم تنقذ به الولايات المتحدة إسرائيل من قرار يريده العرب يحتم على الموقعين المقاطعة لإسرائيل وقطع العون عنها، فإسرائيل قد أنقذت نفسها مراراً وتكراراً بالسخرية من هذه القرارات، وإنما هي أنقذت حليفتيها: بريطانيا وفرنسا.. فصعب عليهما أن يكونا مع العرب ضد إسرائيل، وصعب عليهما مرة أخرى أن تنكشف علاقاتهما الوطيدة مع إسرائيل أمام العرب، فلئن جزع العالم العربي من الموقف الأمريكي، فإن بريطانيا وفرنسا، وقد أنقذنا من الحرج، فرحتان به. |
هكذا كما قالوا: (إن بريطانيا ليس لها أصدقاء، وإنما لها مصالح)، فمصالحها أن تبقى إسرائيل طاغية على العالم العربي، ومصالحها أن يبقى العالم العربي أمام طغيان إسرائيل في حاجة إليهما!! |
ـ تناثرت الأخبار فقالت: إن مهندسين خبيرين إسرائيليين قبل مدة زارا إحدى المؤسسات النووية في الولايات المتحدة، فأبيح لهما أن يدرسا كيف يمكن التدمير لأي مفاعل ذري، وتتهم الأخبار حين أذاعت هذا النبأ بأن إسرائيل أعطيت الفرصة بهذه المعلومات فتعاملت به مع المفاعل الذري ببغداد، وتلمح الأخبار بأن القنابل التي دمر بها المفاعل كانت كل قنبلة تزن خمسة أطنان (خمسة آلاف كيلو من قوة التدمير، قذفت بها الطائرات التسع بالصواريخ الموجهة تحمل هذا الوزن الثقيل من بعد 40 كيلومتراً عن بغداد. |
أفليس في ذلك العون كل العون لأن تفعل إسرائيل ذلك؟ |
وخبر آخر يقول: إن البرازيل، وقد كان بينها وبين العراق عقدة يمدها بالأورانيوم، قد حملت طائرتان عراقيتان خمسة أطنان من الأورانيوم أو أكثر فلم تصلا إلى العراق.. تعرضت لها خمس طائرات من طراز (اف 5) فإذا الطائرتان العراقيتان بما حملتا تذوبان في بلد إفريقي.. أسقطتا، وعادت الطائرات المغيرة إلى قواعدها سالمة. |
فماذا يعني هذا الخبر؟ |
مخطط بعيد المدى.. واسع المدى.. ولن ينتهي به طغيان إسرائيل، بل هناك الجديد والجديد من الطغيان. |
|