الشهيد فيصل العظيم |
ـ سمعت عقول الرجال الخبر.. فاسترجعوا يرتلون قوله تعالى إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (البقرة: 156) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (البقرة: 156 ) وسمعت القوم الخبر فأرسلوا الدموع، صامتة تتكلم، تسأل نفسها، تضع أمام عينها مناقب العظيم، صنع لهم الحفاظ على الأمن والإيمان، ورفع لهم قدراً من الدنيا كلها كأنما هو وهو ابن هذا التراب وابن هذه الأرض مآزر الإسلام ومعاقله ومسار الإسلام ومحافله قد أراد أن يعيد لنا كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، مجدها العظيم، لم يعد الإسلام فيها غريباً وكان كل مسلم أخاً قريباً، وكان كل عربي صديقاً حبيباً.. |
الأمهات والبنات، في القصر، كل قصر.. صرخن يقلن: واحزناه!! والأمهات والجدات والبنات في القفر، في كل بقعة من الصحراء صرخن يقلن (وافري حبيبي فرياه).. |
كل أم كانت أمه، في جنان الآملين له طول الحياة، كل بنت كانت بنته آملات الصعود إلى فوق طموحهن يصنعن به الحياة! |
والأطفال في المدارس، في كل قرية بين صخار الحرار في كل واحة يسألون اليوم الرحمة لهذا الشهيد.. |
لقد كان الشهيد الملك فيصل روحاً مسلمة سيره الإيمان إلى مكان يصل لنصرة الإيمان. |
قادته الروحانية التي تقمصت وجدانه إلى ما هداه إليه من العمل.. عرفت هذه الروحانية من رؤى صادقة صدقها الواقع فمن الأمانة وقد كتمت نشرها من قبل أن أنشرها برهاناً على روحانية الشهيد. |
في ليلة قبل ثلاث سنوات على مائدة العشاء وكان على المائدة سمو الأمير فهد بن عبد العزيز فأخذ الملك يتحدث عن رؤيا حدثت له وقال وعلى وجهه نور: |
لقد جاء أحد الرجال (من الجربا) يطلب مقابلتي فأذنت له، فأخذ يحدثني ليقول: لقد منّ الله على أن أرى رسول الله في العام مرة - صلَّى الله عليه وسلم - فرأيته قبل أيام في عامي هذا يقول لي عليه الصلاة والسلام: |
(بشر الملك فيصل بالنصر.. وأخبره أن يستعد..). |
سمعناه وهو يتحدث - تغمده الله برحمته - فدعونا له الخير وسألنا أنفسنا عن الاستعداد وكانت الإجابة في أيام العبور ثم في بقاء المعركة حينما أعلن سلاحه.. سلاح البترول.. قلت لجلالته بعد ذلك وبعد العبور: |
لقد كنا نسأل عن الاستعداد، نستبعد أن يكون سلاحاً يحمله الجنود فإذا أنت تفاجئ بسلاح تدفعه من أرضك الطهر، سلاح البترول. |
في الليلة الثالثة والعشرين من شهر شعبان قبل رمضان العبور وقبل أن يزور جيشنا في تبوك رأيت هذه الرؤيا فجفلت أن ((أقولها له.. ولكني صبح نهارها قلتها لأصدقائه أشدهم على روايتها اليوم. رأيتني أدخل مكة في ظلمة من ظلام.. فإذا أنا بسواد من الناس يقف بينهم الشيخ عادل كردي ابن الشيخ ماجد كردي يتكلم بصوت منخفض، فقلت له)): |
لا أريدك. أريد أخاك طاهر كردي.. وقد عرفت عادل وإخوته.. لا طاهر لم أعرفه وقد مات.. فخرج من ظلة كأنها قبة رجل أبيض طوال مرسلة بيضاء.. ناصعة البياض.. فهرولت نحوه أقبل صدره.. فلما رجعت إلى وراء أقبل رجل لا أعرفه.. لباسه لباس البادية، يتشمغ بشماغ أزرق فأقبل علي يعانقني ويقبلني على صدري وهو يجهش بالبكاء فنظرت إليه فإذا هو عبد الحكيم عامر.. فجفلت أتأخر فناداني الشيخ طاهر في موقفه المرهب والمطمئن في الوقت نفسه يقول لي: بشرة بالنصر.. فإن وراء رجلكم رجالكم الملك فيصل.. |
ولم تمض أيام النصر حتى كان هو رجل النصر. |
ورؤيا أخرى أخبرته بها همساً بيني وبينه أخبرني بها السيد ياسين طه.. وأخبرت بها الصديق محمد عمر توفيق وزير المواصلات قال لي السيد ياسين طه. |
آمنت بروحانية الملك فيصل، واسمع السبب: |
حدثتني عجوز لا أسميها.. قالت: |
لقد رأيت الملك فيصل واقفاً بين المقام والحجر الأسود وإخوانه بعيد ينتظرونه، فأقبل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. ومعه أبو بكر وعمر.. فقال له الرسول: |
مرحبا بالأمين تقدم إلى مقام إبراهيم. |
فقال فيصل: |
هذا مقام الأنبياء يا رسول الله.. |
قال: |
بارك الله عليك أنت الأمين حارس الحرمين.. |
وأخبرني السيد ياسين طه أيضاً عن هذه العجوز.. وأخبرت الشهيد عن ذلك همساً بيني وبينه.. |
قالت العجوز: |
لقد رأيت فيصل يقبل على المدينة فإذا رسول الله وأبو بكر وعمر يقبل عليهم الشهيد يسلم بكل الأدب فيقول الرسول صلَّى الله عليه وسلم: |
مرحباً بخادم الحرمين.. |
أقسم بالله ما كذبت في هذا كله. وقد عزوت كل خبر إلى صاحبه وإلى شاهديه.. ذكرت هذا كله برهاناً على روحانية المؤمن هداه الله إلى خير.. رحمة منه، فالله هو أرحم الراحمين.. |
نسأل الله أن يديم علينا نعمة التوفيق.. كفل أثر.. ونسير إلى صراط مستقيم.. |
التعزية لا تكفي فيها كلمة.. ولكن آداب السلوك تمليها.. وهي مني ومن كل الشعب ترفع إلى جلالة الملك وإلى ولي العهد سمو الأمير فهد.. وإلى إخوانه.. وإلى كل أبنائه أجزل الله لهم لما عزاء.. وأثاب الشهيد الرحمة والرضوان. |
|