شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إياكم وخضراء الدمن
والمسلم مهاجراً وأنصاريًّا، كان يتعلم في مدرسة محمد، منذ تعلم محمد صلَّى الله عليه وسلم الكلمة (اقرأ) على حراء نزل بها الوحي يحمله بأمر الله الأمين جبريل عليه وعلى نبينا السلام، حتى فتح الله علينا حين بلغه الرسالة يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ (المدثر: 1 - 2) فإذا هو على جبل الصفا، كأنما الصفا المدرسة الثانية. لتكون المدرسة الثالثة وعلى الصفا أيضاً في دار الأرقم بن أبي الأرقم. ما أعظم عصمة الإسلام يُسلم الأرقم بن أبي الأرقم وهو من شماريخ مخزوم ليمنع أذى مخزوم عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم. تلك حماية الله.
وفي مدرسة الصفا كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه القرآن.. أحكاماً محكمة.. آمرة ناهية.. مؤدبة، أولها التوحيد والوحدة. وبعد ذلك إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.
وأنعم الله على رسوله بالمدرسة الرابعة، كانت مربداً وأصبحت مسجداً، هو مسجد النبي ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال. فالمسجد الحرام هو القبلة السرمدية، والمسجد الأقصى القبلة الأولى كانت إكباراً لهذا المسجد من خلال الإِكبار للأنبياء والرسل الذين صلَّى بهم رسول الله محمد صلَّى الله عليه وسلم إماماً في ليلة الإسراء ليلة المعراج. كل ذلك نعمة من الله تؤمن بذلك دون تعليل أو تبديل. فالله على كل شيء قدير.
ففي هذه المدارس تعليم الأصول - كما قلت - وتعليم الآداب كإفشاء السلام والتيامن ورفع الأذى عن الطريق، وما إلى ذلك لكني أقف فيما أكتب اليوم عند أمره صلَّى الله عليه وسلم إياكم وخضراء الدمن. ولقد سأله أصحابه ليعرفوا هذا البيان في هذه الكلمة: وما خضراء الدمن؟ قال ذلك الإنسان الكريم ألا وهو إنسان الإنسانية في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4) . يفسر لهم خضراء الدمن: إنها المرأة الحسناء في المنبت السوء. فالدمنة تعبير عن البيئة.. عن حضانة التربية.. وعن حضانة التي رباها أهلها على كل ما هو حسن. فلم يتركوها لعوارض السوء تتخلق بها فتصبح زوجاً خلت عواطفها من المودة والرحمة، فالمودة والرحمة يتم بها بناء الزوجية، ونماء التربية، أما حسنها فلا يفيد إذا ما ساء خلقها، فالخلق لها ذات وجه حسن يكمل ويتم بالخُلق الحسن. ولا يعني المنبت السوء أن تكون فقيرة، فقد يكون الفقر معلماً وقد يكون الغنى إذا لم تصنه التربية هو منبت السوء.
كما أن أمره الثاني صلَّى الله عليه وسلم يصبح التفسير لأمره الأول في قوله: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس.
ويعني هذا أن الأعراق الفاسدة يرث نسلها الفساد، ولعلّي أذكر حواراً بيني وبين شيخنا أستاذنا العلامة الشيخ محمد الطيب الأنصاري، فقد زرته يوم كنت شريكه في تدريس عقيدة السلف. كأول مرة تدرَّس فيها هذه العقيدة في المدرسة السعودية في المدينة المنورة، كلفه بذلك رئيس القضاة حفيد الداعية المصلح محمد بن عبد الوهاب، ألا وهو الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ، حتى إذا جلست في مجلسه ورأيت طفل ابنه - ألا وهو الدكتور عبد الرحمن الأنصاري كبير الشأن الآن - وقد كان هذا الابن عليه أثر احمرَّ به جبينه، فقلت له إن هذا سيزول بفضل الله ولا تخشَ، إنها وراثة فأنت سليم من ذلك. ونحن أخواله نعرف سلامة أمهاته وخالاته. فقال يرحمه الله أنا لست مؤمناً بالوراثة، قلت: بل تؤمن بها: وإنك لتعرف قوله صلَّى الله عليه وسلم: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس كما تعرف قوله: لعلّه عرق انتزع فقال رحمه الله: أهذه هي الوراثة؟ قلت: نعم، قال آمنت بالوراثة.
وهكذا، كما في النساء خضراء دمنة، ففي الرجال خضراء دمنة، وأيهما الآن أكثر؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :745  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 662 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.