شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
زَوْجُه
والكاتب أيما كاتب: ناثراً أو شاعراً، ولو كان من الذين يشار إليهم بالبنان ويجري ذكرهم على كل لسان، عربيًّا أو أعجميًّا، فإنه يحترف الوعظ يسجل الواقع حتى إذا أنكر كتب الرواية والقصة أو نظم القصيدة (اعتزل ذكر الأغاني والغزل). والرجاء ألا ينكر القارئ ذلك، فطه حسين في (الأيام) كان واعظاً وفيكتور هيجو في (البؤساء) وزهير بن أبي سلمى في معلقته كانا واعظين. والمتنبي في حكمته كذلك.
وما سقت هذه الدهلزة إلاَّ مستئذناً أدخل بهواً تصدره هارون الرشيد وجعفر البرمكي، أدخله قارئاً ما كتبه واعظ عرف الخبر منهما. فالخبر هو أن هارون الرشيد ضاق من أبهة القصر وما حوله من التعظيم ومن حوله من العظماء فأخذ بيد جعفر يوم كان صفيَّه وحين كان الرشيد وفيَّة.. (تعال يا جعفر.. نطُفْ طرق بغداد لنرى ما يشرح الصدر أو ما يكدره) وذهبا، الخليفة والوزير، وبينما هما يمشيان نظر الرشيد إلى عامل تحت قصر، يُشيَّد حديثاً وقد ارتفعت طوابقه، رأى العامل يقذف الطوب الثقيل إلى فوق يسقط في وعاء يأخذه البناؤون فأغناهم هذا العامل عمن يرفع الطوب ليصعد به، فعجب الرشيد من قوة هذا العامل ودقة القذف فقال لجعفر: كيف هذا؟ فأجابه جعفر: هذا من امرأته أسعدته، لبس راحة البال فنشط وأنشط. لم يصدقه الرشيد، وأراد جعفر أن يثبت ذلك فأرسل عجوزاً إلى بيت هذا العامل فطرقت الباب وفتحت الزوجة، فقالت العجوز: ما شاء الله أنت بنت الوزير.. أنت بنت شهبندر التجار جميلة وحلوة.. يا بخت زوجك. وجلست العجوز قليلاً وخرجت. وفي اليوم الثاني مرّ الرشيد وجعفر فوجدا العامل نكداً لا يكاد يرفع طوبة؛ لأن العجوز أفسدت عليه زوجه، فقد كان هذا الزوج لا يكاد يطرق الباب حتى يجد امرأته معطرة في أحسن زينة تحتضنه تريحه ينام هانئاً ويصبح هانئاً.
وعرف الرشيد ما فعلت العجوز؛ فأمر جعفر أن يرد الزوج إلى حاله الأول قوة ونشاطاً فأمر جعفر العجوز لتفعل، واستقبلت الزوجة العجوز، فدخلت عجوزنا هذه إلى المرحاض وكان معها إبريق من الفخار قديم، كسرته العجوز في المرحاض وأخذت تولول.. يا إبريقي، فقالت الزوجة: خذي عوضاً عنه نحاساً، فضة أحسن منه، فقالت العجوز هذا الإبريق عندي من شبابي عرف ما أستر، فلا أستبدله بغيره، عشيري لا أريد غيره، وخرجت العجوز وعادت المرأة إلى حالها تستقبل الزوج بالترحاب، وعاد الزوج إلى حاله، فصدق الرشيد أن المرأة إذا ما أسعدت زوجها عاش هنيئاً وإن هي كدرته يعيش نكِداً ولو كان هو من كان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :791  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 652 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.