شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قسوة الضعف
ـ وهل يتصور أحدنا أن للضعف قوة؟!
نعم، فالإِنسانيون من أصحاب النفوس الراحمة والمشاعر المحسة بإنسانية الإِنسان حباً ورعاية لا بد أن يسيطر عليها الضعف بقوة ليست هي من ذات الضعيف، أعني أنها ليست في عضلات الجسد، وإنما هي في عرض ما تشعر به أو ما ترسله عين الضعيف. وما تختلج به نفس الضعيف.
إن الحب لم يكن إلا من قوة الجمال الذي لا بد أن يكون الجميل في منطقة الضعف، فهو مستهدف تأكله النظرات، تبتلعه الإِشارات، فإذا عملية الطرد من الجمال القوي ما هو إلا بضعف الجميل يرفض كل النظرات ويقصي كل الإِشارات، ليبدو ضعفه قوة حينما يستحوذ على إشارة واحدة أو نظرة واحدة.
والمساكين أقوياء حين يعرفهم المحسنون، فضعف المسكين قوة جاذبة لرحمة المحسنين، واليتيم لا تلبث إلا أن تمسح رأسه حين استحوذ عليك بقوة الضعف فيه، يحدث فيك ضعفاً ليكون التزاوج بين قوة الضعف فيه وضعف القوة فيك كفاءة جديدة حدثت من القوة الجديدة حين اقترنت قوة الضعف بضعف القوة!
قلت لصاحبي: ليس من الضعف أن أحترز من طغيان الأقوياء ولكن أجدني بقوة ذاتية أستطيع الاغتصاب لقوة الضعيف. فالضعفاء أصحاب سلطان علي. إذا تكلموا سمعت، وحتى إن شتموني صفحت.
قال مرة أحد الذين كان لهم سلطان وظيفي:
إن هذا يعنيني، يفرض علينا الندادة، يستكبر أن يخضع لنا، بينما هو شديد الأخذ من نفسه، يخضع لضعيف عرض عليه مشكلة.
فقال له الآخر. وكان مثقفاً علمته الأيام أن يعرف أخلاق الرجال، قال: إن فلاناً هذا يستعذب أن يكون قوياً أمام الأقوياء بعامل الدفاع، وإنه يستعذب الطاعة للضعفاء بقوة الرحمة، فأنت لا تعرف أن هذا الإِنسان لا يكاد يحتفل بما هو له وأنه لأكثر احتفالاً بما هو للناس.
إنك تعيش قوياً بين أتباع يستمدون من سلطانك سلطاناً على غيرهم أما هو فيحيا بين أصدقاء هو عون لهم وهم عون له.
ثم قال: إن فلاناً الذي هو مثلك قال له إنك تخاطب هؤلاء الموظفين الكبار كأنك نديد لهم، فأجابه:
إن الندادة قيمة هي له حين يصرف نظره عن ضخامة المكاتب، فهو كما قال مرة.. الندادة بينه وبين هؤلاء يوم يستعرضون قيمتهم في الشارع.
فقال المتحدث الأول:
لكن هذا يجر عليه أو هو قد جر بالفعل أن نكون نحن الكبار في ترفع عنه.
فقال:
أوليس هو حين يفرض الندادة عليكم قد ارتفع بينكم وأجبركم طائعين أو كارهين أن تكونوا كما أراد؟
ولم يلبث هذا الموظف الكبير أن سحبوا الكرسي من تحته، فإذا التعالي هو الذي قاله له: ((لقد أصبحت أنت الآن.. طز!!)).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :795  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 523 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.