شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دَعْـوة إلى الحـبّ
جَلْجَلَ النادي، وكُنَّا عُصْبَةً
نَتَساقَى الكأسَ دَفْعاً للمَلَلْ
كُنْتُ في الخَمْسين، أوْ ما دُونها
ورفاقي مِنْ تلاميذي الأُوَلْ
طَلَبُوا رَأْييَ في الشِّعْر، فلم
يَثْنِني عَنْ قالة الحقِ وَجَلْ
قُلْتُ إنَّ الشِّعر مَهْمَا انقَلَبَت
دُوَلٌ يَبْقَى أحاديث الدّوَلْ
فَنُّهَا الأعلى الذي يَرْقَى إلى
زُحَلٍ، أو يَسْتَوي فَوْق زُحَلْ
وَجهُها الأحْلَـى الـذي تَزْهـو بـه
وتُغَالي باسْمِهِ مُنْذُ الأزَلْ
يُكْتَبُ العِزّ لِمَنْ عزّزهُ
وإذا استَوْطأهُ المَغْرورُ ذَلْ
لا أُحِبُّ الشِّعْر إلاّ صادقاً
وَطنياً كان أو كان غَزَلْ
كُلُّ شِعْر لَمْ يُحَرِّكْ وَتَراً
في حنايا الصَّدْرِ شِعْرٌ مُفْتَعَلْ
أنا لا أخْجَلْ مِنْ شِعْر الَهَوى
إنَّما أكرَهُ مِنْهُ المُبْتَذَلْ
أكْرَهُ اللّهْفَةَ تَغْدو شَهْوَةً
وحَديثَ النَّفْسِ خُبْزاً وَبَصَلْ
جُنَّحَ الدِّيك، ولكنْ لَمْ ينمْ
كعُقابِ الجوِّ في أعْلَى الجَبَلْ
يولَدُ الشاعِرُ حُراً، فإذا
لَمْ يُعَالِجْ غَيْرَ مَوْضوعٍ فَشَلْ
لا يُملّ الرَّوْضُ وَشَّى زَهْرَه
فإذا ما وحّدَ اللَّوْنَ أَمَلْ
آفةُ الشاعر يَغْدو آلةً
لذوي الشأْنِ، وبُوقاً للسَّفَلْ
لا يَهُزُّ النَّفْس قَيثارٌ إذا
كان في أوْتاره أدْنَى خَلَلْ
فاعْذُروا كلَّ دَعيّ واغلٍ
رُبَّما في غَفْلَةِ النَّقْدِ وَغَلْ
هَتَفُوا زِدْنا فزادَت جُرأتي
وألحُّوا فَتَولاّني الجَذَلْ
قُلْتُ لا فَضْلَ لِذي مَوْهِبَةٍ
أجْزَلَ الله عليه فَبَذَلْ
إنَّ شَمْساً ضَحِكَتْ قَبْلَ الضُّحَى
غَيْرُ شَمْسٍ عَبسَتْ بَعْدَ الطَّفَلْ
لَمْ يَفُزْ مُسْتَغْرقٌ في أمَلٍ
يَسْهَرُ الدَّهْـرَ علـى ضَـوْءِ الأمـلْ
* * *
وَتَطَرّقْنا إلى الشِّعْر الذي
شَربَ الدَّهْر عَلَيْه وأَكَلْ
ذلك الشِّعر الـذي استَعْصَـى علـى
قائليه، واسْتَحى منه الخَجَلْ
قُلْتُ هذا شعْوذاتٌ ورُقىً
تُضْحِك الثَّكْلَى وتُبْكـي مَـنْ هَـزَلْ
إنَّه تَقْليدُ زِيٍّ عارض
عاشَ في الغَرْبِ قليلاً واضْمَحَلْ
والذينَ اقتبَسوا اسْتَرْشَدوا
بغُرابْ شاء تَقْليد الحَجَلْ
جَدّدوا، يا لَيْتَهم ما جدّدُوا
جدّدُوا السُّخْـفَ فجـاؤوا بالخطَـل
ليسَ فيهم غَيْرُ لَوْنٍ فاقع،
فإذا ما واجَه الشَّمْسَ نَصَلْ
أنا لا أكْرَهُهُم لكنَّما
هالني الغُصْنُ عَـنِ الَجـذْع انْفَصَـلْ
خاطبوني بالأحاجي، وأنا
ما تَدَرَّبْتُ على هذا العَمَلْ
إنَّهم مهما اختَلَفْنا إخْوتي
لَيْتَهُم لم يَرْكبوا هذا "الجَمَلْ"
* * *
صَفَّقَ القَوْمُ لِقَوْلي طَرَباً
وادعوا أنِّي أساقيهم عَسَلْ
قُلْتُ لولا الجَهْلُ لَمْ نَشْقَ ولا
كانَ في الأرضِ نِزاع أو جَدَلْ
خُلِقَ الناسُ بشرْعي أسْرَةً
ثمَّ ضلّوا فاستقلّوا في كُتَلْ
إنَّ مَنْ يَقْتُلُ ذِئْباً ضارياً
مِثْلَ مَنْ يَقْتُلُ شاةً أو حَمَلْ
إنّ مَنْ يَسْرقُ مني أمَلاً
مِثْلَ مَنْ يَسْرِق حِلْياً وحُلَلْ
إنَّ مَنْ يَجْني على سُنْبُلةٍ
مِثْلَ مَـنْ يَجْـني علـى كُلُّ السَّبَـلْ
إنّ مَنْ باركَ حَرْباً مثْل مَنْ
خاضَها بالسَّيف، صَلَّى وَقَتَلْ
إنّ مَنْ برّر ظُلْماً ظالمٌ
إنَّ مَنْ لا يتّقي النارَ اشْتَعلْ
أنا لا أُفَرِّقُ ما بين الَملاَ
لا ولا أدْخُلُ ما بَيْنَ المِلَلْ
أعْبُدُ الله منيباً طائِعاً
ويُناديني إلى الكُفْر هُبَلْ (1)
أرْخَصُ العُبْدانِ في الهِنْد أخي
لَيْس عَبْداً مَـنْ علـى الحـقِّ اتكَـلْ
فالزموا الحقَّ يزدْكم قُوَّةً
ولَقَدْ يَعْصِمُكم عَنْدَ الزَّلَلْ
إنِّما الإِيمان ذُخْرٌ للفَتى
فاحْرِسوه وافْتدوه بالمُقَلْ
ذرّةٌ منه تدُكّ الطودَ أوْ
تَشْرَبُ النَّهْرَيْن أو تَشْفي العِلَلْ
* * *
واستطالَتْ سَهْرةُ النادي ولَمْ
يَغْشَ جَفْنيّ نُعاسٌ أوْ كَلَلْ
قُلْتُ هل نَمْضي؟ فقالوا أبداً
تَتْرُك النادي متى الليلُ ارتَحَلْ
قلتُ إن الليلَ في النَّفْس، فإن
أظْلَمتْ نَفْسي فمـا جَـدْوى الأمَـلْ؟
كَمْ ضَريرٍ يَهْتَدي الناسُ به
وبَصيرٍ في عُبابِ النُّور ضَلْ
ما انتفاعي بالدّوالي أيْنَعَتْ
إنْ يكنْ زَنْدي عنها في شَلَلْ
فأحبُّوا تَضْحَكِ الدنيا لكُمْ
وأحبُّوا لا تُبالوا مَنْ عَذَلْ
يَغْسِلُ الحُبُّ حَنَايا خاطِئٍ
مُنْذُ دبَّتْ قَدَماه ما اغتَسَلْ
لَسْتُ أرْثي لِشَجيٍّ فاشِلٍ
أنا أرْثي لِخَليٍّ ما فَشَلْ
صِرْتُ في الخَمْسين، لكنْ لَمْ أزَلْ
أجْتَني مِنْ ثَغْر غَلواءَ القُبُلْ
كلّما استَفْرَدْتُها في خَلْوةٍ
قَرّبَتْ فاها لأشْتارَ العَسَلْ
وطني الأرْضُ، وأهْلي كلَّ مَنْ
دَبَّ فيها مِنْ مُلوكٍ وَخوَلْ
إنَّ مَنْ يَسْعى إلى لُقْمتِه
دونما شَكْوَى مِنَ الدَّهر بَطَلْ
كلُّ مَنْ يَحْمِدُ مَوْلاه على
نِعْمَةِ الفقر غنيٌّ أوْ أجَلْ
لَسْتُ أخْشى صَوْلَة التاج ولا
دَوْلَة الشَّعْبِ ولا داعي الأجَلْ
إنّ مَنْ أوْفَى على الألْفِ كَمنْ
عاش أسبوعاً قصيراً أوْ أقَلْ
كلُّ ما يأخُذُه منَّا الرَّدَى
حَفْنَةٌ لا خَيْرَ فيها مِنْ عَضَلْ
* * *
وأطلَّ الفَجْرُ، قُلْنا مَرْحَباً
بالذي مِنْ مُهْجَة الليل أطَلْ
انْهلوها حِكْمةً مِنْ شاعرٍ
لَمْ يَضِعْ مُسْتَرْشدٌ منه نَهَلْ
في غدٍ يَفْتَرِقُ الدَّرْبُ بنا
فاذكروني، واذكروا هذا المَثَلْ
"لا تَقُلْ قَدْ ذَهبتْ أيامُه
كُلُّ مَنْ سار علـى الـدَّرْبِ وَصَـلْ"
 
طباعة

تعليق

 القراءات :386  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 568 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.