أبْكيه، أمْ أبْكي على وَطني |
أنا قَدْ أليهِ، فهيِّئوا كَفَني |
وطَنٌ فَدَيتُ ترابَه بدَمي |
وحَمَلْتُه في القَلْبِ والذُّهنِ |
غَلْواءُ منه، فكَيْفَ أُرْخِصُه |
مهما تَجَاهَلَني وأرْخَصَني؟ |
لا تَسْألوني أنْ أحدّده |
دارُ العُروبةِ كلُّها وَطني |
ما دامتِ الآمالُ واحدةً |
ما الفَرْقُ بين الشامِ واليَمَنِ؟ |
لا عَيْبَ فيه غَيْر غَفْلَتَه |
لولا اخْتلافُ بَنيه لَمْ يَهُنِ |
حامَ الغُزاةُ على مَلاعِبِهِ |
وتنازَعَتْه مَخالبُ الفتنِ |
ماذا أعدّدُ مِنْ نَوائبه |
ليَضيقُ في تَعْدادها عَطَني |
ما انْفَكَّ مُنْذُ ارْبَدَّ طالعُه |
مِنْ مِحْنة يَمْشي إلى مِحنِ |
لَمْ يَبْقَ مِنْ زاهي حَضارته |
في كل مُجْتمعٍ سوى دِمنِ |
كانتْ وما زالتْ مَكارمُهُ |
شَراً عليه… لَيْتَ لَمْ تَكنِ |
كمْ قُوبلتْ حُسْنى بسَيِّئةٍ |
وكمِ انْطوَى رَاجٍ على ضَغَنِ |
يا إخْوتي – والجُرْحُ يجمعنا- |
لا تَضْحكوا مِنْ دَمْعيَ الهَتنِ |
مَنْ ليسَ يَشْعُر مَعْ عشيرتِهِ |
ففُؤادُهُ مِنْ جَلْمدٍ خَشنِ |
كَمْ ندّعي عِلْماً وليسَ لنا |
إلاّ نِفايةُ زادِه العِفنِ |
العِلْمُ ليسَ قراءةً، وكفَى |
العِلْمُ حَقْلٌ بالثمارِ غَني |
جازَ الثُّريّا غَيرُنا، فمتَى |
نَصْحو، متى نصْحـو مِـن الوَسَـنِ؟ |
نشكو الغَريبَ ونَحْنُ عُدّتُه |
فِي السِّـر – بَـلْ في السـرِّ والعَلَـنِ |
لَمْ يَمْتهِنْ غازٍ سيادَتنا |
لَوْ لَمْ نَكُنْ عَوْناً لِمُمْتَهنِ |
منَّا الأُلى خانوا قضيتنا |
مَهْما نَقُلْ للناسِ لَمْ نَخُنِ |
منَّا الأُلى استَقْوى العَدوُّ بهم |
من الأُلى شدوه بالهُدَنِ |
منَّا الأُلى باعوا كرامتنا |
للغاصبين بأبخسِ الثمنِ |
منَّا الأُلى كنَّا نخَالهمُ |
ناراً… فمـا كانـوا سِـوَى دَخَـنِ |
منَّا الأُلى باسم الجهاد بَنوا |
مَجْداً على غَيْرِ الجهاد بُني |
منَّا الألى غَدَروا بإخْوتهم |
في الشام أو بيروتَ أو عَدَنِ |
لا نُخْفِ بالتَّمْويه عِلّتنا |
لَيْسَ اصطناعُ الحُسْنِ بالحَسَنِ |
وسَطا الهَجينُ على ضمائرنا |
يا خَجْلةَ الأحرارِ مِنْ هَجِنِ! |
* * * |
عَفْواً عَميديَ إنْ شَرَدْتُ، فقَدْ |
عَصَفَتْ بعَقْلي سَوْرةُ الشّجَنِ |
بيني وبينَك ألفُ رابِطة |
قامَتْ على أصْفى مِنَ المُزَنِ |
قَدْ كنتُ أرجو أنْ أراك غداً |
فإذا بسَهْم الموتِ يَخْذُلني |
مَنْعاكَ أدْمَى مُهْجَتي، ومَشى |
ناراً على جَفْني وضَرَّسني |
النازحون على اختلافهم |
يَبْكون مَوْتَ القائدِ الفَطِنِ |
الحاملِ الأعباءَ دُونهمُ |
بَيْن القُوى والبيدِ والمُدنِ |
عَرَفوا جميلَك يَومَ تَخْدُمهم |
مِنْ غَيْرِ ما صَلَفٍ ولا وَهنِ |
كرّستَ نفْسك للفَضيلة، لَمْ |
تيأسْ ولَمْ تَسْأمْ ولَمْ تَلِنِ |
كُرْمَى عُيونِ الضادِ ما أكَلَتْ |
مِنْ أصْغَرَيك مَشارطُ الزَّمنِ |
هَبْي يَراعَ "أبي العَلاءِ" وخُذْ |
ثمناً له سَيفَ "بن ذي يَزن" |
* * * |
تَبْكيك نَدوتنا، وكُنْتَ لها |
نَهْرَين مِنْ شَهْدٍ ومِنْ لَبَن
(1)
|
بَلْ كُنْتَ ظِلاًّ في ظَهيرتها |
ومَنارةً في لَيْلها الدَّجِنِ |
تَرْعَى خُطاها رَعْيَ والِدة |
وترُدّ عنها شَرّ مُضْطغِنِ |
أنا في حِسابك بُلْبلٌ غَرِدٌ |
لا طيرَ في التَّجْويدِ بَلْحَقني |
تَهْتَزّ مِنْ طربٍ لقافيتي |
وبِبُرْدةِ الإِعجاب تَغْمُرني |
تَقْواكَ ما كانَتْ مُصانَعةً |
لا تُحْمَدُ التَّقْوى على دَرنِ |
كانَتْ كنَفْحِ الرَّوضِ عابِقةً |
بالطِّيب، طاهرةً مِنَ الأمنِ |
جَلَّتْ عن التمويه وارتَفَعَتْ |
عَن ترّهات الشكّ والظَنَنِ |
الدينُ عندكَ رَحْمةٌ لأخٍ |
ومَحَبةٌ تُعطى بلا مِنَنِ |
مَنْ لا يُحِبّ فليسَ مُؤتَمناً |
لا يُسترَاحُ لغَيرِ مُؤتَمنِ |
يَجدُ الفَتى بالحبِّ خالِقَه |
وَيردّ عنه غَوائلَ الإِحَنِ |
* * * |
يا سيدي إن يَكْبُ بي قَلَمي |
فالعُذْرُ أنَّ الخَطْبَ زَلْزَلَني |
يَهْنِيك أنك لم تَمُتْ كَمَداً |
بَيْنَ اغْترابِ الروح والبَدَنِ |
واجهْتَ ربَّك في الشآم… فما |
أحْلَى الرَّدَى في تُرْبةِ الوَطَنِ! |