شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من علمائنا الأعلام (1)
(يُعْنَى سعادة مدير المعارف العام فضيلة الأستاذ الشيخ محمد بن مانع ببث المعرفة الرشيدة كلما تتسنى له ذلك جرياً على السنة الحميدة التي اختطها فضيلته لإنهاض المعارف العامة في هذا العهد الزاهر. وهذه المحاضرة القيمة من علمائنا الإعلام التي ألقاها الأستاذ السيد أحمد العربي بالمعهد العلمي السعودي والتي مهد لها بهذه الكلمة قد اقترح عليه فضيلة الأستاذ نشرها مع أمثالها تباعاً في المنهل لما فيها من توجيه وإثارة وإمتاع، وقد استجاب حضرته لهذا الاقتراح القويم الذي يرمي إلى حسن التوجيه والتقويم).
في تاريخنا الإسلامي ثروة عظيمة من العلماء الأعلام، الذين وقفوا حياتهم على طلب العلم وتعليمه، وتحملوا المتاعب والآلام وتجشموا المصاعب والأخطار في جمع شوارده، واقتناص أوابده، واستنباط قوانينه وقواعده، وأنفقوا أثمن ما يملكونه من جهد ووقت ومواهب سنية في سبيل هداية الخلق، وتنوير العقول بنور المعرفة، فكانوا بذلك مصابيح يهتدي بهم العالم، وأئمة يقتدي بهم المصلحون، على مدى العصور والأحقاب، ذلك أنهم أدركوا بفطرهم النيرة وبصائرهم النافذة، أن العلم خير وسيلة لإرشاد البشر إلى السعادة الكاملة والحياة الفاضلة، وأقوى عامل لإنقاذ الإنسانية من حمأة الشقاء والفوضى والرذيلة، فأحبوا العلم وشغفوا به، وبذلوا قصارى جهودهم في نشره والحض عليه، وودوا بملء جوانحهم وجوارحهم أن يستضيء العالم أجمع بسناه، شهدت بذلك أقوالهم وأيدته أفعالهم ونطقت به سيرهم وآثارهم، وحسبنا من ذلك في هذه المقدمة ثلاث كلمات لعلمين من أعلامهم، فيها من النبل واللوذعية ما يكفي للتنويه بفضلهم على العلم وطلابه، وفيها من جلال التضحية وروعة الألمعية ما يغني عن الإشادة بعبقريتهم وسمو إنسانيتهم، وإنها لعبقرية تزهو بها الإنسانية، وإنسانية تعتز بها العبقرية. أما أولى هذه الكلمات، فهي قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لرجل سبه: "إنك لتشتمني وفيّ ثلاث خصال، إني لآتي على الآية من كتاب الله، فأود أن الناس علموا منها مثل الذي أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط فأفرح به وأدعو إليه ولعلي لا أقاضي إليه ولا أحاكم أبداً، وإني لأسمع بالغيث يصيب الأرض من أرض المسلمين فأفرح به، وما لي بها من سائمة أبداً".
بهذه الكلمات الخالدة أجاب المربي العربي العظيم الرجل الذي شتمه فألقى عليه بل على الأجيال المتعاقبة درساً بليغاً في الأدب ومكارم الأخلاق، وضرب لنا مثلاً عالياً للشخصية العظيمة التي تتمثل فيها الإنسانية بأسمى معانيها فتود للناس جميعاً من الخير ما توده لنفسها. وأما الكلمتان الثانية والثالثة فهما للإمام الشافعي رضي الله عنه، أجاب بأولاهما عن ثلاثة أسئلة على النمط الآتي:
((قيل للشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف مما لم أسمع به فتود أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم به مثل ما تنعمت به الآذان، فقيل له: فكيف حرصك عليه؟ قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال، قيل له: فكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره)).
كنت أود أن اقف ملياً عند كل كلمة من هذه الكلمات لأجلو بعض ما انطوت عليه من معان سرية وبلاغة مونقة لولا ما يقتضيه المقام من إيجاز، ولذا أجتزىء بما تعرب عنه عبارتها من بيان مشرق وهدف شريف، وأنتقل إلى الكلمة الأخرى:
قال الربيع سمعت الشافعي وهو مريض وقد ذكر ما جمع من الكتب، فقال: ((وددت لو أن الخلق تعلموه ولا ينسب إلي منه شيء)). وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ((وددت أن كل علم يعلمه الناس، أؤجر عليه ولا يحمدونني)).
هذه الكلمات على إيجازها تدل على ما اتصفت به تلك النفوس الكبيرة من شغف بالمعرفة ورغبة ملحة في نشرها بين الناس إلى نكران للذات وإيثار للصالح العام، وكان لسان حالهم ينشد قول الشاعر:
فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
في سيرة أولئك العلماء المرشدين من سلفنا الصالح خير قدوة لنا فيما نستقبله من نهضة علمية، وأكبر أسوة لشبابنا فيما يستهدفون من رقي وتقدم، ولذلك فكرت منذ حين في إذاعة نخبة من تراجمهم بين شبابنا تكون نبراساً للمهتدين وحافزاً للطامحين، وبدأت بترجمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لما في شخصيته العظيمة من عبقرية متعددة النواحي ممتعة الجوانب، وجعلت من هذه الترجمة موضوعاً لمحاضرة ألقيتها في بهو المعهد العلمي السعودي على حفل من رجال المعارف وطلاب العلم، وكنت مزمعاً متابعة الكتابة عن أولئك الأئمة الأجلاء فحالت دون ذلك الشواغل، إلى أن جدد من عزيمتي سعادة مدير المعارف العام باقتراحه على صاحب (المنهل) الأغر تخصيص باب في مجلته لتراجم العظماء، واقتراح سعادته على نشر ما يتسنى لي نشره في هذا الباب، فعقدت العزم على تحقيق هذه الرغبة بحول الله تعالى، ورأيت أن أبدأ بنشر محاضرتي عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما بشيء من الاختصار، وما توفيقي إلا بالله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :495  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 67 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.