شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
واجب المواطن أيام الحرب (5)
وهناك وهم كبير يجب إبعاده عن أذهاننا ونحن نقوم بواجب التطوع للعمل الحربي، وهم يبدو حقيقة مجسمة لأبسط العقليات ويجد كل متطوع نفسه من أول وهلة تحت تأثيره. هذا الوهم يتسلط عليك وأنت تؤدي واجبك الحربي فتعتقد أن العمل الحربي باعتباره عملاً مقدساً يجب أن يكون ذا تأثير سحري في تغيير طبيعة المواطن ومزاجه، بحيث يجعله على استعداد تام لتقديم أكبر مجهود عند أي إحساس بالحاجة مهما كانت الظروف والملابسات. إن هذا هو المعقول وهو الواجب الذي يقرره كل مواطن عندما يتحدث عن أعمال التطوع أيام الحرب، ولكنه يكون بعيداً جداً عن هذه العقيدة أو عن هذا الوهم الذي كان يحسبه حقيقة واضحة عندما يكلف بالعمل. إن جميع أعمال التطوع تتركز في جوهرها على نظام الهيئات والمجالس هذا النظام الذي يخرج بالأعمال من صفة الفردية الفجة إلى صفة العمل الجماعي المفيد. هذا النظام الذي يعتبر من أحدث النظم في تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو في الوقت نفسه أخطر ما يكون عندما يطبق على مجتمع لم يبلغ المستوى العالي والمؤهلات المطلوبة لفهم معنى الحياة الجماعية الراقية.
ولو قدر لك أن تقبل في سلك المتطوعين للعمل الحربي، فإنك ستجد نفسك عضواً في إحدى هذه المجالس أو في فرع من فروعها، هذه الفروع التي كثيراً ما تكون أكثر قوة وسلطة من أصولها، وإذا لم يقدر لك أن تكون عضواً في أصل أو فرع لإحدى هذه الهيئات فلا بد أنك ستدعي إلى إحداها للاستنارة برأيك، وعندئذٍ تعتبر أن الحظ قد أتاك أخيراً فقد اتيحت لك الفرصة لخدمة في مجال التأسيس والتشريع.
ولنفرض أنك عضو في إحدى هذه المجالس بمجرد اختيارك للعمل وحضرت الجلسة لتجد بين الأعضاء ثلاثة ممن سبق أن عرفتهم السيد ((س)) والسيد ((ز)) فالسيد ((س)) شاب أناني غير مكترث يصل إلى حد الوقاحة في تصرفاته، والسيد ((ي)) كهل فضولي يتحشر في كل شيء ثرثار ضيق الأفق والسيد ((ز)) إمعة خال من كل شيء.
وتدخل الجلسة لتجد هؤلاء الثلاثة قد اتخذوا أماكنهم في صدر القاعة وانتصبوا في جلساتهم كنجوم المجلس، بينما جلس الأعضاء الآخرون في وضع لا يدل على شيء من الثقة بالنفس؛ وربما شاقك هذا المنظر الجميل، منظر الوجوه المتحفزة حول المائدة وكأنها هالة حول القمر وتشعر بالفخر والاعتزاز وتعتزم على أن تبذل كل جهدك واستعدادك مشتركاً مع جهد واستعداد زملائك الذين لا تشك في أنهم يشاركونك العزم والاستعداد، حتى إذا مضت عليك في الجلسة خمس دقائق قدم السيد ((س)) رغم صغر سنه وقلة تجاربه اقتراحاً سخيفاً وتكلم ببرود وهو يضع كوعيه على المائدة وكفيه تحت ذقنه كما لو كان يلقي درساً على أحفاده وليس في المجلس من هو أقل سناً من أبيه أو جده؛ ويتكلم السيد ((س)) ويطالب بعناد وإصرار بضرورة تغيير النظام الذي تدار به الجلسة ويكاد بجداله يضيع على المجلس فرصة العمل؛ ويظل السيد ((ز)) صامتاً حتى إذا سأله الرئيس عن رأيه فتح فمه في تثاقل قائلاً إنه موافق على كل ما دار في الجلسة وإنه يصوت على الرأيين فكلاهما مناسب!
وتضيق نفسك ويأخذك العجب وتسائل نفسك: أمن المعقول أن يسلك هؤلاء الناس هذا السلوك في إنجاز الأعمال في هذا الظرف الدقيق وفي هذه الساعات الحرجة في تاريخ الوطن، وفي الظرف الذي يجب على كل مواطن أن يكون فيه أشد حساسية وأكثر استعداداً للبذل وإنكار الذات ماذا؟ إنهم لا يدركون أننا في حالة حرب؟! ولا تجد في بقية الأعضاء من هو أحسن حالاً.
وتفسد عقيدتك في كل شيء اسمه جمعية أو هيئة وتقول في نفسك: إني مع اعترافي بقصوري وقلة تجاربي وعدم مشاركتي فيما مضى في الأعمال العامة، فإني أستطيع أن أؤكد أنه لو وافق المسؤولون على حل هذه الهيئة ووضعوا جميع أعبائها على عاتقي لقمت بها وحدي خير مما يفعل هؤلاء.
إن هذه الهيئات في نظري وسيلة لضياع الوقت وإشباع غرور الحمقى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :523  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 84 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.