شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تعليق على مقال الأديب السيد أمين مدني
كان لكلمة الأديب المحترم الأستاذ السيد أمين مدني معنى قيم في تكييف الشعور السائد بين طبقات الأمة الحجازية من خوف الإقدام على إنشاء شركات المساهمة. وهذا الشعور إنما ساد - على ما نظن - على أثر انهيار شركة السيارات الأهلية على الخطأ الذهني في تفهم معنى الشركة. إذ إن فهم معنى الشركة فهماً تجارياً بحتاً لا يخلو من أن يكون فيه شيء من التحديد قد يخرجه تماماً عن معنى المقصود الأصلي لهذه الكلمة.
فللشركة معنى اجتماعي أسمى يظهر جلياً واضحاً في العمل الاتحادي الذي يقوم به أفراد الأمة التي يؤسس أبناؤها هذه الشركة، وفي قوة الارتباط بين الحكومة والشعب في العطف الذي توليه الحكومة على مشاريع الشركة العامة. ولذلك فإننا لا نجد لشركة من أعظم شركات العالم إلا ويؤلفها عنصر واحد وتحظى من رعاية الحكومة وعنايتها بما لم يحظ به أي عمل فردي مهما قصدت فيه المصلحة العامة ومهما بولغ في إظهارها وتثبيتها فيه.
ثم إن فكرة الشركة نفسها إنما وضعت للأمم الفقيرة التي لا يستطيع أفرادها أن يقوموا بالأعمال الهامة التي تظهر فيها عظمة الأمة ومقدار حضارتها والتي تحتاج رؤوس أموالها إلى الملايين. ومن المعقول جداً أن تقوم أمة مهما ضعفت بطريق المساهمة والاشتراك - بعمل جليل قد يسطره لها التاريخ بمداد ناصع من التقدير والاعتراف. ثم ما الذي يضر بشخص على فرض سقوط الشركة وانهيارها بالمرة - وذلك أمر بعيد - أن تضيع له خمسة من الجنيهات مثلاً في سبيل مشروع وطني كان يقدر له النجاح وهو الشخص الذي يصرف على ملاذه وشهوته أضعاف هذا المبلغ في ظرف السنة؟ ولو قام هذا الرجل وحده بالمشروع وقدر له الفشل - والفشل للفرد أقرب من الفشل للجماعة - فماذا يا ترى يكون اثر الفشل عليه؟! وهل فقدان المال كله يساوي فقدان دريهمات منه؟!
ثم إن الفشل هل يصح أن يكون سبباً لترك السعي والعمل؟ إن الذي قرأناه ونحن أطفال لما نبلغ الحلم بعد هو أن الفشل يجب أن يكون باعثاً قوياً للكر من جديد، وقصة النملة التي يعرفها تلاميذ المدارس التحضيرية لا تزال ماثلة في كل ذهن. على أن الفشل الذي أصاب شركة السيارات الأهلية الأولى هو نفسه السبب الوحيد في نجاحها مرة أخرى، وكل الأعضاء أوجلهم في هذه الشركة الناجحة اليوم هم كل الأعضاء أوجلهم في شركة السيارات المساهمة بالأمس.
وهذا الحذر والتوقي الموجود فينا اليوم والذي هو من أكبر أسباب النجاح هو نتيجة عملية للفشل الذي منينا به في شركة السيارات الأهلية والذي لولاه لكنا أقرب إلى الفشل في أي شركة جديدة من النجاح الذي نقدره لها.
إن الحذر والتوقي يجب أن يكونا أساس العمل والهلع والخوف من الفشل يجب أن يكونا سبباً لدرس وتدقيق أسباب النجاح، أما أن يكونا سبباً لتجنب العمل المشترك فهذا أمر لا نوافق عليه أديبنا المحترم.
((وقيام كل فرد بواجب شركة)) هذا أمر لم نتعقله، إذ إنه لا يطلب في الشركة أن يكون كل فرد من مساهميها عاملاً من عمالها، بل على العكس يجب أن يكون لجميع الأفراد أعمالهم الخاصة ولا يعنيهم من أمر الشركة إلا نجاحها المعنوي والمادي الذي إذا حصل كان لهم منه عظيم المجد وكبير الربح، وإذا لم يحصل لم يؤثر ذلك شيئاً في عملهم الخاص، وتحمل نصف أو ثلث أوسدس الخسارة أضر بكثير من تحمل جزء من مائة ألف أو مليون منها.
إن فكرة الشركة هي السبيل الوحيد للتدرج في سبيل التقدم والرقي، ولا شك أن ((الطفرة محال)) ولأن الطفرة محال يجب أن لا يزعجنا الفشل وأن لا يكون سبباً لوضع فكرة ((الشركة الزراعية - على الرف)) تلك الفكرة التي قامت حولها هذه الضجة ووجدت من التعضيد والإقبال من عموم طبقات الشعب ما يعزي على التضحية والعمل.
أما أن نفهم أن إنشاء شركة زراعية معناه ((مشاركة الفلاح في مزارعه)) وإضعاف مورد عمله، فذلك فهم يغاير تماماً غرض إنشاء الشركة الزراعية الأول.
والعمل الفردي سواء كان المشتركون فيه خمسة أو عشرة، بعيد كل البعد عن المقصد والغاية التي تؤسس من أجلها الشركات والتي شرحنا بعض نقاطه والعمل الفردي لا تستحق الدعوة إليه هذه الضجة من القراء والكتّاب، بل إن الدعوة لمثل هذا العمل هي المصلحة الخاصة التي يرجوها القائمون بذلك للعمل والتي تتمثل في جميع المحال التجارية العمومية.
إن في الشركة معنى ساميًاٍ يجب أن نتفهمه وأن نسعى متضافرين في تكوينه شعوراً عاماً يزيده الفشل قوة ومناعة ويزيدنا الفشل حذراً وتوقياً من حصوله وإغراء للقيام بالعمل من جديد، وهل المجد إلا في السعي المتواصل الحثيث؟.
إن فشل الشركة - على فرض وقوعه - فيه شيء للوطنية المخلصة وإيقاظ للشعور العام ودرس عملي للقائمين بها وفي نجاحها - وهو المتوقع - صورة رائعة للاتحاد ومثل أعلى لسمو الفكرة الوطنية في الأفراد، والله الموفق وهو من وراء القصد.
يلذ لي أن يكون حديثنا هذه الأيام في صحفنا الغراء حول مواضيعنا الاجتماعية والاقتصادية التي هي أهم ما يجب أن نعنى به كتّاباً وقراءً. والحديث في هذه النواحي من شأنه أن يوجه الرأي العام إلى واجبه الاجتماعي نحو أمته وبلاده وأن يوري في نفوس المسئولين من رجال الأموال والأعمال جذوة الأمل الخابي فيتسابقوا إلى توجيه الرغبة وتحقيق الأمل - ولكن - رغم كل ذلك - ما كنت أفضل أن يكون هذا الحديث في صورة نقاش مع صديق أحب أن يبقى ((بيت الود)) بيني وبينه ((عامراً))، لأن التجارب - والتجربة عند الصديق العزيز أكبر برهان - قد أكدت لي أن النقاش على الصحف بين كتابنا إنما ينتهي بانتهاء مثل هذه الصداقة أو بزعزعة مركزها على الأقل. غير أني أؤمل - وموضع الأمل كبير - في سماحة نفس الصديق أن يكون أثر نقاشنا أبعد مدى وأوسع خطوات فنقف معاً على الحقيقة التي يقولون إنها بنت البحث ثم نتصافح ونقدمها إلى الأمة ثمرة ناضجة عنواناً للوفاء والإخلاص ويكون لي في ذلك دليل آخر على الصديق المحترم في أن التجربة في دورها الثاني ـ متى تغيرت أوضاعها ولوحظت مواضع الضعف والخلل فيها تنجح أيما نجاح وتثمر أيما ثمرة.
ونوقن أن البحث سيكون - إلا في بعض نقاطه - مكرراً لما سبق أن جرى الحديث فيه، لأن الأستاذ في كلمته هذه يصر على تكرار صدى كلمته السابقة في الموضوع والتكرار - كما يقول الأستاذ الأنصاري - فيه تدعيم للفكرة وتقرير لها في الأذهان. ونحن نؤمن كما يؤمن الأستاذ (أن النتائج التي أسفرت عنها شركاتنا الخ).
لكننا نكرر أيضاً أن تلك الدروس لم تذهب سدى، وإننا قد استفدنا منها فوائد اجتماعية وأخلاقية وإدارية كثيرة.
ونجيب عن الأسئلة الكثيرة التي أوردها الأستاذ بلفظة ((نعم)) و ((نعم)) بالخط العريض للكثير منها.
وما دام الأستاذ يريدنا أن ندع الخيال ونتمشى مع الحقيقة الواقعة، فلنمسك القلم والدواة - فما نريد أن نكتب بقلم الخبير - ونضع الصفحة أمامنا ونتحاسب بالأرقام! وليكن عنوان الصفحة هذا السؤال.
س: ما هي الشركات والمشاريع العامة التي قمنا بها؟ فأوجب علينا نتيجة أمرها أن نتجنب سبيلها والتفكير في نهج جديد مأمون!.
جـ: الشركة العربية للسيارات والشركة العربية السعودية للسيارات فقط وكان نتيجة هذا الفشل نجاحنا في شركة السيارات الأهلية وشركة التوفير والاقتصاد والشركة العربية للطبع والنشر وخصصنا من ربح هذه الشركات قسطاً للمشاريع الخيرية.
إن الأستاذ يعلل حبوط مساعينا بعدم صلاحنا الشخصي لذلك، وهذا ينتج السؤال الثاني في صفحة الحساب.
س: هل الأنانية وبقية العلل الأخرى التي ذكرها الأستاذ تتمثل فينا حال قيامنا بالشركات العمومية وتسلب منا حال قيامنا بالشركات الخصوصية؟! ثم ما هي الشركات الخصوصية؟ هل معناها غير تساهم عدد معقول من الناس للقيام بمشروع عام؟.
جـ: إننا لم نتعصب لرأي ولم نتحدث مفصلاً عن موضوع الشركة الزراعية التي نود تأسيسها، ولكننا مقتنعون أن الفشل ((لا يسمع)) ولكنه يتحقق بعد الوقوع وأسباب الفشل التي ذكرها الأستاذ في الشركات العمومية واضحة جلية في ما يدعو إليها من الشركات الخصوصية، وقد تحقق هذا الفشل فيما قام به بعض الإخوان مشتركين في زراعة الحب في العام الماضي.
ليت وهل تنفع شيئاً ليت؟! ليت الأستاذ يقتنع بأننا صالحون للقيام بالشركات العمومية فنرى كيف يفجر لنا الأستاذ الأنهار ويجري لنا العيون ويزرع لنا يمننا وحجازنا ونجدنا وإحساءنا بمليون واحد من الجنيهات ونعرف قيمة هذا التقدير العملي غير الخيالي الذي يقدره الأستاذ ((فنربح المثل فنضرب بين هاتيك الأقطار المترامية الأطراف فيتضاعف الربح فنبني لنا أسطولاً تجارياً نُصدِّر عليه الكميات الهائلة التي تزيد عن حاجتنا))!!
نحن لا نعارض في أن تقوم شركات متعددة تخصص كل واحدة منها بناحية من نواحي العمل المنتج فهذا ما نريده وما ندعو إليه للقيام ((جماعة)) للعمل المتضافر بالمساهمة معناه في فهمنا ((الشركة)).
أما أن يحدد الأستاذ عمل الشركة الزراعية التي ندعو إليها بقوله ونحن لا نريد بالشركة الزراعية أن نشارك الفلاح بل نريد أن نساعده بعموم أنواع المساعدة ونريد أن نراقبه وندله على الطرق الصحيحة المنتجة على قدر الإمكان ونريد أن نساعده في كل ما يعجز عنه.
ونكرر للأستاذ تعليقاً على هذه الفقرة ((فالجهود التي تبذل لدرء خسارة لا تؤثر وللحصول على ربح بهيج ليست هي الجهود التي تبذل لفائدة لا تذكر ولخسارة لا تهم)). إنه ليس مطلوباً من عموم الشركاء أن يكونوا عمالاً في الشركة، إنما ببذل الجهود في أعمال الشركة أولئك الإخصائيون الذين تستخدمهم الشركة والذين يكتسبون مادة حياتهم من هذا الاستخدام.
والشركة هي التي تستطيع أن تشغل أكبر عدد ممكن من الأيادي العاطلة والشركة هي التي تجعل الدريهمات القليلة كثيرة وصالحة للاستعمال. والعمل السريع لا يتنافى مع الشركات العمومية ويمشي مع الشركات الخصوصية - على حد تعبيرك - بل هو عائد لذكاء القائمين به وكفاءتهم في إحكام خططه وتسيير دفته.
أما تشغيل عموم الشركاء الشاغرين فإنه ينافي المبدأ الذي قرره الأستاذ في صدر مقاله من ضرورة عدم مشاركة الفلاح ومزاحمته.
معقول جداً ((إن المشاريع ودراستها شيء والنقد الأدبي ودراسة الأدب شيء آخر، فهذا مجرد قول وذوق وخيال وذلك خبرة وتجارب وحقائق. فعلى الناقد الاجتماعي أن يتغلغل في صميم البيئة ويسبر غورها)) فإذا فات ذلك فيما مضى يجب أن لا يفوت في المستقبل.
نعود فنقول إن أغراض الشركة التي نرجو أن تؤسس لم توضع على بساط البحث وهي قمينة إذا صح عزم التأسيس أن تدرس دراسة وافية وأن نحدد أغراضها ومراميها. أما ((مؤازرة الفلاح ومساعدته وتمهيد السبيل له ليزرع)) فأمر جوهري في الموضوع.
نحن حتى الآن لم نبد رأينا في خصوص الشركة حتى نتعصب له، ولكننا عرضنا الحوادث عرضاً وأخذنا صورها من الحياة الواقعية. أما قصة النملة التي أقررها لتلاميذي الصغار الذين أصبحوا الآن زملاء محترمين - أعني لي - فإن مغزاها هو المعنى الذي سقناه له في سياق حديثنا السابق - وهو أن الفشل يجب أن لا يكون سبباً لليأس، وكثير من علماء الاجتماع يقرر أن الأمم إنما أخذت الكثير من نظمها من نظم هذه الحشرات، والله سبحانه وتعالى قد ضرب للعالم أجمع لا لأمة واحدة - مثلاً بالبعوضة.
والاستدلال في الموضوع بما ورد (لا يلدغ المؤمن الخ) فيه تسامح لا يخفى على الأستاذ، إذ إن هذا إنما يقال للرجل يعمل العمل الذي أوذي فيه مرة أخرى مع وجود الملابسات والأسباب نفسها في العمل الأول ونحن ندعو إلى تغيير الأسباب وتسديدها في التجربة الثانية.
وبعد، فهل استطعنا أن نقنع الأستاذ وأن نشرح الموضوع بطريقة سهلة واضحة أم لا يزال للبحث بقية؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :616  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.