غاصَ في الشَّجْوِ والشُّجـون فُـؤادي |
كَيْفَ أبكيـكَ يـا شَهيـد الجهـادِ؟ |
مرَّ حَوْلٌ وأنْت عنَّا بَعيدٌ |
أفَنَبْقَى على المَدى في حِدادِ؟ |
كلَّما غابَ عَنْ عُيوني حَبيبٌ |
بِتُّ أرْجو إيابَه بعِنادِ |
كَيْفَ أجْلُوا أوْهـامَ نَفْسـيَ عَـنْ - |
نَفْسي، وأمْحو ضَلالتي برَشادي؟ |
عَبَثاً أطْلُبُ المُحالَ، وأجْري |
في مَتاهاتِ شكّي المُتَمادي |
لَيسَ بَعْدَ الرَدَى مَعادٌ، وإلاّ |
كُنْتَ أوْلى أحبابِنا بمَعادِ |
كُنْتَ نُوراً لِمَنْ أضاع هُداه |
وعتاداً لباحِثٍ عَنْ عَتادِ |
كُنْتَ بَـيْنَ السمـاء والأرض جِسْـراً |
يَلْتَقي رائحٌ عليه وَغادي |
كُنْتَ كالوَرْدَة الزَّكِيةِ، لولا |
ما على الـوَرْدِ مِـنْ نُيـوبٍ حِـدادِ |
كُنْتَ بالنازحين بَرًّا، وكانوا |
في حمَى فارسٍ كثير الأيادي
(1)
|
كلَّما عادَ للدِّيار غَريبٌ |
كُنْتَ في رَكْبِه النَّشيد الحادي |
أوَّلُ المُحْتَفين بالقادم "الغالي" - |
وإنْ كان سِعْره في كَسادِ |
قَدْ يكونُ الزئيرُ أهْيَبَ، لكنْ |
تَطْرَبُ النَّفْسُ للهَزارِ الشَّادي |
بالمروءاتِ قَدْ بَلَغْتَ الدَّراري |
ومَلَكْتَ العُقولَ دونَ قِيادِ |
ما لنا طامِعٌ برِقّة "شوقي" |
في رثائيكَ… أو بِسحْر نِهادِ
(2)
|
فَقَدتْ حِمْـصُ فيـك رَوْضـاً شَذِيّـاً |
لَم يَكُنْ فيه مَوْضعٌ لقَتادِ |
لا الثَّناءُ الجميلُ تَسْعى إليه |
سَعْيَ راجٍ، وَلمْ تَضِقْ بانْتِقادِ |
كنْتَ أحْـنَى علـى الضَّعيـف مِـنَ |
النُّعْمى، وأحْلَى مِنَ الشُّعـاعِ الهـادي |
كاخْضِرارِ الرَّبيعِ بسْمَتُـك السَّمْحـاءُ |
كانَتْ… وكاقترابِ الحَصَادِ |
جُرْتَ، لكـنْ علـى فـؤادك حـتَّى |
ذادَ عَنْ مُقْلَتَيْكَ طَيْفَ الرُّقادِ |
لَمْ يَكُ المالُ في يَدَيْكَ لَبَذخٍ |
بَلْ لِبَذلٍ على قضايا البِلادِ |
أنا لـولا افتقـارُ جاريَ لَمْ يَـزْدَدْ - |
ثَرائي… ولا اغْتَنَى أولادي |
إن تَمادَى عَلَيْكَ جانٍ وعادٍ |
كِدْتَ بالحِلْم شرَّ جانٍ وعادَ |
لا يَردُّ الكريمُ شَتْماً بشَتْمٍ |
أوْ يَسوسُ الحقودَ بالأحْقادِ |
أمْرعَ الحُبُّ في ضميرِكَ، حتَّى |
فاضَ مِنْه على رُبَىً وَوِهادِ |
لَمْ تَجِـدْ حِمْصُ مِثْـلَ قَلْبِـك قَلْبـاً |
ووِداداً يَفوقُ كلَّّّّّّّّّّ وِدادِ |
أنْ أُوَفِّيْكَ بَعْضَ مالَكَ عندي |
مِنْ أياديكَ ذاكَ كُلُّ مُرادي |
فتَجاوَزْ إلى شُعوريَ شِعْري |
رُبَّ خافٍ شأى بَلاغةَ بادي |
إنَّ شعري مرآةُ نَفسي، ففيه |
ما بنَفْسي مِنْ صالحٍ وفَسادِ |
لَمْ أموّهْ رَذائلي بَبياضٍ |
أوْ أشوّهْ فَضائلي بسَوادِ |
لا تَظُنّوا أنَّ الحَضارةَ قَصْرٌ |
وعَبيدٌ، وضَجّةٌ، ونَوادي |
إنَّها أنْ نَقَرّ بالاً، ونَرضَى |
بكفافٍ مِنَ اللِّباس، وزادِ |
ربَّ كوخٍ حَـوَى السَّعـادةَ ألوانـاً- |
وقَصْرٍ لراحَةِ البالِ صادِي |
فاجْتَهِدْ أن تَعيش دَهْراً طويلاً |
في مآتي الأوْلاد والأحْفادِ |
* * * |
يا أخاً لَمْ تَلِدْهُ أمي، ولكِنْ |
حَلَّ واحْتَلَّ مُقْلتي وفؤادي |
عَطَشي بَلَّهُ، وأشْبَعَ جُوعي |
وبَياني رَعاه بَعْدَ كساد
(3)
|
نِلْتُ مِنْ برّهِ الكثيرَ، ولكنْ |
دونَ منٍّ – شَأْنَ الكَريمِ الجَوَادِ |
وإذا سامَكَ العَطَاءَ شَكوراً |
كان بُخْلاً في مِنّةٍ في اعتدادِ |
خانَني الشِّعْر في رثائِك، فاعْذُرْ |
تلكَ في العُمْـر كَبْـوةٌ مِـنْ جَـوادِ |
أطْفأتْ نـاري الدُّمـوعُ… فخُذْهـا |
يا أخـا الـروحِ حَفْنـةً مِـنْ رَمـادِ |