لا الشمسُ هاويةٌ ولا الهَرَمُ |
الثاكِلان الحَرْفُ والقَلمُ |
سكتَ الهَزارُ، فكلُّ مصطَفِقٍ |
في الروضِ يَخْنقُ صوتَه الألمُ |
وخَبا الشعاعُ فكلُّنا وَجِفٌ |
وذوَى الرَّبيعُ فكلّنا وَجِمُ |
قالوا قَضَى مِنْ عُمْره وَطَراً |
فأجبْتُهم لا يَهْرمُ النَّغَمُ |
لبكيتُ لو أحيا البكاءُ رَجاً |
لا لنْ يردّك مَدْمَعٌ سَجِمُ |
ما أبخلَ الدنيا لآملها |
خابَ الذي بالوَهْم يَعتصمُ |
تُعطي وتَندمُ دونما حَرَجٍ |
ما ضرَّ لو لم يَثْنِها ندَمُ |
ما أنْ ترفَّ نَدَىً وعافِيةً |
حتى يؤجّ بشدقها الضَّرمُ |
حسناتُها غَيْمٌ ولا مَطَرٌ |
وشرورُها في لُطْفِهَا حِمَمُ |
صَبَّ على الشعراء نِقْمَتَها |
فالأرضُ مُسْبِعةٌ وهُمْ غَنَمُ |
يَزْهو عليهم بالريال عَمٍ |
ويَسوطهم بغروره قَزَمُ |
يُعطون ممَّا في قُلوبهم |
أينَ الذي يُعطي ويبتسمُ؟ |
يُعطون ثم يُعَقّ فَضَلُهم |
يا ليتَهُم يا لَيتَهُم عَقِموا |
خُدِعوا بأوهامِ الخلودِ، فهلْ |
يَروي السرابُ ويُحمَدُ الوَرَم |
خَلَقوا عوالمَ من خيالِهم |
زَهْرَاءَ بالأضواء تتَّسمُ |
الحبُّ في ملكوتِها مَلَكٌ |
والحُسْنُ في محرابِها صَنَمُ |
لاَ مكْر لا بَغْضاء لا حَسدٌ |
في رَحْبها لا نَهْبَ لا نَهَمُ |
لا عبدُ يَخْشى سوطَ سيِّده |
لا سيِّدٌ في العَبْد يَحْتكمُ |
الأرضُ دارٌ في شريعتِهِمْ |
والناسُ أهلُ الدارِ وانقسموا! |
* * * |
يا شاعرَ الأحلام هل رَقَصَتْ |
إلاَّ على نَغَماتِك الأكَمُ |
دُنْيا العروبةِ كَنتَ بُلْبُلَها |
تشدو فتضحكُ مُقْلةً وفَمُ |
غنَّيتَها مِ الشعر أعذَبه |
لا يستوي الحشرورُ والرَّخَمْ |
نجواكَ في السَّراء قافيةٌ |
تَنْدَى، وفي الضَّرَّاء تَضْطرمُ |
وزَّعتَ قلبَك في مناكِبها |
وكذا يكونُ الشاعرُ العَلَمُ |
العبقريةُ لا حدودَ لها |
فلْيَخَجلِ النُّعّاب ولْيجِموا |
هل يُحصَر الشلاّلُ في قَدَحٍ |
هل تكتفي بالحَقْلَةِ الدِّيَمُ؟ |
جَمَعتْ ديارَ العُرْبِ عاطفةٌ |
وَحَدا بها في سَعْيها حُلُمُ |
مَنْ كانَ يَزْعمُ أنها اختلفتْ |
هَدَفاً فقد زلَّتْ به القَدَمُ |
الفرقُ في الأشكال مُنحصرٌ |
كالجود من أسمائِه الكَرمُ |
آياتُ شعرِك لا نفَادَ لها |
وخَنَافسُ الرَّمْزية انصرموا |
فرضوا على الأغرار بدْعَتَهم |
ثم انطَوَتْ وتقلَّص الوَصَمُ |
أقسمتُ لم أسمعْ سفاسِفَهم |
إلاَّ حلا في أُذْنِي الصَّمَمُ |
ساء الجديدُ وخابَ قائِلُهُ |
لا العربُ تفْهمه ولا العَجَمُ |
قولوا لهم رِفقاً بأدمعِنا |
لم يَبْق ثأرٌ بيننا ودَمُ |
اللهُ يرحمُنَا ويرحمهمْ |
لا نحنُ أذْنَبنا ولا نَظَموا |
* * * |
لبنانُ يا راحَ النزيل ويا |
بُرْجاً بناه المَجْد والشَمَمُ |
يأوي إليك الخائفون فلا |
خَوْفٌ يُؤرِّقهم ولا ظُلَمُ |
الكائدوك مَسَحْتَ دَمْعَهُمُ |
والراجموك ضَمَدْتَ جُرْحَهمُ |
نُكبوا فلم تَشْمَتْ بنكبتِهم |
وفتحتَ صَدْرَك واسعاً لهمُ |
ليس الذي في قلبهِ ألَقٌ |
مثلَ الذِي في قلبِه غممُ |
لا تأخذَنَّ بجُرْمهم أحداً |
هُمْ – لو علمتَ – الخَصْمُ والحكمُ. |
ظلموا شعوبَهمُ فلا عَجَبٌ |
أن يظلموا الدنيا ويتَّهموا |
لبنانُ جرحُك في جوانِحنا |
لا يكذبُ التاريخُ والرَّحمُ |
في الشامِ في بغدادَ في يَمَنٍ |
الضادُّ وَلْهَى والشَّذَا وَجِمُ |
مليونُ رابطةٍ تقرِّبُنا |
إن باعَدَتْ ما بيننا التُّخَمُ |
* * * |
يا شاعرَ الفُصْحى بنيتَ لها |
صَرْحاً تقاصَرُ دونَه الهمَمُ |
الشمسُ تاجٌ فوقَ مَفْرِقه |
والبدْرُ في شُرُفاتِه عَلَمُ |
هَتَفَتْ بشِعْرك كلُّ صادحةٍ |
واختالَ في تجويده البُكُمُ |
قُلْ للنُّعاة بكيتُمُ شَطَطاً |
قَبْرُ العظيم لقومِه حَرَمُ |
أبقَى بناتِ الفِكْر قافيةٌ |
وأعزُّ أولادِ النَّدَى قَلَمُ |