شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صوتان أعشقهما
ـ صوتان عشقهما صاحب الأذن السماعة، صوت محمد رفعت وصوت فيروز، ولا أريد أن أتكلم عن قيمة الطرب والغناء والموسيقى وإنما هي ملاحظة عرضت فأحببت أن أستعرض السبب القوي الذي أخال الأذن، وهي تسمع الكثير والكثير والقوي والمعجب أن تدخر نفسها محصورة على ألا يكون الصوت الرصين تسمعه إلا صوت محمد رفعت، إلا صوت فيروز.. مع أن أم كلثوم قد بلغت الذروة، كأنما كل أذن عربية قد فتنت بسماعها (تتغنى كأنها لا تغني) كما هو وصف ابن الرومي لوحيد، و هو قول ابن الرومي أيضاً في وحيد.
مد في شاو صوتها نفس كان
كأنفاس صوت عاشقيها مديد
كل هذا يدعو إلى أن أسأل عن السر المستكين والظاهر في صوت محمد رفعت وصوت فيروز، إن السر هو في قوة الضعف صوتان ضعيفان، إذا ما تكلما كانا يهمسان، وإذا ما قرأ رفعت أو غنت فيروز استمال الضعف إلى قوة أخاذة من الانفعال بالإِنصات، صوت أم كلثوم قوة تبرز به القوة، أما صوت هذين، رفعت وفيروز فضعف تبرز منه قوة الاستقبال بالسماع، لا قوة النداء منهما ((تعال اسمعني لأنك مرغم بقوة ما أغني أن تسمعني)) لم يقولا ذلك نداء وإنما فعلاه استجابة دونما نداء.
في صبيحة ذات يوم، قبل أكثر من عشرين عاماً كان يبيت عندي وفي بيتي في مكة وفي ليالي الصيف وليس في البيت إلا أنا وهو ننام تحت السماء على الدكة، والخادم اعتاد أن يفتح الراديو يتحين قراءة رفعت، فلما قرأ الشيخ قال حمزة شحاته، ماذا تريد من هذا الصوت الضعيف؟ قلت: سيخدعك بقوة الضعف حين تنصت. وأنصت يتظاهر بأنه مرغم، كأنما أمليت عليه ذلك، فهو صاحب أذن موسيقية، يجيد الضرب على العود، ويعرف السلم بكل الأنغام، رأيته قد أطرق، قال: لقد سخرتني وسخرت مني، هل هناك صوت يسمع أجمل وأعظم من صوت رفعت؟ دعوتني إلى أن أطرب بالخشوع والخضوع، ولو كان العود في يدي لاستجليت ما استكهنت، فحسبي الله عليك.
قلت: أليس في هذا الوصف أطلقه على رفعت أن قوة السحر في صوته هي في أنه لا يصرخ وإنما يهدهد الوجدان بصوته الناعم الرخيم.
وعرفنا بعد ذلك فيروز، فإذا هي على نسق واحد مع محمد رفعت، لا تصرخ لا تدعو أحداً يسمعها، وإنما كل من رن صوتها في أذنه قد استجاب لأن يسمعها.
إن رفعت قد مات يرحمه الله، وينبغي أن أترحم على الذين اختلسوا منه أن يسجلوا صوته في هذه الآيات التي يقرؤها.
وأما فيروز فهي تعيش رغم أن لبنان قد مات. ليس في وجدانها ولكن من فعل العشاق. فهل تعيش فيروز لتعود لها الحياة جديدة في حياة لبنان الجديدة؟ أليس من الجور أن تخاف فيروز في لبنان وهي العندليب الذي أعطى لبنان الصورة الجمالية كأنما هي أعطته جمال الجمال الذي هو فيه:
فهل أقول قول ابن الرومي في وحيد:
يا خليلي تيمتني وحيد
ففؤادي بها معنى عميد
 
طباعة

تعليق

 القراءات :789  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 556 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.