عن حياته العلمية وبداية مشواره العلمي سبق الحديث عنها بما لا يدع مجالاً للشك بأنها حياة علمية قوية تأسست على حبّ العلم والعلماء على يد والده العالم وعلى يد الشيوخ في الحرم المكي الشريف وفي مدرسة الفلاح المكية الرائدة.
لكن الأديب الأريب الأستاذ محمد سعيد خوجه شق طريقه إلى الريادة في العلم والصحافة والأدب والنقد بخطى حثيثة قوية وفي زمن قياسي سريع كان فيه قد أحرز قصب السبق في الريادة، فاق ابن العشرين: طرفة الذي خلف لنا ديواناً صغيراً مؤثراً، لكن ابن عبد المقصود قد بلغ القمة في التربع على عرش الأدب والصحافة بما قلّ عن العشرين بعد ولادته وتلقيه العلم والأدب. فقبل أن يتم العقد الرابع من عمره الطيب آتى ثمار مشواره رحمه الله يؤرخ عنه أستاذ الأدب والنقد الكبير صاحب ((التيارات الأدبية الحديثة)) الأستاذ عبد الله عبد الجبار في مجال التاريخ للصحافة ((ولأم القرى)) بخاصة فيقول: ((وفي 15 جمادى الأولى عام 1343هـ -أي في أوائل عهد الإمام عبد العزيز آل سعود- ظهرت الجريدة الرسمية للحكومة الجديدة باسم ((أم القرى)) وتعاقب على تحريرها يوسف ياسين ورشدي ملحس والمرحوم محمد سعيد عبد المقصود الأديب الحجازي المعروف، ثم عبد القدوس الأنصاري وعبد السلام عمر وأخيراً الشيخ محمد الطيب الساسي(1) ..)).
ويعترف المؤرخ للأدب والنقد في الجزيرة العربية الناقد الكبير عبد الله عبد الجبار أن الصحافة التي بُذرت بذرتُها في ((أم القرى)) قد أفاد منها الأدب والفكر.. فعلى صفحات ((أم القرى)) نوقشت الآراء الجريئة.. وعلى صفحاتها أيضاً استفاضت مقالات محمد سعيد عبد المقصود في نقد الحياة والمجتمع والأدب والتي كان يذيعها بتوقيع ((الغربال))، وإن نَمت هذه التسمية على شيء فإنها تنم على تأثره إلى حدٍّ ما ((بميخائيل نعيمة(2) ..)) وإن كنت أختلف مع شيخ النقاد هذا في تأثر المحتفى به الأستاذ محمد سعيد بميخائيل نعيمة وقد خبرتُ ذلك عن كثب في بحثي للتخرّج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب.. فشتان ما بين مشرق ومغرب، وشتان ما بين أبي عبد المقصود وميخائيل في مسمى ((الغربال))، ولعل ما يؤيدني في رأيي هذا ما سطره الأخ عبد الرحيم أبو بكر إبراهيم بعدي في رسالة للماجستير من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1393هـ/1973م بعنوان: الشعر الحديث في الحجاز (1916-1948م) حين تحدث عن العوامل والعناصر التي ساعدت على ظهور التيار الابتداعي الجديد في شعر الحجاز المعاصر ومنها الاستعداد الذاتي وأثر الثقافة الوافدة وقد استشهد الأستاذ عبد الرحيم أبو بكر رحمه الله ببعض من كتب عن الأدب الحديث في الحجاز من أهل الحجاز أنفسهم ومنهم الأستاذ أحمد العربي والأستاذ محمد سعيد عبد المقصود الذي فصّل الرأي بقوله: ((وبالرغم من تأثر أكثر الشباب بالثقافة المهجرية فإن تلك الثقافة لم تنتج نتاجاً طيباً إلاّ لدى قسم ضئيل جداً كان استعداده الشخصي قوياً، ولما لم تجد بعض النفوس في الثقافة المهجرية الغاية التي تقصدها بدأت تفتش عن ثقافة أكثر ملاءمة لحياتها فحولت وجهتها إلى الثقافة المصرية))(3) .
وإن رأيي هذا في تأثير المدرسة المهجرية وخصوصاً مدرسة ((الغربال)) لميخائيل نعيمة وضحته في بحث أكاديمي في المقارنة بين ((مدرسة الديوان ومدرسة الغربال)) عام 1382هـ. وإن كنت أعيب على صاحب: الشعر الحديث في الحجاز أنه أهمل رحمه الله مدرسة محمد سعيد خوجه وأخرجها من ((بواكير الروّاد))(4) وأحل محلها ((أدب الحجاز)) واعتبرها أول مجموع أدبي أخذ طريقه إلى النشر وصاحبها الشيخ الشاعر محمد سرور الصبان رحمه الله، فإن مدرسة ((وحي الصحراء)) لمحمد سعيد عبد المقصود وعبد الله بلخير رحمهما الله كانت بحق أجود أول بواكير الروّاد. وقد شهد بذلك الناقد ومؤرخ الأدب الدكتور عبد الله الحامد في كتابه النقدي: ((الشعر الحديث في المملكة العربية السعودية خلال نصف قرن (1345-1395هـ))) يقول ما نصه: ((ثم صدر ((وحي الصحراء)) عام 1355هـ في حوالى 480 صفحة ألّفه محمد سعيد عبد المقصود رحمه الله والشاعر عبد الله بلخير رحمه الله وقد عُني المؤلفان باختيار نماذج من الشعر وأشركا غيرهما في الاختيارات ومختاراتهما أكثر وأجود من مختارات الصبان (أدب الحجاز الذي صدر في عام 1344هـ) وشعراؤهما أكثر فكانوا خمسة عشر شاعراً لم يقتصر المؤلفان على نماذج الشعر ذي النزعة الاجتماعية))(5) .
ولعلّ ما يضم إلى هذه الشهادة من ريادة الشيخ محمد سعيد ما سطره الباحث الأكاديمي أ.د. محمد بن سعد آل حسين في مؤلفه الذي نشرته له ((تهامة)) ضمن الكتاب العربي السعودي عام 1404هـ بعنوان: (محمد سعيد عبد المقصود خوجه حياته وآثاره)(6) ، فلقد قدّم لكتابه هذا بعبارات شهد فيها لأديبنا بأنه أحد الروّاد المجلين السابقين في ميدان الريادة يقول: ((فهذا الكتاب ضمنته ما عثرت عليه من البحوث والمقالات الأدبية والتاريخية والاجتماعية التي دبّجها ببراعة الشيخ محمد سعيد عبد المقصود خوجه أحد الروّاد المجلّين في ميدان الريادة)). ولم يشهد ذلك فحسب، بل تعداه إلى استثنائه من بين كثير من الحجازيين على محاكاة وتقليد البلاد العربية في عصر صاحبنا ((خوجه)) عصر اليقظة لكن محمد سعيد بن عبد المقصود خوجه لم يكن من أولئك الذين أقبلوا على الاحتذاء والتقليد، وإنما كانت له شخصيته المستقلة وتشهد بذلك مقالاته التي نقدمها وهي مقالات تصور لك ابن الحجاز كما هو حجازي عربي مسلم، فكره حجازي ولغته عربية أصيلة وموضوع أدبه قضايا مجتمعه، وطريقة تفكيره ما يملي عليه مجتمعه ووطنه وما يحيط به في تلك الأيام من ظروف وأحوال))(7) .