شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أبو دُجَانَة
أبو دجانة واسمه سِماك بن خرشة الخزرجي الأنصاري. أسلم في السابقين من الأنصار، وآخى رسول الله بينه وبين بطل عظيم، أحد الذين عمروا الطرق، وخططوا المدن (عتبة بن غزوان).
ولا نعيد ما قلناه من قبل أن المشابهة بين الأخوين في هذا الدين، كثيراً ما تكون صادقة في أكثر الوجوه. الشجاعة. الصبر. الإيمان وما إلى ذلك.
شهد أبو دجانة ((بدراً)) وكانت عليه يوم ((بدر)) عصابة حمراء. وقد كان أبو دجانة يعلم في الزحوف بالعصابة الحمراء. وشهد أبو دجانة ((أُحداً)) وثبت مع الرسول صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت. ولا يتضح جلال الموقف وثبات الرجال لأبي دجانة إلا لمن يعرف ما وقع في ((أُحد)) من خذلان وما انتهت إليه من نجاة لأنهم نصروا الله ودافعوا عن رسول الله.
ولا أدري كيف يتم إيمان مسلم لا يحب هؤلاء الذين أوصلوا النور إلينا. أنخذل المنافقون عن النبي بثلث الناس. واستزل الشيطان فئة مؤمنة فهربت من القتال. ثم تاب الله عليها وثبتت فئة في طليعتها أبو بكر وعمر وعلي وطلحة وسعد، وأبو عبيدة وأبو دجانة ومن إلى هؤلاء.
المعركة حاسمة وصلت إلى مشارف الهزيمة لولا أن تداركها الله برحمته، يأبى إلا أن يتم نوره. فلولا لطف الله بثبات هؤلاء لما بقي للإسلام أثر. ولانتصر عليه الشرك. ولكن الرسول ثبت. والمؤمنون وثبوا. ثبَّتهم الله وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى. وأبو دجانة هذا التيَّاه يوم ((أُحد)) لماذا تاه؟ وبماذا اختال وبأي شيء تبختر؟ ذلك خبر أبي دجانة العريق العريض عاش به. فأكثر المسلمين يعرفون اسمه.
أخذ رسول الله يوم ((أُحد)) سيفاً فقال: من يأخذ هذا السيف؟ فبسطوا أيديهم. كلّ إنسان منهم يقول: أنا. أنا. فقال الرسول: من يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم. فقام سماك بن خرشة أبو دُجانة فقال: أنا آخذه بحقه. فأخذه ففلق به هام المشركين. وأخذ أبو دجانة السيف على أن يعطيه حقه. وكان أول العطاء أنه ارتجز يقول:
أنا الذي عاهدني خليلي
بالشعب بالسفح لدى النخيل
ألاّ أكون آخر الأفول
أضرب بسيف اللَّه والرسول
وأخذ أبو دجانة السيف، وارتجز وتبختر. فقال رسول الله: إنها مشية يكرهها الله إلا في هذا الموقف. وتحدث ميمون بن مهران قال: لما انصرفوا يوم ((أُحد)) قال علي لفاطمة: خذي السيف غير ذميم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت أحسنت القتال فقد أحسنه الحارث بن الصُمة وأبو دجانة. لم يرد رسول الله أن يبخس أبا الحسن ما بذل يوم ((أُحد)) فهو بحق يومها كان قاتل الأبطال.
كل حملة الراية جندلهم أبو الحسن. وإنما أراد أن يثني على أبي دجانة وابن الصمة. وتحدث زيد بن أسلم قال: دخلوا على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنين. أما أحدهما فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً.
أما والله أن هذا هو الإسلام في جوهره. كأنما لخصه أبو دجانة في كلمة واحدة. بإشراقة وجه في عميق إيمان.
ضُرب أبو دجانة يوم ((أُحد)) فلم يمت. ومرض فلم يذهب. ولكنه قُتل يوم اليمامة شهيداً سنة اثنتي عشرة. وقد شهد اليمامة وهو في الذين باشروا قتل مُسيْلمة الكذاب.
صلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ورضي عنهم أجمعين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :649  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 203 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.