شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَبْدُ اللَّه بن جُبّيْر
عبد الله بن جبير بن النعمان، أحد السابقين من الأنصار. فقد شهد العقبة مع السبعين. وثبَّته الله على الإسلام وثبَّت به الإسلام في يوم عسرة. وفي ساعة هزيمة في ((أُحد)).
شهد عبد الله ((بدراً)) و ((أُحداً)). وهما مشهدان لا طول لهما، ولكن لا يبلغ عرضهما شيء. شهد ((أُحداً)) وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمَّره على الرماة وكانوا خمسين رجلاً. حدّد لهم المكان يقفون على يسار المعركة يشرفون عليها ويشرفون على المدينة. أوقفهم على عينين كشيئين. وهو جبل الرماة المعروف الآن. على العدوة اليسرى من قناة الوادي الكبير المسمى الآن ((مسيل سيدنا حمزة)). وخير لنا أن نحدد مكان المعركة بأحد من سيرة رجل كان ميزان النصر في يده ويد من معه حينما ثبتوا على الجبل، وأصبح الرجحان للهزيمة حينما عصوا، وطمعوا في الغنيمة فتركوا موقعهم.
ميدان المعركة.. لقد وقعت المعركة.. في قناة في سفح ((أُحد)) وراء ظهره، كأنما قد وجه وجهه ((العقيق)) يشاهد الجماهير، ووضع الرماة في ميسرة الميدان على عينين، واتخذت قريش مواقعها في أسفل قناة. في مكان واسع المطرد.. العيون على يسارهم وقناة وسلع وبطحان على يمينهم. المسلمون اتجهوا ناحية الجنوب الغربي من المدينة، والمشركون على العكس نحو الشمال الشرقي. ولا تزال الأسماء معروفة، ولكن الضلالة من المعرّفين. ((أُحد)). المهراس. الثنايا. جبل الرماة.. كلها حينما تنتظم تحدد موقع المعركة.
أوقف النبي صلى الله عليه وسلم الرماة على عينين وأوعز إليهم بقوله: قوموا على مصافِّكم فاحموا ظهورنا فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تتركونا (أي لا تنزلوا لتشركونا في الغنائم) وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا.. أراد بهذا القائد العظيم محمد عليه الصلاة والسلام أن يثبت حماة الميسرة بالنبل في مكانهم الاستراتيجي، ولكنهم - ولأمر أراده الله - اجتهدوا فخالفوا فكانت الهزيمة. القوة الروحية والقدرة الإلهية والمعجزة المحمدية يمنّ بها الله على عباده في هذا اليوم كلها قادرة على أن تجلب النصر. ولكن الله أراد للحيطة وللتفكير وللمادة من السلاح، والمكان والرجال أن يكون لها عملها فليس للإسلام بعد - وفي فتحه القادم - كل المعجزات وكل القوى الروحية ليستغني عن المادة وعن الاستعداد.
تخلى الرماة عن جبلهم وذلك لما انهزم المشركون، وتبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا وينهبون عسكرهم، ويأخذون الغنائم، قال بعض الرماة لبعض: ما تقيمون ههنا في غير شيء وقد هزم الله العدو فاغنموا مع إخوانكم. وقال بعضهم ألم تعلموا أن رسول الله قال لكم: أحموا ظهورنا فلا تبرحوا مكانكم. فأجابوهم: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا. وقد أضلّ الله العدو وهزمهم. وطال الجدل. وفي طوله الفشل، كل الفشل..
فخطبهم أميرهم عبد الله بن جبير بطلنا اليوم - وقد كان يومئذ معلماً بثياب بيض - فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثم أمر بطاعة الله وطاعة رسوله وألا يخالف لرسول الله أمر، فعصوا وانطلقوا فلم يبق من الرماة مع عبد الله بن جبير إلا نفير ما يبلغون العشرة، فيهم الحارث بن أنس بن رافع.
ونظر خالد بن الوليد وكان كشأنه على الأعنة إلى خلاء الجبل وقلة أهله، فكّر بالخيل، وتبعه عكرمة بن أبي جهل. وقد كان خالد وابن عمه عكرمة مشركين لم يسلما بعد. فانطلقا إلى موضع الرماة فحملا على من بقي منهم فرماهما القوم حتى أصيبا. ورمى عبد الله بن جبير حتى فنيت نباله. ثم طعن برمحه حتى انكسر.. ثم كسر جفن السيف فقاتلهم حتى قتل. فلما وقع البطل عبد الله بن جبير جردوه ومثَّلوا به أقبح التمثيل. وكانت الرماح قد شرعت في بطنه حتى خرقت ما بين سرته إلى خاصرته إلى عانته فكانت حشوته قد خرجت منها - يعني أحشاءه -.
يرحم الله خالد بن الوليد، ورضي الله عنه وعن عكرمة فقد كانا مشركين فعلا بنا يوم ((أُحد)) الأفاعيل. ولكنهما آمنا فقادا جيوش الفتح وقاتلا جيوش الردّة وكان لهما من القدر والرفعة في معاملة النبي لهما شأن كبير، وقد قتل عكرمة شهيداً يوم اليرموك، ومات أبو سليمان مرابطاً في حمص بعد أن فتح لنا الفتح الكبير.. لا أحسب أن قائداً مسلماً قد بلغ ما بلغه خالد بن الوليد.
وفي تصرف النبي معهما وقبول إسلامهما ما يعني احترام المبادئ. لا الانتقام للثارات.. أعتق المبدأ الإسلام فأعتقهما الله من نقمة النار. ونقمة العذاب وإلى جنات الخلد.
العبرة في دين محمد للمبدأ لا للنسب ولا للحسب، ولا لشيء آخر غير هذا الإسلام.
ودعوا خوات بن جبير أخا الشهيد البطل يتحدث عن أخيه. وقال:
((فلما جال المسلمون تلك الجولة مررت به على تلك الحال فلقد ضحكت في موضع ما ضحك فيه أحد، ونعست في موضع ما نعس فيه أحد، وبخلت في موضع ما بخل فيه أحد. فقيل له: ما هي؟ فقال: حملته - يعني حمل أخاه - فأخذ بضبعيه، وأخذ أبو حنة برجليه. وقد سددت جرحه بعمامتي. فبينما نحن نحمله والمشركون ناحية إلى أن سقطت عمامتي من جرحه فخرجت حشوته ففزع صاحبي وجعل يتلفت وراءه يظن أنه العدو. فضحكت. ولقد شرع لي رجل برمح يستقبل به ثغرة نحري فغلبني النوم، وزال الرمح. ولقد رأيتني حينما انتهيت إلى الحفر له ومعي قوس، وغلظ علينا الجبل فهبطنا به إلى الوادي، فحفرت له بسِيَّة القوس وفيها الوتر، فقلت لا أفسد الوتر. فحللته ثم حفرت بسيتها حتى أنعمتا، ثم غيَّبناه وانصرفنا والمشركون بعد ناحية.. وقد تحاجزنا فلم يلبثوا أن ولوا - وكان الذي قتل عبد الله بن جبير عكرمة بن أبي جهل)).
رضي الله عن ابن جبير وعن عكرمة. هما رجلان قتل أحدهما الآخر فدخلا الجنة.
أما النعاس مع خوات فمعجزة الإسلام. الإيمان. معجزة هذا النبي محمد يلقي الله النعاس في ساعة الكرب أمنة منه، لئن لم يصدقه متطرف من كلام خوات بن جبير فهو الصدق كل الصدق في كلام الله؟
وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.. ورضي الله عنهم أجمعين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :652  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 204 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج