| خَالِد بنُ سَعِيد |
| خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. من قريش في العلية، ومن أمية في الذروة. ومن عبد شمس على السنام. وأبوه سعيد بن العاص هو أبو أحيْحه. كان سيداً في قريش في عبد مناف. في عبد شمس في أمية. لو أحصينا نفراً من قريش الذين عُقد لهم لواء السيادة لوجدنا أبا أحيحة منهم، وعبد المطلب بن هاشم وعتبة بن ربيعة، وعبد الله بن جدعان، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل وأبو أحيحة. |
| فلقد كان أبو أحيحة مميزاً في قريش كلها. كان إذا أعتم لا يعتم قرشي قط. لم يأخذ هذا قسراً. وإنما كرّمته قريش امتيازاً لعلو مكانته. تصنع ذلك للأكرمين منها حباً وتقديراً وافتخاراً، وإلغاء لتبعات التكريم على كل عظيم.. كان هذا شأن المجتمع القرشي. كأنما هو نواة للدولة الموحَّدة. والموحِّدة. وكأنما إرهاص لوحدانية الإسلام. ووحدة الأمة. تجد لديها نظماً وتقاليد تتبع أحسنها وتطرح عن فهم أسوأها. ولقد كان. |
| وخالد بن سعيد بطلنا اليوم عجيب أمره. يكاد لا يعرفه المسلمون مع أنه ينبغي أن يكون في قلب كل مسلم حبيباً معروفاً. فهذا البطل قد بلغ المكان السابق في اعتناق الإسلام. حتى لقد قالوا: إنه أسلم مع أبي بكر. قبل أبي بكر. ثالثاً او رابعاً أو خامساً في الإسلام. |
| قالوا إنه الثالث. ولم يقل أحد أنه السادس. فكيف يكون لهذا السيد هذا المكان من السبق ولا يعرفه المسلمون؟ وأنا كاتب هذه السطور ما كنت أعرف ذلك لولا استمرار المطالعة في السير. كل ما كنت أعرفه أنه أحد أصحاب الألوية المسلمة في حرب الردّة. فلماذا جهله المسلمون؟ أحسبه العظيم كل العظمة. والجليل كل الجلال. والمؤمن كل الإيمان. وكل ذلك يلقي عليه الأضواء ليكون الأشهر المعروف. |
| وفي اعتقادي أن هناك أسباباً منها طول هجرته إلى الحبشة. فقد مكث في الحبشة مسلماً مهاجراً إليها أكثر من عشر سنوات. مثل جعفر بن أبي طالب، فقد عاد إلى دار هجرة أخرى، إلى المدينة يوم فتحت خيبر. ومنها - وهو العظيم الكبير قد آلمه أن يرى أبناء عمومته قد حاربوا الإسلام الذي يرى فيه عزّتهم، وهو قد اعتنق الإسلام وآمن به عن اقتناع. أحب أن يرى قومه جميعاً والعبشميين خاصة يدخلون في الإسلام. آلمه ذلك وأزعجه صنيع والده معه. عذّبه. ومنعه، وأذله، فزهد في الحياة لم ير فيها خيراً، وسبب آخر من صنع ابناء عمومته العنابس والأعياص الآخرين. |
| فمعاوية لم يقرب أحداً من أبناء أبي أحيحة. وعبد الملك بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية قد قتل عُمْراً ابن سعيد الأشدق أحد أولاد أبي أحيحة. |
| كانوا المنافسين فأخفتوا شأنهم وشأوهم. وجاء العباسيون فلا بد - وقد صنعوا في بني أمية ما صنعوا - أن يكونوا العاملين على الإغضاء من قدومهم جميعاً. |
| كان إسلام خالد بن سعيد مع أبي بكر الصديق. ويقال: إنه أسلم بعد أبي بكر الصديق. فكان ثالثاً أو رابعاً وقيل كان خامساً. ولقد أكبرت الإمام الحافظ ابن عبد البر حينما ترجم لخالد بن سعيد وجعله طليعة الخالدين. فلم يترجم لأحد قبله كما صنع غيره. وكانت ابنته أم خالد تقول: (كان أبي خامساً في الإسلام) وحينما قالوا له: من تقدّمه؟ قالت: علي بن أبي طالب، وإبن أبي قحافة، وزيد بن حارثة، وسعد بن أبي وقاص. هاجر إلى الحبشة مع امرأته الخزاعية.. وهاجر معه كذلك أخوه عمرو. وأقام بالحبشة بضع عشرة سنة. ثم قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها. وكلَّم رسول الله المسلمين فأسهموا لنا ثم رجعنا مع رسول الله إلى المدينة وأقمنا معه، وشهد أبي مع رسول الله عمرة القضاء، وفتح مكة، وحنيناً والطائف وتبوك. أي أنه لم يتخلف عن رسول الله في سفر أو حضر. |
| وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات اليمن، فتوفي رسول الله وهو في اليمن. وكان خالد أول من كتب (بسم الله الرحمن الرحيم) فهو من كتَّاب الوحي. أستعمله الرسول على صدقات مذحج. وأمَّره على صنعاء اليمن فبقي فيها حتى وفاة رسول الله وهو الذي وهب الصمصامة لعمرو بن معد يكرب الزبيدي. |
| وحين ارتدّت بعض قبائل العرب عن الإسلام كان خالد بن سعيد أحد قادة الألوية المنتصرة. وأتى خالد بن سعيد رسول الله ومعه خاتم فضة مكتوب عليه (محمد رسول الله) فأخذه النبي منه ولبسه. وهو الذي كان في يده. |
| وتحدثوا أن خالداً وأبان وعمراً بني سعيد بن العاص رجعوا عن عمالتهم حين مات رسول الله. كانوا أمراء من قبل النبي فزهدوا أن يبقوا في الإمارة. فلما وصلوا قال أبو بكر: (ما لكم رجعتم عن عمالتكم. ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ارجعوا إلى أعمالكم) فقالوا: نحن بنو أبي أحيحة لا نعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابداً. ثم مضوا إلى الشام. إلى الجهاد جنوداً لا قادة. مؤمنين لا سادة، فقتلوا جميعاً شهداء.. قتل خالد وعمرو في أجنادين تحت قيادة خالد آخر، هو سيف الله أبو سليمان خالد بن الوليد. تركوا أعمالهم للجهاد. فقد كان خالد على اليمن، وأبان على البحرين، وعمرو على تيْماء وخيبر، تركوا الإمرة للجهاد، حتى ليقال: ما فتحت بالشام كورة إلا وجد عندها رجل من بني سعيد ابن العاص ميتاً. وكان أخوهم الرابع سعيد بن سعيد بن العاص قد قُتل شهيداً مع رسول الله بالطائف. وكيف بدأ إسلامه؟ كان بدأ إسلامه أنه رأى في النوم أنه وُقف به على شفير النار. فذكر من سعتها ما الله أعلم به. وكان أبوه يدفعه فيه. ورأى رسول الله صلَّى الله عليه وسم آخذاً بحقويه لا يقع فيه، ففزع. قال: أحلف بالله إنها لرؤيا. ولقي أبا بكر بن قحافة، وذكر ذلك له. فقال أبو بكر: أريد لكم خير. هذا رسول الله فاتبعه فإنك ستتبعه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها. وأبوك واقع فيها. وذهب خالد إلى رسول الله وهو بأجياد. فقال: يا محمد إلى من تدعو؟ قال رسول الله (أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله فتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، ولا يدري مَنْ عبَدَه ممن لم يعبده. وسمع خالد فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله) فسرّ رسول الله لإسلامه. |
| وتغيب خالد عن أبيه، فلما علم بإسلامه أرسل في طلبه من بقي من أولاده الذين لم يُسلموا فوجدوه.. فأتوا به أباه أحيحة فأنَّبه وبكَّته وشتمه. وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه. ثم قال: تبعت محمداً وأنت ترى خلافة قومك وما جاء به من عيب آلهتهم، وعيب من مضى من آبائهم. فقال خالد لأبيه: والله لقد تبعته على ما جاء به. فغضب أبو أحيحة ونال منه وشتمه مرة أخرى. وقال: أذهب يا لكع حيث شئت. والله لأمنعنك القوت.. فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني. فأخرجه وطرده وقال لبنيه: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به، فانصرف خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه ويعيش معه حتى هاجر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية. |
| وتحدثوا أن أبا أحيحة قد مرض فقال: لئن رفعني الله من مرضي هذا لا يعبد إله ابن أبي كبشة أبداً. فقال خالد حين سمع ما قاله أبوه: اللَّهم لا ترفعه. فتوفي أبو أحيحة في مرضه ذلك كافراً مشركاً. وقى الله شرّه بكرامة أكرم الله بها خالداً. وليس ذلك على الله بعزيز. |
| رضي الله عن خالد بن سعيد وعن الصحابة أجمعين. |
|
|
شارع عبد المقصود خوجة
00966-12-6982222 - تحويلة 250
