شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جُلَيبيب
جُليبيب، غير منسوب. واسمه قد جاء من تصغير جُلباب. صاحب رسول الله وأحد المفضلين بالسبق والجهاد، والشهادة، والثناء. كان دميماً. قصيراً. أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكحه ابنة أحد الأنصار. ولم يسم هذا الأنصاري فيما نعرف. ولعلّ غيرنا عنده علم يدلنا عليه.
وخطب إلى الأنصاري ابنته. وكانت فيه دمامة وقصر. فكانَ الأنصاري وامرأته كرها أن يزوجاه لأنهما لا يحبان لابنتهما هذا الدميم القصير. وأحسب أننا لا نخطئ حينما نستنبط من ذلك العيب الذي ذُكر وحُدّد فيه. فلم يعب بما يُطعن في صراحة نسبه. وأحسب أنه في أغلب الظن من الأنصار. أو من قبائل العرب. فالأنصاري الأب كره الدمامة والقصر، ولم يذكر ما يعيب النسب. فهو غير منسوب إلى قبيلة معينة. ولكنه - ولا شك في ذلك - عربي صريح النسب. وسمعت ابنتهما بما أراد رسول الله، وبما فعل أبوها وأمها. فتلت قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً (الأحزاب: 36).
هذا القرآن الكريم قد نزل في زينب بنت جحش. أبت أن تتزوج مولى رسول الله زيد بن حارثة، فعلَّمها الله أن شرعة الإسلام لا تقر ما تعارفوا عليه في الجاهلية. فأطاعت زينب وتزوجها زيد، ثم قضى الله أمراً فطلقها وزوّجها الله بعده لرسوله صلى الله عليه وسلم. وتلت الأنصارية الآية الكريمة تُسمع أبويها أدب القرآن. ثم قالت: رضيت وسلّمت بما يرضي لي رسول الله. وسمع رسول الله ذلك فدعا لها: اللَّهم اصبب عليها الخير صباً ولا تجعل عيشها نكداً.
وتزوجها جُليبيب وعاش معها حتى قُتل. فلم يكن في الأنصار أيَم أنفق منها.
وكيف قتل جليبيب؟ غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغزوات فأفاء الله عليه. وقال لأصحابه: هل تفقدون أحداً؟ قالوا: نعم. فلاناً وفلاناً.. ثم قال: هل تفقدون أحداً؟ قالوا: نعم فلاناً وفلاناً، ثم قال: هل تفقدون أحداً؟ قالوا: لا. فقال رسول الله ولكني أفقد جليبيباً فاطلبوه في المعركة. فطلبوه. ذهبوا يفتشون عنه، فوجدوه إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم قُتل. فقام رسول الله من مكانه يمشي ليرى صاحبه الدميم القصير جليبيبا، أتاه النبي فوقف عليه وقال: (قتل سبعة ثم قُتل؟ هذا مني وأنا منه). يردّد ذلك ثلاث مرات. ثم احتمله النبي صلى الله عليه وسلم على ساعديه، ما له سرير غير ساعدي رسول الله. ثم حفروا له فوضعه الرسول في قبره. لم يغسله، ولم يصلّ عليه، الشهيد لا يغسل، فلماذا لم يصل عليه؟. إنه شهيد ولا شك، ومؤمن ولا ريب، وحبيب إلى رسول الله ولا نكران، فلماذا لم يصلّ عليه؟ أمر أعجزني تعليله، ولعلّي أجد بعد له تعليلاً يشفي الغليل. ومن حديث أنس بن مالك قال: كان رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في وجهه دمامة، فعرض عليه رسول الله التزويج. فقال: إذاً تجدني يا رسول الله كاسداً. فقال لنبي: إنك عند الله لست بكاسد.
هذه السيرة العطرة لواحد من أصحاب رسول الله. قصير دميم فقير. ماذا فيها؟ ليس فيها شيء من البطولة العبقرية النادرة، ولكن فيها كل شيء من الخلق الكريم في النبي العظيم: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4).
ولقد قلنا من قبل أن سيرة أي صحابي سواء كان أبا بكر، أو عمر، أو علياً، أو خالداً، أو جليبيبا هي جزء من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. تأثروا بخلقه واهتدوا بهداه. تأسَّوا بصبره. وتعلَّموا من سنته. نشر كل واحد منهم على قدر ما أدرك هذه السُّنة وهذا الدين. صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :677  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 198 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.