الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > أم أيمن… بركة

أم أيمن... بَرَكَة

بركة الحبشية. أم أيمن. حاضنة رسول الله. أو الأم له بعد الأم. ورثها عن أبيه هي وخمسة أجمال أوارك وقطيع غنم. فأعتقها رسول الله فأصبحت مولاته، ومن أهل بيته.

أعتقها رسول الله حينما تزوج خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها. وتزوج عبيْد بن زيد الخزرجي أم أيمن فولدت له أيمن. وهو الذي تُكنَّى به. وقد صحب ابنها أيمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقُتل شهيداً يوم حُنين. وقد تزوجها بعده زيد بن حارثة حبيب رسول الله ومولاه بعد أن أعتقه وزوّجه أم أيمن بعد النبوة، فولدت له أسامة (الحِب بن الحِبّ). وكان زيد بن حارثة مولى خديجة بنت خويلد، وهبته لرسول الله فأعتقه. فكأنما زواج أم المؤمنين قد أعتق أم ايمن وزيداً. وكان رسول الله يقول لأم أيمن: يا أماه.. وإذا نظر إليها قال لها: هذه بقية أهل بيتي.

وتحدثوا أنها لما هاجرت أمست بالمنصرف دون الروحاء (بئر الراحة) فعطشت، وليس معها ماء، وهي صائمة، فجهدها العطش. فدلى دلو من ماء برشاء أبيض. فأخذته فشربت منه حتى رويت. وكانت تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش. ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواء الهاجر فما عطشت بعد تلك الشربة ((وإني لأصوم في اليوم الحار فما أعطش)).

كرامة من الله لمؤمنة. وليس ذلك على الله بعزيز. فكلنا - وعلى عصياننا - نعيش في رعاية الله وحفظه.

وكانت أم أيمن تلطف النبي وتقوم عليه، وكان يقول: من سرّه أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن فتزوجها رجل من أهل الجنة: شهيدنا في يوم مؤتة وسباقنا إلى الإسلام.. إنه أول من أسلم حتى اضطرهم أن يقولوا أول من اسلم من الموالي زيد بن حارثة. وكأنما أم أيمن من أهل بيت النبوة حينما قال لها رسول الله : غطي قناعك يا أم أيمن.

كان رسول الله يحبها ويلاطفها ويمزح معها. فقد جاءت أم أيمن إلى النبي تقول له: احملني. فقال لها رسول الله: أحملك على ولد الناقة. فالت: يا رسول الله إنه لا يطيقني ولا أريده. فقال لها: لا أحملك إلا على ولد الناقة. يعني إنه كان يمازحها. وكان رسول الله يمزح ولا يقول إلا حقاً. فالإبل كلها ولد النوق.

وكانت أم أيمن تقبل على رسول الله فتقول: لا سلام (يعني السلام) لا تستطيع لعسر لسانها أن تقول (السلام) فرخص لها رسول الله أن تقول (سلام). وقد كانت عسراء اللسان ذكروا أنها قالت يوم حنين (سبت الله أقدامكم) تريد (ثبت) فقال النبي صلى الله عليه وسلم أسكتي يا أم أيمن فإنك عسراء اللسان.

وتحدثوا أنه مما جرى أن الرجل كان يجعل للنبي من ماله النخلات. أو كما شاء الله حتى فتحت قريظة والنضير. فجعل يرد بعد ذلك. وجاء أنس بن مالك. أمره أهله أن يأتي النبي ليسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أم أيمن. وسأل أنس النبي فأعطاه ذلك. وكان في حوزة أم أيمن. فجاءت. فجعلت الثوب في عنق أنس وهي تقول: كلا والذي لا إله إلا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن. فقال نبي الله: لك كذا.. وتقول: كلا والله. ويردّ عليها الرسول: لك كذا الذي أعطاه. يضاعف لها ذلك. ولقد حسب أنس أنه قال عشرة أمثاله، أو قريباً من عشرة أمثاله. هي لا تعرف إلا أن رسول الله أعطاه. فلا يمكن أن يأخذه أحد. ولم ترض حتى أخذت عشرة أمثال ذلك. حب وتكريم وإيمان. رضي الله عنهم أجمهين.

وحضرت أم أيمن ((أحداً)) وكانت تسقي الماء، وتداوي الجرحى. وشهدت خيبر.

تحدثوا أن حرملة مولى اسامة ابن زيد كان يقول: إنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر، دخل الحجاج بن ايمن، فصلى صلاة لم يتم ركوعها ولا سجودها. فدعاه ابن عمر حين سلَّم فقال: أي أخي؟ أتحسب أنك قد صلَّيت، فلما ولى الحجاج - أي ذهب - قال ابن عمر: من هذا؟ قلت له: هذا الحجاج بن أيمن بن أم أيمن. فقال ابن عمر: لو رأى هذا رسول الله لأحبه. فذكر حبه لمن ولدت أم أيمن.

وبكت أم أيمن حين قبض النبي فقيل لها: ما يبكيك؟ قالت: أبكي على خير السماء. وفي لفظ آخر قالت: أي والله لقد علمت أن رسول الله سيموت، ولكني إنما أبكي على الوحي إذ انقطع عنا من السماء.

وبكت أم أيمن حين قُتل عمر. وقالت: اليوم وهى الإسلام. عجيب لقد أصبحت الجارية الحبشية عراء اللسان تنطق بالحكمة.. لا عجب. إنه الإيمان. إنه الاكتساب والتلقِّي عن رسول الله. علمت به ما لم تكن تعلم.

وفي خبر طريف أن ابن أبي الفرات مولى أسامة بن زيد، خاصم الحسن بن زيد ونازعه. واشتد بينهما الكلام، فقال ابن أبي الفرات في كلامه: يا ابن بركة. يريد أم أيمن. فقال الحسن: ابن أسامة، اشهدوا. ورفع الأمر إلى قاضي المدينة أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم. وقصّ عليه القصة، فقال قاضي المدينة أبو بكر بن حزم بن أبي الفرات: ما أردت إلى قولك يا ابن بركة؟ فقال: سميتها باسمها، فقال أبو بكر: إنما أراد بهذا التصغير. بها ولها. وحالها من الإسلام حالها. ورسول الله يقول لها يا أمه، ويا أم أيمن، وتقول له يا ابن بركة. لا أقالني الله إن أقلتك. فضربه سبعين سوطاً. حسبها جزاء له على هذا التصغير أو التحقير. فجزاه الله خيراً.

أما أم أيمن فحسبها من التكريم ما نالت من رسول الله، وحسبها من الجزاء الوافر ما نالت من الله، جزاءً كريماً هو الجنة. وتوفيت أم أيمن في خلافة عثمان.

والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل نبيه أجمعين.

* * *