شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قُدْقُدْ بن خِِنَاقَة
قدقد بن خناقة البكري.. كان شجاعها. أجيرها. يقتل النفوس لا يقيم لدمها وزناً. أسلم في خبر عجيب. جاء ليكفر. ليعين مشركاً. ليطيع أبا سفيان في قتل محمد.. مقابل أجر جعله له أبو سفيان. ورأى المعجزة، وبهجه النور. فآمن.
كان أبو سفيان - قبل أن يسلم - يتحرق غيظاً، يريد تصفية الموقف بقتل هذا الذي جاء بدين جديد فانتصر عليهم في بدر، ولم يتم لهم نصر في أُحد، ولم يقدروا على البقاء والثبات يوم الخندق.
أعجزت الحرب السافرة قريشاً يقودها ابن حرب.. وعجز أبو سفيان عن الوقوف وجهاً لوجه أمام ابن عمه محمد.. فكلاهما ابن عبد مناف، بل إن هاشماً جد محمد، وعبد شمس جد أبي سفيان أخوان شقيقان توأمان. ولجأ أبو سفيان إلى تدبير المؤامرات فدبرها مرات. كان إحداها أنه أستأجر قدقداً بطلنا اليوم.
واتفق قدقد مع أبي سفيان على قتل النبي صلى الله عليه وسلم بجعل قدره عشرون ناقة لا يخسرها أبو سفيان من ماله، وإنما تخسرها قريش كلها. فأبو سفيان رجل مسِّيك اتفق معه وأعطاه خنجراً مسموماً يقتل به محمداً فيخلو الأمر لأبي سفيان.
هكذا قدروا وما علموا أنها الرسالة حفظها الله.. وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ.. الخ.
ودعوا قدقداً يتحدث عن نفسه!
قال قدقد: خرجت من عند أبي سفيان وأنا نشوان، فلما صحوت فكَّرت في عظيم ما أقدمت عليه، فسرت حتى إذا كنت بالروحاء في ليلة مظلمة، ما أرى موضع أخفاف الناقة! فلاح لي وميض البرق وإذا بهاتف من جوف الوادي ((وادي سجح)) يقول:
رسول أتى من عند ذي العرش صادقاً
على طرق الخيرات للناس واقف
فظننته بعض السيارة.. وقصدت الصوت. فلما بلغت موضعه تسمعت فلا حس. فقفّ شعري، وعلمت أنه بعض الجن. فأنشأت أقول:
لك الخير قد أسمعتني قول هاتف
ونبهت حسوساً قلبه غير خائف
فأجابني وكأنه تحت ناقتي:
لحا اللَّه أقواماً أرادوا محمداً
بسوء ولا أسقاهمو ثوب ماطر
عكوفاً على الأوثان لا يتركونها
وقدام دين اللَّه أهل البصائر
فمضيت لوجهي وفي ما سمعت.. فأصبت رسول الله في بني عبد الأشهل ((رهط صديق الأمة الثاني سعد بن معاذ)) يتحدث، وقد أخبرهم عن كل ما اتفق.. وقال: سيطلع عليكم الآن. فلا تهيجوه. وكنت لا أعرفه فقلت لصبي من الأنصار: أين هو؟ أين محمد القرشي الذي قدم عليكم؟. فنظر إلي الصبي متكرهاً وقال: ويلك. ثكلتك أمك. لولا أنك غريب جاهل لأمرت بقتلك. ألا تقول: أين رسول الله؟ هو ذاك عند النخلة العوجاء. عند أصحابه. فأته فإنك إذا رأيته أكبرته وشهدت لتصديقه. وعلمت أنك لم تر قبله مثله.
فنزلت عن راحلتي. ثم أتيته فأخبرني بما اتفق لي مع أبي سفيان، ومع الهاتف، ثم دعاني إلى الإسلام فأسلمت. ثم قلت:
ألا أبلغن صخر بن حرب رسالة
بأني رأيت الحق عند ابن هاشم
رأيت أمرءاً يدعو إلى البر والتقى
عليماً بأحكام الهدى غير ظالم
فأخبرني بالغيب عما رأيته
وأسررته من معشر في مكاتم
أسلم قدقد حينما رأى المعجزة. والمعجزة مع صنع الله يجيء بها رسوله الأمين. وليس لي تعليق على ذلك إلا فهم بديع حدثني به صديقنا الدكتور ((عبد المجيد عطية)) رحمه الله قال: لقد كنا طلاباً في الجامعة الأمريكية ببيروت.. وكان أستاذنا المستشرق الدكتور ((فانديك)) يحدثنا عن صدق رسول الإسلام. قال لنا فانديك: إن الدليل الوحيد على صدق هذا القرآن هذه الآية: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 67).
لقد كان محمد أول الأمر يتخذ حراساً من أصحابه، فلما نزلت رفع الحراسة عن نفسه. فهل من يفعل هذا صادق أم كاذب؟ إنه الصادق كل الصدق. فالإنسان لا يكذب على حياته يضعها في ميزان الرهان. في يد البشر. إن محمداً وضعها في عصمة التوكل على الله إيماناً بوعد الله. فالقرآن هو من عند الله. وهكذا حفظ الله محمداً من قدقد.. الفاتك الغادر، ليكون بعد، هو وأبو سفيان من الصحاب الأجلاء. رضي الله عنهم أجمعين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :982  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 194 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.