شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أسمَاء.. ذاتُ النِّطَاقَيْن
أسماء بنت أبي بكر الصديق.. ذات النطاقين. وأمها قتيْلة العامرية. فهي ليست شقيقة لعائشة. بل هي أختها لأبيها. أسلمت قديماً قبل الهجرة. وبايعت رسول الله. فكان لها ذكر جميل. وصبر أجمل. وإيمان كامل.
عاصرت النبوة من أول يوم. وتبعت أباها في أول ساعة فلئن خفي أمر هجرة النبي على الكثيرين، فلم يخفى عليها. ولم يخش منها. كانت أحد القلائل الذين يعلمون عن الهجرة. وساعدوا عليها. كأنما حملت السر العظيم. عن العمل العظيم. يأتي على يد رسول أمين.هجرته إلى المدينة ومعه صاحبه أبوها. أبو بكر. ومعهما مولى أبي بكر، عامر بن فهيرة. ولكأن آل أبي بكر: هو وابنته ومولاه قد شغلوا بالهجرة وعملوا لها حتى وصلت إلى ذروة النجاح فلها ولأبيها منة في عُنق كل مسلم على ما أحسنا من نية، وما صنعا من صالح، وما قدما لأمة محمد من خير. كان الفضل فيه قبل كل ذلك لله وحده الذي أرسل محمداً رحمة للعالمين.
وهي ذات النطاقين. فقد أخذت نطاقها ليلة الهجرة. فشقته اثنين. فجعلت واحداً لسفرة رسول الله والآخر عصاماً لقربته. ليلة خرج رسول الله وأبو بكر إلى الغار. فسميت ذات النطاقين.
تزوجها الزبير بن العوام. ابن عمة رسول الله، وحواريه. فولدت له عبد الله، وعُروة، والمنذر، وعاصماً، وخديجة الكبرى وأم الحسن، وعائشة.
تحدثوا أن أسماء قالت: صنعت سفرة النبي في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر (تعني أباها): ما أجد شيئاً أربطه به إلا نطاقي. فقال أبو بكر: شقيه باثنين. فاربطي بواحد السقاء، وبالآخر السفرة. ففعلت. فلذلك سميت ذات النطاقين. وحينما كان ابنها عبد الله يقاتل جند الحجاج، كانوا يصيحون به، يُعيِّرونه: يا ابن ذات النطاقين. فقال ابن الزبير لهم: تلك شكاة ظاهر عنك عارها. وسمعت أسماء بما عَيَّر به ابنها. فقالت له: عيَّروك بي؟ قال: نعم. قالت: فهو والله الحق.
وتحدثت أسماء عن نفسها. قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض غير فرسه. فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه وأسقيه الماء، وأخرز غربه، وأعجن.. ولم أكن أحسن أن أخبز، فكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق. وكنت أنقل النوى على رأسي من أرض الزبير (وهي معروفة الآن بعد أحد وعلى وادي الحمض في أول الغابة) التي أقطعه إياها رسول الله. وهي على ثلثي فرسخ (أي أكثر من 8 كيلومتر)، فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله ومعه نفر من أصحابه، فدعا لي وقال لراحلته: أخ. أخ. ليحملني خلفه. فاستحييت أن أسير مع الرجال. وذكرت الزبير وغيرته - وكان أغير الناس - فعرف رسول الله أني قد استحييت فمضى. وجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه.
فأناخ لأركب معه. فاستحييت وعرفت غيرتك. فقال الزبير: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه.
وقفة قصيرة ندقق فيها النظر فيما تحدثت به أسماء عن نفسها. لم يكن الفقر في بعلها الزبير مانعاً لها من أن تكون السيدة الكريمة تعين زوجها على وضع من المعرفة فيه هذه الصورة من التكريم. والتضحية هي الأساس الأول في إزالته إلى وضع أحسن. لو لم يكن يتبدل الحال من فقر إلى غنى. فإنه بسبب السعادة والرضا بهذا الحال. تسعد به النفوس الكبيرة المطمئنة القانعة. تعمل في صبر وإيمان، وقناعة واطمئنان.
ولقد تبدل الحال، فأصبح الزبير، وأصبحت أسماء في نعمة الغنى، وبدل الكريم. والنبي محمد لماذا أناخ لها؟ أمن أجل أنها زوج ابن عمته؟ أم من أجل أبي بكر؟ قد يكون كل ذلك. ولكن ما أفهمه. ما أحسه. ما أعتقده. هو أنه أراد إكرامها. هي لنفسها. لذاته. لإيمانها. وإن كان أبو بكر والزبير جديرين من محمد عليه الصلاة والسلام بالتكريم والرحمة.
وتحدثوا أن الزبير كان شديداً عليها. فأتت أباها فشكت ذلك إليه. فقال أبو بكر أبوها: يا بنيتي اصبري. فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تتزوج بعده جمع بينهما في الجنة.
وجاءت أسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله ليس في بيتي شيء إلا ما أدخل علي الزبير. فهل علي جناح أن ارضخ مما دخل علي؟ فقال رسول الله: أرضخي ما استطعت. ولا توكي فيوكي الله عليك.
وكان في عنق أسماء ورم، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ يمسحها ويقول: اللَّهم عافها من فحشه وأذاه. وكانت أسماء تقول لبناتها وأهلها: أنفقوا، وأنفقن، وتصدَقن، ولا تنتظرن الفضل فإنكن إن انتظرتن الزيادة لم تفضلن شيئاً، وأن تصدقتن لم تجدن فقده. وقد كانت امرأة سخية النفس.
نعم هي سخية النفس، سخت بنطاقها، سخت بحياتها، بجهدها، بعرقها. سخت بابنها، ولكنها لم تسخ بكرامتها وإيمانها.
فكيف لا تسخو وقد أغناها الله بالمال؟ قدمت عليها أمها قتيْلة ولم تكن في عصمة أبي بكر لأنه كان قد طلقها في الجاهلية. قدمت أمها عليها ومعها هدايا من زبيب، وسمن، وقرظ. فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها إلى بيتها. وأرسلت إلى عائشة أختها تقول لها: سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال الرسول: لتدخلها وتقبل هديتها. وأنزل الله تعالى لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون (الممتحنة: 8 - 9).
وقدم ابنها المنذر من العراق.. أرسل إليها بكسوة من ثياب مروية وقومية. رقاق عناق وذلك بعدما كف بصرها فلمستها بيدها ثم قالت: أف. ردوا عليه كسوته. فشق ذلك على المنذر فخاطبها.. يا أمه.. إنه لا يشف. (أي لا تظهر معالم الجسم لضيقها) فهدأ المنذر فاشترى لها ثياباً أخرى تصلح لها فقبلتها. وقالت: مثل هذا فأكسني.
وكانت أسماء بنت أبي بكر مع زوجها الزبير يشهدان اليرموك، فسمعت تقول لزوجها: يا أبا عبد الله. إن كان الرجل من العدو ليمر يسعى فتصيب قدمه عروة أطناب حبائي فيسقط على وجهه ميتاً. ما أصابه سلاح. لم يقتله سلاح تراه أسماء. وإنما قتله الله بسلاح من عنده لينصر هذا الدين في يوم فتح عظيم. يوم اليرموك. اتخذت أسماء خنجراً كانت تجعله تحت رأسها حينما فسد الأمر في المدينة زمن سعيد بن العاص. تتقي به اللصوص. وكانوا قد استعروا بالمدينة. ودخل الحجاج على أسماء بعد قتله ولدها عبد الله فقال لها: إن ابنك الحد في هذا البيت. وإن الله أذاقه من عذاب أليم. وفعل. وفعل. فقالت له أسماء: كذبت كان برًّا بالوالدين، صوّاماً قواماً. ولكن والله لقد أخبرنا رسول الله أنه سيخرج من ثقيف كذَابان. الآخر منهما شر من الأول. وهو مبير. الأول كان الحجاج، والمبير كان المختار الثقفي.
وقد أوصت عند موتها: جمروا ثيابي على المشجب، وحنطوني. ولا تذروا علي من ثيابي شيئاً.
وماتت رضي الله عنها بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بليال. وكان قتله يوم الثلاثاء (17 من جمادي الأولى سنة 73هـ) رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :715  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 192 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج