شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قَيْسُ بن عَاصِم
قيس بن عاصم المنقري التميمي. أبو طلحة، أو أبو علي على الأشهر. قدم في وفد قومه بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم في السنة التاسعة.. وبنو تميم كانت لهم صولة في الجاهلية، وظلت هذه الصولة في الإسلام في الصدر الأول. كانت تميم صاحبة الشأن في مكة قبل خزاعة، وقبل قصي، ثم طاب لها العيش في نجد، وانساحت من نجد إلى العراق. وقد نبغ فيها رجال أخيار وقادة أفذاذ في الجاهلية والإسلام ((حاجب بن زرارة، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم، وقيس بن عاصم، والأحنف بن قيس، والقعقاع بن عمر وأخوه عاصم))، ثم شاعراها، شاعر مضر: جرير والفرزدق. فتميم مضرية عدنانية من ولد الياس بن مضر.
وقد اشتهر منها أناس لم يكونوا إلى الخير كسجاح وعمرو بن جرموز. تلك ادعت النبوة وهذا قتل الزبير. ومربد البصرة والكوفة قد عمرتهما تميم باللغة والشعر ولقد كان حظهم في الفتح عظيماً إلى حد بعيد. ولا أحسبني أكون قد بالغت إذا قلت: إن القادسية وليلة الهرير لم ننتصر فيها ولم نحطم عرش الأكاسرة إلا بسيوف تميم. بسيفين قطعا خراطيم الفيلة. سيف القعقاع بن عمرو، وعاصم بن عمرو. وكان أبا بكر قد نظر بفراسة المؤمن إلى القعقاع حينما قال فيه إذ أرسله مدداً إلى جيش العراق بمفرده ورأى الإنكار في أعين أصحابه. يطلب منه المدد لجيش العراق فيرسل لهم واحداً (القعقاع). لقد قال لهم: ((إن جيشاً فيه هذا لا يغلب)).
ورأى رسول الله قيساً فقال: هذا سيد أهل الوبر. فقد كان رضي الله عنه عاقلاً حليماً. ولقد سئل الأحنف ابن قيس الحليم العظيم: ممن تعلمت الحلم؟.. فقال: من قيس بن عاصم.. رأيته يوماً قاعداً في فناء داره محتبياً بحمائل سيفه، يحدث قومه إذ أتى برجل مكتوف، وآخر مقتول. فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك. قال الأحنف: فوالله ما حلّ حبوته، ولا قطع كلامه. فلما أتمّ التفت إلى ابن أخيه، فقال: يا ابن أخي بئس ما فعلت، أثِمْت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، قم.. ثم قال لابن له آخر: قم يا بني فوار أخاك. وحل كتاف ابن عمك، وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة.
وقيس بن عاصم كان في الجاهلية من ذوي المروءة والعقل، ولقد كان مثله كثيرين. حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، شربها مرة فسكر حتى أنه غمز عكنة ابنته، وسب أبويها. وأعطى الخمار كثيراً من ماله. فلما أفاق وأخبر بذلك حرمها على نفسه، وذمها بشعر:
رأيت الخمر صالحة وفيها
خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله اشربها صحيحاً
ولا أشفي بها ابداً سقيما
ولا أعطي بها ثمنا حياتي
ولا أدعو لها ابداً نديما
فإن الخمر تفضح شاربيها
وتجنيهم بها الأمر العظيما
ومن جيد قوله:
إلى امرؤ لا يعتري خلقي
دنس يفنده ولا افن
من منقر في بيت مكرمة
والغصن ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقول قائلهم
بيض الوجوه أعفة لسن
لا يفطنون لعيب جارهمو
وهمو لحسن جواره فطن
ولما حضرته الوفاة دعا بنيه فقال: ((يا بنيَّ احفظوا عني فلا أحد أُنصح لكم مني، إذا مت فسوّدوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وتهونون عليهم. وعليك بإصلاح المال فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم. وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل. ولقد كانت تميم تعظم قيساً لأنها تعظم كبراءها)).
.. أقبل مرة أحد سادتها من بني عمرو بن الأهتم على المربد. فقام الرجال من تميم يحيون ويقولون: أقبل سيدكم ونظر فلم يجد السادة الكبار من قومه كالأحنف بن قيس ومن إليه. فذكر ما يصيب قومه من فقد السادة الكبار. فقال:
خلت الديار وسدت غير مسود
ومن البلاء تفقدي للسؤدد
عمدها لها قومه وتناقلها الرواة. ثناء من عظيم وتواضعاً من كريم وبكاء من ابن صادق بار. وقد أوصى قيس بن عاصم عند موته فقال: إذا أنا مت فلا تنوحوا علي. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنَحُ عليه.
ولما شيعوه إلى قبره قال عبدة بن الطبيب:
عليك سلام اللَّه قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك نعمة
إذا زار عن شحط بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
وكثير من الناس يحسبون قيساً ليس صحابياً مع أنه صحابي جليل، رضي الله تعالى عنه، وأن لتميم أدواراً في تاريخنا كلها عظمة ومجد، وأن لها دوراً يأتي بعد حيثما نكون أقسى هذه الأمة على الدجال.
رضي الله عن الخيرين وهدى الله الآخرين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :801  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 189 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.