شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كَعْبُ بن سُور
كعب بن سور الأزدي. والأزد قحطانيون. كان مسلماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. أسلم على يد الوافدين من قومه، ولم ير رسول الله. حبسه حابس. فلعلّه استأنى. لا يذهب إلى المدينة ليرى رسول الله فلم يدرك ذلك، فهو معدود في كبار التابعين.
وقد سكن المدينة وكان من أصدقاء عمر، يجلس إليه ويسمع له، فتأدب بأدبه وسار على نهجه. وبعثه عمر قاضياً على البصرة بعد أن مصرت لتكون ثغراً من ثغور المرابطين، لا يحجبهم عن الجزيرة العربية وعن الخلافة مانع من نهر أو بحر، ولا يمنعهم عن مواصلة الفتح وإرسال الإمداد مانع آخر.
والخبر العجيب الذي دعا عمر أن يبعث كعباً قاضياً على البصرة هو قصة يبين منها ذكاء كعب، وإشفاق عمر ويقظته، واحترام المرأة لنفسها تضن بكرامتها فلا تصبر على أذى، ولا تسكت على ما يحملها على باطل أو يرهق نفسها بالصبر عما تدعو إليه طبيعة الجنس وغريزة الأم.
امرأة فاضلة تركها زوجها لا يعطيها حقها، لأنه قد شغل بالعبادة. فهرعت إلى عمر تشكو رجلها.. لا ليضام، ولا ليمنع، وإنما ليعلَّم وينصح، فيستقيم أمر الزوج مع امرأته.
والقصة هذا نصها: ذكروا أن كعب بن سور كان جالساً عند عمر بن الخطاب - وهو الخليفة المرهوب - فجاءت امرأة فقالت: ((ما رأيت قط رجلاً أفضل من زوجي. إنه ليبيت ليله قائماً، ونهاره صائماً. في اليوم الحار ما يفطر)).. وسمع منها عمر فاستغفر لها، وأثنى عليها. وقال يجيبها: ((مثلك أثنى بالخير)). فاستحيت المرأة وقامت راجعة، فقال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها؟ إذ جاءتك تستعديك؟. فقال عمر: أكذلك أرادت؟. قال كعب: نعم. فقال عمر: ردوا على المرأة. فلما حضرت رق لها عمر وهش وبش. وقال: ((لا بأس بالحق أن تقوليه، إن هذا يزعم أنك جئت تشكين رجلك يتجنب فراشك)). فقالت المرأة: ((أجل. إني امرأة شابة، وإني ابتغي ما يبتغي النساء)). وسكت عمر، ثم أرسل إلى زوجها فجاء، فقال عمر لكعب: اقض بينهما. فقال كعب: أمير المؤمنين أحق بأن يقضي بينهما. فقال عمر: عزمت عليك لتقضين بينهما، فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهم..
وقضى كعب.. وبماذا قضى؟
قال كعب: فإني أرى أن لها يوماً من أربعة أيام. كأنما زوجها له أربع نسوة. فإذا لم يكن لها غيرها فإني أقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة.
فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب من الآخر - يعني أن عمر عجب من فطنة كعب ثم من صحة حكم كعب - اذهب فأنت قاضٍ على أهل البصرة.
واستقام أمر كعب في قضاء البصرة طوال أيام عمر وطول مدة خلافة عثمان. حتى أن عثمان أمر أبا موسى الصحابي الفقيه أن يقضي كعب بن سور بين الناس، ولم يعزله علي حينما تولى الخلافة.
حتى كان يوم الجمل. فلما اجتمع الناس بالخريبة خارج البصرة واصطفوا للقتال، خرج كعب بن سور وبيده المصحف ينشره على الناس ليشهدوه، وجال بين الصفين يناشد الناس الله في دمائهم، ولكنهم كانوا بعرض فتنة لم ينفع فيها نصح كعب، ولا سفارة القعقاع بن عمرو، ولا تريَّث علي، ولا رجوع الزبير، ولا تردد عائشة. فأنشب الغوغاء القتال فأصاب كعباً سهم غريب من يد طائشة فقتله. قتل والمصحف في عنقه. بيده عصا وعليه برنس، وهو آخذ بخطام الجمل رحمه الله.
وقد رويت هذه القصة - أعني قصة الزوجة - في حوار شعري، لا نجزم بصحة وقوعها، وإنما نسوقه خبراً طريفاً.
تحدثوا أن المرأة قالت:
يا أيها القاضي الفقيه أرشده
ألهى خليلي عن فراشي مسجده
زهده في مضجعي تعبده
نهاره وليله ما يرقده
ولست في أمر النساء أحمده
فأقض القضا يا كعب لا تردده
فقال الزوج:
إني امرؤ قد شفني ما قد نزل
في سورة النور وفي السبع الطول
وفي الحواميم الشفا وفي النمل
فردها عني وعن سوء الجدل
فقال كعب:
إن السعيد بالقضايا من فصل
ومن قضى بالحق حقاً وعدل
إن لها حقاً عليك يا بعل
من أربع واحدة لمن عقل
اقض لها ذلك ودع عنك العلل
ثم قال له: ((أيها الرجل، إن لك أن تتزوج من النساء مثنى وثلاث ورباع فلك ثلاثة أيام ولامرأتك هذه من أربع ليال ليلة، فلا تصلّ في ليلتها إلا الفريضة)). فبعثه عمر قاضياً على البصرة.
وهذه القصة هي القصة التي مضت في صورة أخرى زوّقها الرواة. ينفعنا منها الجوهر ولا يضيرنا العرض.
رضي الله عنه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :738  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 187 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج