شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَاصِم بن أبي الأقلح
عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح واسمه قيس، أنصاري من الأوس الأكرمين.. رهط سعد بن معاذ صديق الأمة الثاني. ويكنى عاصم بأبي سلمان. أسلم في السابقين من قومه الذين تبوءوا الدار والإيمان. جاهدوا في الله حق جهاده. وكما أوجب على نفسه.. فالجهاد فرض كفاية على أمة المسلمين، إلا الأنصار فإنه فرض عين عليهم.. عهد العقبة، وبيعة النقباء، وضريبة الإيواء ومعنى النصرة.. بهذا كانوا من الأنصار، وعاصم واحد منهم. شهد بدراً حتى إذا عاد منتصراً بالإسلام وعاد الإسلام منتصراً به وبالأبطال من قومه ومن إخوانه المناضلين، أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم يقود سرية فقتل فيها شهيداً.
قتل شهيداً يوم الرجيع، فحمته الدبر، ثم حمله السيل لئلا يمس جزءاً منه كافر مشرك. وسرية الرجيع أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عيناً له تأتيه بخبر قريش المشركة وأمَّر على هذه السرية ((سيدنا عاصماً)). وانطلقت السرية لغرضها حتى كانوا ببعض الطريق بين عسَفان ومكة.. نزلوا يستريحون، فرأتهم عيون مشركة من بني لحيان من هذيل لا يزال هذا اسمهم إلى الآن. وتبعهم بنو لحيان في قريب من مائة راجل رام، يقتصون آثارهم حتى لحقوا بهم. ورآهم عاصم بن ثابت فلجأ هو وأصحابه إلى فَدْفَدْ يحتمون ويرمون عن أنفسهم، ولكن الكثرة من لحيان قد أحاطت بهم، وقالوا له: ((لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا فلا نقتل منكم رجلاً)). فقال عاصم بن ثابت: ((أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللَّهم فأخبر عنا رسولك)). واستحر القتال، أصحاب عاصم يرمون، والمشركون يرمون حتى قتلوا عاصماً مع سبعة نفر من خيرة أصحاب محمد.. وبقي من السرية زيد بن الدثنِّة، وخبيْب بن عدي (ترجمنا له من قبل)، ورجل آخر لم يسعني الوقت أن أفتش عن اسمه (ثم ظهر لنا أنه عبد الله بن طارق).
وأعطت لحيان العهد والميثاق أن ينزل الثلاثة إليهم فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم، فربطوهم. فقال الرجل الثالث الذي كان معهما: هذا أول الغدر. وأبى أن يصحبهم فجروه.. فأبى أن يتبعهم.. وقال لهم: إن لي في هؤلاء أسوة - يشير إلى السبعة الذين قتلوا - فقتلوه ثمة.
وانطلق المشركون بخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة لقريش المشركة، تنتقم منهما أخذاً بثأر من قتل من قريش في بدر. وقد قتلا في مكة في خبر يطول.. فيه من الكرامة لخبيب وزيد ما يزيدنا إيماناً بالله وحباً لرسول الله وثناء على أصحابه الذين صدقوا العهد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (الأحزاب : 23).
وبعثت قريش إلى عاصم القتيل الشهيد ليؤتوا بشيء من جسده ليحرقوه تشفياً، لأنه قتل يوم بدر صنديداً من عظمائهم، ولكن الله قد حفظ عاصماً فلم ينالوا شيئاً من جسده.. بعث الله مثل الظلمة من الدبر (الدبابير) فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء. فلما أعجزهم قالوا: إن الدبر ستذهب إذا جاء الليل. يريدون أن ينتظروا حتى تنام الدبر فينالوا رأس عاصم أو جسده. ولكنهم نسوا أن الله هو العاصم الحافظ.. وهل انحصر جند الله في الدبر؟ إن لله جنوداً لا يراها هؤلاء المشركون. ولما جاء الليل بعث الله عزّ وجل مطراً جاء بسيل فحمل عاصماً فلم يجدوه. حال الله بينهم وبينه. ومن يحرسه الله لن يتخطفه أحد.
ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة شهر يلعن رعلاً وذكوان وبني لحيان لأنهم غدروا بسريته، ولأنهم قتلوا عاصماً، ولأنهم عرضوا خبيباً وزيداً لعذاب عظيم وانتقام مشين من القتل والصلب.
حمل السيل جسد عاصم وحمل الفارس الفدائي حواري رسول الله الزبير بن العوام جثة خبيب من فوق خشبة الصلب.. والذين صلبوه في سكر وعربدة. سكر الجهل وعربدة الشراب الحرام.
وقال حسان بن ثابت:
لعمرك قد شابت هذيل بن مدرك
أحاديث كانت في خبيب وعاصم
أحاديث لحيان أضلوا بقبحها
ولحيان ركابون شتى الجرائم
تزوج عمر بن الخطاب ابنة عاصم بن أبي الأقلح واسمها ((عاصية))، أبدلها النبي صلى الله عليه وسلم باسم إسلامي نظيف فسماها ((جميلة))، وأنجب منها، عاصماً الصحابي الكريم، لم يكن شقيقاً لعبد الله بن عمر، ولكنه كان نعم المحتذى به، والصديق له.
جاءه رجل يوماً فقال له: إن فلاناً سب أخاك عبد الله، فقال عاصم: إني وأخي عبد الله لا نسب الناس.
أدب عمر، ورثاه من أبوين كريمين. عبد الله بن عمر خالاه عثمان بن مظعون، وقدامة بن مظعون وهما من هما قدم إسلام، وصدق إيمان، ونظافة خلق.
وجدّ عاصم بن عمر، عاصم بن أبي الأقلح بطلنا اليوم، وهو من هو بطولة وإيماناً وتصديقاً وتضحية.
وأنجب عاصم بن عمر ابنة تزوجها عبد العزيز بن مروان بن الحكم فأنجبت عمر بن عبد العزيز. وناهيك به خليفة راشداً عُدّ خامس الخلفاء الراشدين، وبقية السلف الصالحين. لم يرث من آبائه المروانيين الأعياص الأمويين العبشميين، وإنما ورث خلق عمر وإيمان عمر وعدالة عمر، زادها حلية وكمالاً بما ورث من جده لأمه عاصم بن أبي الأقلح.
ذرية بعضها من بعض.. والله يهدي من يشاء. رضي الله عنهم أجمعين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :931  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 185 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج