الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > منظور بن زبان

مَنْظُورُ بن زِبَّان

منظور بن زبان، مازني، فزاري.. غطفاني من قيس عيلان، عدناني. وصحابي.. زل زلة. أنكرها النبي فأرسل من يقتله فلم يلحقه، ثم يأتي أبو بكر فيرسل إليه لينفذ الحكم وعمر يشهد أن منظوراً لم تلحقه سرية الرسول ولم يصبه أبو بكر باذى، أما لأنه لم يصل إليه وأما لأنه قنع بحجة منه ففرق بينه وبين زوجة امرأة أبيه. وعمر يشهد هذا كله، فيجلبه حتى يقوم الحق. وعبد الرحمن بن عوف له بطولة النجدة في هذا الموقف. وطلحة بن عبيد الله له بطولة المروءة. لا يترك المرأة بل إنه ليتزوجها، لا يسأل كيف نكحها ابن زوجها. والحسن بن علي السبط، يتزوج بنتهما. ولداها من نكاح فاسد فلا يرى في ذلك عيباً، لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى. فما هي الزلة؟ وكيف زل؟ امرأة أبيه مليْكة. مات عنها أبوه ولم تلد.. فتزوجها.. فنكحها كأحد أنكحة الجاهلية. وقعت في الإسلام منها أربعة فرّق الرسول بين الأزواج من هذا النكاح الفاسد. وكان أحدها زواج ((منظور)) بامرأة أبيه ((مليكة)).

وزل منظور زلته. نكح امرأة أبيه. أتخذها زوجاً له. يعاشرها. فنزل قرآن حكيم ينهي عن ذلك وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ (النساء: 22) سمع الرسول بفعلة منظور، فأرسل سرية إليه لقتله. تحدث البراء ابن عازب فقال: لقيت خالي ومعه الراية فقلت: إلى أين؟ فقال: بعثني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه.. أن أضرب عنقه. هذا الرجل هو المنظور بن زبان. سرية الرسول تسير لتنال قتله على فعل منكر. لا على كفر أو ردة. إنها لم تخرجه عن الملة. ولم تلحقه سرية الرسول. فلما تولى أبو بكر الخلافة طلبهما: منظوراً ومليكة فوجدهما. وجدهما في البحرين والبحرين ليست هي الجزر في خليجنا العربي فقط. إنما هي المنطقة كلها هجر وساحلها من كاظمة حتى نجران. الإحساء كله. والساحل كله.. والكويت جزء من البحرين حتى كاظمه ووادي السباع. كانت كلها ولاية العلاء بن الحضرمي.. والكويت لم تذكر جزءاً من العراق. لا في فتوح العراق ولا أمصار العراق، إنما هي أدنى البحرين إلى المصرين الكوفة والبصرة.

ووجدهما أبو بكر في البحرين فأقدمهما المدينة وفرق بينهما كأنما أبو بكر قد عرف جهلهما فقبل التوبة واكتفى بالتفريق. ولكن عمر وما أدراك ما عمر جاء بمنظور يريد قتله.. فالنبي أرسل سرية لقتله فلم تجده، أما وقد وجد فليقتله.. هذا خلق عمر.. ولكن منظوراً حلف بالله أنه ما علم أن الله حرم ذلك ففرق بينهما الشديد العادل عمر، وقبل التوبة منه. وعاش منظور يسمع ما هجاه به الشعراء. فلقد هجاه الوليد بن سعد بن الحمام المري بقوله من أبيات:

بئس الخليقة للآباء قد علموا

في الأمهات أبا زبان منظور

وتحدث آخرون فقالوا: إن منظوراً كان سيد قومه، طال به حمل أمه به فسمي منظوراً من أجل ذلك.

تزوج منظور امرأة أبيه واسمها ((مليكة)) بنت خارجة المزنية، فولدت له هاشماً وعبد الجبار وخولة من نكاح فاسد، فلم يلحق هؤلاء أذى بجريمة الأب التي تاب منها، ولم تزل معه حتى فرق بينهما عمر. حلف أربعين يميناً فقنع الفاروق.. حبسه إلى العصر ثم أطلقه. حلف أنه لا يعرف أن هذا حرام. وقال له عمر: ((لولا أنك حلفت لضربت عنقك)). ودراً ألحد بشبهة الجهل. ويقين التصديق بيمين هي: (حلف بالله) جل علاه. وزاد عمر يؤنبه: ((أتنكح امرأة أبيك وهي أمك؟ أو ما علمت أن هذا نكاح المقت؟)).

وفارقها منظور فاشتد عليه وجده بها، فرآها يوماً تمشي في الطريق فأنشد:

ألا لا أبالي اليوم ما صنع الدهر

إذا منعت مني مليكة والخمر

فإن تك قد أمست بعيداً مزارها

فحي ابنة المري ما طلع الفجر

وقال مرة أخرى:

لعمر أبي دين يفرق بيننا

وبينك قسراً أنه لعظيم

فبلغ ذلك عمر، فطلبه ليعاقبه فهرب. وطلقت المرأة وبقيت وحيدة. فهل يسكت عمر؟ ويسكت الأبطال الكرام من أصحاب محمد؟

لقد قال عبد الرحمن بن عوف السيد الوجيه: أنا أكفلها. ويجيب عمر.. وأخذها إلى بيت من بيوته سمي باسمها وعرف به زمناً طويلاً. ولم يكتف الصحاب بذلك. بل عزم طلحة بن عبيد الله السيد العظيم فتزوجها، صانها، أكرمها.. أهي الشهرة أم هو الجمال.. لا.. ولكنها المروءة في أبي محمد سيد تيم. شيخ الأجواد طلحة. لم يلتفت لأنها نكحت قبله، ونكاح فاسد.

وكانت مليكة تكنى أم خولة باسم ابنتها من نكاح فاسد. وجاء دور بطولي كريم قام به السبط سيد شباب أهل الجنة الحسن بن علي. خطب خولة من نفسها لأنها ملكت أمرها في غياب أبيها فتزوجها الحسن. وسمع أبوها منظور بن زبان فقال: ((أمثلي يفتأت عليه في ابنته؟)).. فقدم المدينة مسرها فركز راية سوداء في مسجد رسول الله. فلم يبق قيسي إلا دخل تحتها حمية ونخوة، يحمون سيداً من شيوخهم ولو كان منظور بن زبان. وعلم الحسن بما صنع أبو زوجته فقال له: ((شأنك بها)).. فأخذها أبوها وخرج. فلما كان بقباء جعلت خولة تندب الحسن وتبكيه وتقول: ((يا أبت، الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة..)). فقال أبوها: ((تلبثي، اصبري قليلاً. فإن كان له حاجة بك فسيلحقنا)). فأقام في قباء ذلك اليوم فلحقهما الحسن ومعه أخوه الحسين وأبناء عمه عبد الله بن جعفر والحبر عبد الله بن عباس.. بخ.. بخ.. ماذا يصنع منظور وهؤلاء الهواشم العباسي منهم والعلوي والجعفري يلحقون به من أجل خولة. وكلموه فردها.. رضي.. ورجع بها الحسن زوجاً له. لم يتنطع الحسن ولم يتزمت.. خلق كريم.

وخولة هذه صاحبة القصة، حمت النوَّار زوجة الفرزدق. وشفعت لها عند ابن الزبير فشفعها. حكم على الفرزدق للنوار. وفي هذه يقول الفرزدق:

أما بنوه فلم تقبل شفاعتهم

وشفعت بنت منظور بن زبانا

ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا

مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

مجموعة أبطال من سيرة عطرة. رضي الله عنهم أجمعين.

* * *