شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النُعَيْمَانُ بن عَمْرو
نعيمان بن عمرو. أو النعيمان. نجاري أنصاري. أسلم قديماً. فهو من اصحاب العقبة الأخيرة.. كان في الأنصار من أوسطهم نسباً في السابقين منهم إلى الخير والنصرة. وشهد بدراً واحداً والخندق والمشاهد كلها. فهو من الجهاد على قدم. ومن النصرة على ذروة.. شرف بها بين المسلمين. والسيرة تكتب له الأمور كثيرة.. الجد الصارم في تنفيذ الشريعة على يد رسول الله. والرحمة الواسعة من الله يبلغها رسوله لعباده والنفس المرحة الفياضة في نعيمان، والتقبل الكريم للمزاح من الرسول العظيم ومن اصحابه الكرام.. كان النعيمان مترف النفس حاضر البديهة، شاباً مضحاكاً مزاحاً رغم أنه شهد بدراً ورغم جلالة القدر.
بنو النجار أهله وبنو زهرة القرشيون المهاجرون أصهاره.. فقد تزوج عبد الرحمن بن عوف أخته ومات عنها هي وثلاث نسوة أخريات.. ومنهن أم كلثوم بنت عقبة بن معيط بعد أن طلقها الزبير في قصتها المشهورة والمذكورة في سيرتها من قبل. جلده النبي في الخمر مرة. ومرة. ثم أمر بضربه بالنعال لأنه لم يرتدع عن شرب الخمر. وقال الرسول في آخرهن: إن عاد فاقتلوه. أمر صارم وحزم جازم فهمه عمير الصحابي الجليل على أنه الطرد والخروج عن الله. أوجب قتل هذا إن عاد لشرب الخمر. فقال عمير: (لعنة الله عليه).. وسمع الرسول اللعنة تصدر من لسان عمير يلعن بها النعيمان. فقال نبي الرحمة: لا. لا تفعل.. إنه يحب الله ورسوله. الكبيرة لا تخرج من الملة. ورحمة الله قريب من المؤمنين. هذا أصل التشريع. وإنه لأقرب ما يكون. وأصدق ما يكون. في رجل شهد بدراً هو النعيمان.
فأعجب للذين يلوون أصداغهم احتقاراً لعاص. وأعجب للذين لا يقبلون التوبة من عبد قبلها الله. فهم يتبعون فاحش القول عن مقترف ذنب أعلن عنه. بينما هم يقترفون ذنوباً أكثر وأكثر لم تعلن عنهم. المذنب أعلن ذنبه ولقي جزاءه. أدركه الحد الجابر. ويغفر الله بعد توبته، أما الذين يكتمون ذنوبهم أو يكتمها لهم الآخرون فهؤلاء يلقون جزاءهم من عالم الغيب والشهادة. فهم أسوأ حالاً.. الحق لو أدركنا عمق المسألة لأشفقنا على الكاتمين المتبجحين على الآخرين. أكثر من إشفاقنا على المذنبين الذين نالهم العقاب. والنعيمان المضحاك المزاح، أو موزع المقالب كما يقول أهل هذا العصر. كان حبيباً إلى اصحاب محمد لأنه كان حبيباً مرضياً عند محمد عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم أجمعين.
كان إذا ما نزل السوق ووجد طعاماً طيباً أعجبه، اشتراه وأرسله إلى رسول الله في صورة هدية منه. فيستطيبه النبي ويأكل منه وأهل بيته. ويأتي البائع إلى النعيمان ليقبض الثمن.. فيقول له: اذهب إلى رسول الله هو له. أكله هو وأهله. فيذهب البائع إلى الرسول ويسأل رسول الله النعيمان ألم تهده لي؟ فيقول: نعم شيء استطبته لك. وأحب أن تأكل منه فأهديته لك وما معي دراهم أدفعها لبائعه فادفع يا رسول الله. فيضحك النبي ويضحك الصحابة. ويؤدي رسول الله قيمة هذه الهدية الإجبارية من هذا الصحابي الحبيب. إنه أحب رسول الله وأحب له الطيبات ولا يقدر على شرائها فيرسلها على هذه الصورة فيحظى بالحسنيين. نال أمنيته فأكل الرسول من الطيب المهدى ونال هوايته المزاح والإضحاك الذي لا يؤذي. ذهب أبو بكر ومعه جماعة من أصحابه إلى بصرى يبيعون ويشترون. ولعلّهم يستعملون ويدرسون. وكان من أصحابه سويبط بن حرملة على الزاد والنعيمان أحد الرفقة. وجاع النعيمان فاستعطى من أخيه سويبط طعاماً فمنعه. فقال له: ستعرف ما أفعل بك بعد؟ تهدده وتوعده فماذا فعل؟ ذهب إلى جماعة من العرب في السوق وقال لهم: هل لكم في عبد جلد أبيعه لكم؟.. فقالوا: نعم.. فقال: إنه ذو لسان وفصاحة وسيقاومكم ويقول: أنا حر فلا تسمعوا له.. وقطعوا ثمن العبد.. الأخ سويبط. عشر قلائص. قادها النعيمان كأنما المسألة قد وصلت من الجد عنده هذا المبلغ. وجاء الشارون معه فأشار إلى سويبط. هذا هو العبد الذي بعته لكم فخذوه وأمسكوا بسويبط. فقال: أنا حر. أنا سويبط بن حرملة. فلم يسمعوا وقالوا: عندنا الخبر. وجروه يقودونه كما يقودون العبد من عنقه. ولم يضحك النعيمان بل تظاهر بالجد والصرامة. سويبط ممتنع. والذين شروه يجرونه. والنعيمان واقف ينظر لا يحرك ساكناً. وهرع الصحاب إلى قائدهم. فجاء أبو بكر يسرع. فأعلم العرب الشارين الخبر فأطلقوا سويبطاً واستردوا قلائصهم. وضحك أبو بكر وضحك سويبط وضحك النعيمان. وبلغوا الرسول الخبر حينما عادوا. فضحك النبي الكريم وضحك الصحاب من هذه المزحة يصنعها النعيمان. حولاً كاملاً أو أكثر. وجاء وافد إلى رسول الله ربط ناقته عند باب المسجد فرأى بعض الصحابة الناقة عليها سنام قد امتلأ شحماً. وتلمظوا يشتهون لحماً فالتفتوا إلى النعيمان فقالوا له: هل لك في هذه؟ فقد قرمنا إلى اللحم وسيعوضه رسول الله عنها. فقام النعيمان فنحرها لهم. وأكلوا وشبعوا من لحم الناقة. وخرج الوافد الإعرابي. فرأى ناقته قد نحرت والقوم يشوون ويأكلون ويأخذون، فصاح: واعقراه. واناقتاه. فخرج الرسول يسأل عن الخبر. فعلم من أصحابه.. ونظر يفتش عن النعيمان فلم يجد. هرب النعيمان يجري يخاف العتب والجزاء.. وخرج الرسول يتعقب أثره فدلوه عليه. كان مختبئاً في حفرة. في حائط ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. بنت عم رسول الله. سأل الرسول أصحابه أين هو؟ فأشاروا بيدهم إلى مكانه في الحفرة. وألسنتهم تعلن: لم نجده يا رسول الله. وبحثوا عنه. كان في الحفرة قد غطى نفسه بالسعف والجريد.. فأخرج والتراب على رأسه وفي لحيته وعلى وجهه. ووقف بين يدي رسول الله. فأخذ رسول الله برأسه وهو يضحك ويزيل التراب عن وجه النعيمان بيده الطاهرة ويمسح الغبار عن وجه صاحبه. أضحك الصحابة، وأشبعهم من اللحم.. هي من طبع النعيمان. جازت منه وجازت له. ولكنها لا تجوز لغيره على إطلاقها. فكأنما هي خاصة به وله. ودفع النبي قيمة الناقة لصاحبها.
أضحاك النعيمان ليس صغاراً منه وإنما هي النفس الكبيرة تفرغ ذكاءها في متنفس لائق وجميل.. أترى لو نهره الرسول عن واحدة؟ أكان يعود لغيرها. لا. لا. شرعة سمحة ورسول كريم. وصحابة أخيار. ضحكوا مع النعيمان. فليس دين محمد أن يصمت الناس عن الإضحاك اللائق الكريم، وليس في شرعة محمد أن يسرف الناس فيما لا يليق. وسط في كل شيء.
وعاش النعيمان بعد رسول الله عزيزاً كريماً في أصحابه. فهل انتهى عن إضحاكهم. لم ينته. وقد فعلها زمن عثمان ومع عثمان نفسه. ومخرمة بن نوفل شيخ بني زهرة وصهر النعيمان عبد الرحمن بن عوف زوج أخته. ومخرمة بن نوفل زوج أخت عبد الرحمن. فعبد الرحمن بن عوف خال سيدنا المسور بن مخرمة بن نوفل. جلس الصحابة في المسجد فرأوا مخرمة بن نوفل وقد هرم. بلغ مائة وخمسة عشر عاماً: يقوم من مكانه فلا يبعد. يظن أن المسجد قد انتهى إلى موقفه. هو أعمى لم يقده أحد. فقد يبول في المسجد. فصاح الصحابة ينهون مخرمة عن ذلك. فقام النعيمان وذهب إليه. ليدله على مكان يبول فيه. أفتدرون أي مكان؟ ذهب به قليلاً وأجلسه ليبول في مكان غير مكانه الأول في المسجد أيضاً، فصاح به الناس وأزعجوه فقال: من الفاعل؟ قالوا: النعيمان بن عمرو. فشتم وأعلن أنه سيضربه بعصاه يشج به رأسه إن لقيه. وغاب النعيمان لا يلقى مخرمة أيضاً، ثم عاد. عاد ليفعل أكبر منها. نظر فإذا عثمان بن عفان أمير المؤمنين يصلي في المسجد - وكان عثمان لا يلتفت إذا ما قام مصلياً - نظر فوجد عثمان. ونظر فوجد مخرمة بن نوفل. فذهب إلى مخرمة وغيَّر صوته. فقال: هل لك في النعيمان. فصاح الشيخ: تذكر عهده. وتذكر فعلة النعيمان. قال مخرمة: نعم أين هو؟ فأخذه النعيمان يقوده إلى مكان عثمان. وقال له: ها هو. ورفع مخرمة عصاه وضرب بها رأس عثمان فشجه. سال دم أمير المؤمنين. شج رأسه مخرمة بمزحة من النعيمان. فصاح الناس: إنه أمير المؤمنين، فجزع مخرمة جزعاً شديداً وقام بنو زهرة. ولكنه عثمان ذو النورين.. قالها كلمة. دعوا النعيمان. دعوا النعيمان إنه شهد بدراً. خلق عثمان وتأسيه بما سبق من رسول الله يقبل إضحاك النعيمان. وجبره لخاطر شيخ قريش وسيد بني زهرة. مخرمة بن نوفل. فأي شيء من الجزاء يفعله عثمان سينال من الشيخ. اشترى بعفوه وصفحه نفوس المسلمين جميعاً في المدينة. الأنصار في رجلهم النعيمان. وقريشاً في رجلها مخرمة. وكأنما استحى من عبد الرحمن بن عوف ومن المسور بن مخرمة. وعثمان جليل الحياء. جميل الصفح. رضي الله عن عثمان. وعاش النعيمان حتى مات في زمن معاوية. وكأنما أحزنته فتنة، وأجزعه خلاف، فكف عن الضحك والإضحاك.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :622  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 180 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج