شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سُرَاقَةُ بن مَالِك المُدلجى
سراقة بن مالك الكناني المدلجي.. أعرابي يسكن قديْداً بين مكة والمدينة في الطريق ((كسويد)) منزل ثقيل فيه قوافل إلى دار الهجرة.. وقديد الحاج.. تسير من مكة.. سرف (بكسر الراء) فالجموم فعسْفان، فالدّف.. فأما أن يساحل إلى القضيمة. أو أن يعمر حتى يصل رايخ فالأبواء فالعرج وينسب إليها الشاعر العثماني العرجي فالروحاء بئر الراحة فذو الحليفة آبار على أو الحسي.
ومنزل سراقة في قديد أتاح له فرصة الترصد لهذا الذي تطلب قريش فتجعل له الجعل والجوائز لمن يأتي به. أو يخبر عنه. فسراقة لم يكن من سكان مكة حتى يقتحم بفرسه الغار، كما زل به قلم الأستاذ ((محمد مصطفى حمام)).. فقد ذكر اسم سراقة الذي تبع أثر النبي ليفوز بجوائز قريش المشركة. وذكر الأستاذ حمام اسم سراقة بن مالك في قصيدة عن الهجرة في عدد الأربعاء 1/1/1381هـ وبرقم 714 من هذه الصحيفة فقال ما نصه: ((هو سراقة بن مالك الذي أصر على أن يقتحم بفرسه الغار، فغاصت قوائم فرسه في الأرض)). والأستاذ حمام ورّطته العجلة في هذا الشرح فقد كتبه والقصيدة تؤخذ من يده للنشر. ولا أدري كيف استساغ أن يقتحم الفرس الغار في أعلى ثور. كأنما هو حجر في بيداء؟.. فهذه الحمامية وأيام الهجرة دفعتني إلى أن أترجم لسيرة بطلنا سيدنا سراقة بن مالك رضي الله عنه. دافع قوي. فلن يذكر حديث الهجرة إلا ويذكر فيه سراقة. لأنه بطل من أبطالها في معجزة النبي حينما أعجز الله سراقة أن يلحق برسول الله وحينما بشره النبي بالإسلام بوعد كريم. وسراقة أعرابي، شاطر من الشطار. لا يسمع عن جعل جعلته قريش لمن يأتي بمحمد وصاحبه أو بخبر عنهما.. ألا ويركب رأسه قبل أن يسرج فرسه ليركبها ليترصد الطريق بين قديد ورابغ.. يتشامل حيناً ويتيامن حيناً آخر، ويشرق فيصحر، ويغرب فيبحر.. يجري وراء الطريدة كأنه في طراد صيد.. وصيد ثمين. الجعل مغر.. والعقيدة الجاهلية في نفس المشرك الفارس الطاغية، كل ذلك حمل سراقة أن يترصد الأشباح في الليل والنهار ليحظى بجعل مادي، وبعجالة معنوية ترفع له صيتاً في قريش.. هكذا افترض. وكل هذا توهم ولكنها عناية الرحمن. بصر سراقة بالرواحل تحمل محمداً وأبا بكر وعامر بن فهيرة. كلهم فارس على بعير ولكنه فارس على مهر جيد. فلو حمى قتال بينهم وبينه لانتصفوا منه.. ولكنها الحرب شنها الله وحده على هذا الأجير سراقة بن مالك.. أجير هذه الساعة.. تسوخ قوائم المهر في الأرض. لا يستطيع حراكها.. فيصرخ سراقة. أجرني يا محمد. فيدعو محمداً ربه فينطلق المهر.. (يعاود سراقة الطمع فيعود ويغضب الله فتسوخ القوائم في الطين. في الأرض. في الصخر.. لا تلتمس إنها أرض سبخة لينة. هذا يلتمس لجهد البشر أما قدرة الله فتلين الصخر.. ينشق.. يبتلع الفرس وراكبه لو تمادى سراقة في شره.
ويستنجد سراقة. فيجار.. ويعطي عهده لا يرجع إلى غدر.. ولا يخبر قريشاً.. وعرف النبي صدقه. وعرف أن رحمة الله قريب.. قد شع نورها في قلب سراقة هذه الساعة رأى فيها المعجزة، يسلم بعد عام الفتح فيكون من خيار الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين. وتبسم النبي.. وقال: كيف بك يا سراقة إذ لبست سواري كسرى..؟ ماذا يسمع سراقة؟ أمعجزة أخرى؟ أهذا الأعرابي يسكن قديداً تفتح له كنوز كسرى فيلبس سواري الإمبراطور الفارسي شمس المشرق. وعجب سراقة! ولكنه رأى المعجزة قبل لحظات! فلماذا لا يصدق؟ وامتد به أجل حتى أسلم عام الفتح.. وسأل رسول الله سؤال أعرابي يسقي إبله.. قال سراقة يا رسول الله: أرأيت الضالة ترد على حوض إبلي، ألي أجر إن سقيتها.. فقال له الرسول: في الكبد الحراء أجر.. لم يعد سراقة جلفاً غليظ القلب، جافي الطبع. بل عاد رقيقاً مؤمناً ملأت نفسه روح الإسلام. يسأل عن أجر يتطلبه في ضالة يسقيها من إبل غيره.. أكان في الجاهلية يسقيها؟ لا. إنه يضمها إلى إبله ينهبها.. فرق كبير بين روح الإسلام ونزعات الشيطان.
وقتل هلال بن علقمة رستم وأجهز القعقاع بن عمرو وأخوه عاصم على فيلة الفرس وفتحت لسعد بن أبي وقاص ومن إليه فارس.. فأرسل الغنائم إلى عمر ورأى عمر سواري كسرى. فكبَّر وكبر معه الناس.. وقال أين سراقة؟ يسأل عنه عمر ليحقق معجزة النبي أخبر سراقة بفتح فارس، وبأن سراقة يلبس سواري كسرى وهو المهاجر مع صاحبه إلى المدينة لا جيش ولا سلاح. وحضر سراقة فقربه عمر وألبسه السوارين. ولبس سراقة السوارين وهو ينظر إلى تاج كسرى ومنطقته بين يد عمر وقال له عمر: ارفع يديك. فلما مد يديه ((وكان سراقة أزب كثير شعر الساعدين)) رفع صوته عمر وهو يقول: الله أكبر. الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أنا رب الناس.. وألبسه سراقة بن مالك بن جشعم. أعرابي رجل من بني مدلج.. ورفع عمر بها صوته يعلن للناس المعجزة للنبي.. والكرامة للصحابي، والأتباع منه.. ليس هو أمير المؤمنين الذي يغيِّر من بشارة النبي ووعد النبي، وعهد النبي، إنما هو المطيع.. ويقولون عبد الله بن عمر أسرف في تتبع آثار الرسول. ما أسرف ابن عمر. إنه كأبيه فعمر شديد الحرص على أتباع السنة والعمل بها، والحرص على حفظها. رضي الله عنهما. وسراقة بن مالك شاعر مجود فقد بعث إلى أبي جهل بعد رجوعه من تتبع النبي يوم الهجرة بهذه القطعة الشعرية الرائعة:
أبا حكم واللَّه لو كنت شاهداً
لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمداً
رسول ببرهان فمن ذا يقاومه؟
عليك بكف القوم عنه فإنني
أرى أمره يوماً ستبدو معالمه
بأمر يود الناس فيه بأسرهم
بأن جميع الناس طراً يسالمه
ومات سراقة بن مالك بن جشعم سنة أربع وعشرين في صدر خلافة عثمان وقد قيل إنه مات بعد عثمان رضي الله عنهما. إنه بطل في الأكرمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :931  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 179 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج