شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أمُّ كُلثوم بنتُ عُقْبَة
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيْط بن أبي عمرو بن أمية.. أموية، عبشمية. أسلمت بمكة وبايعت قبل الهجرة وهي أول من هاجر من النساء بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورضي الله عنها.
أكبرتها في نفسي، ارتفع قدرها حينما قرأت عنها، فكثير منا لم يسمع عنها، فأحببت أن أكتب سيرتها القصيرة العريضة. ليس فيها بطولة الأعمال وكبير الفعال.. وإنما فيها بطولة الإيمان.. إيمان امرأة وحدها في عائلة ومن قوم كلهم مشرك، وأكثرهم زعماء الحرب على محمد. ويكفي أن نذكر أن أباها هو عقبة بن أبي معيط..
لقد كان عقبة أشد الناس أذى لرسول الله.. يقذفه بالسباب، يلقي عليه الفَرْث وهو يصلي.. يمسكه في المسجد الحرام يخنقه.. كل هذا يفعله أبوها وأهلها وهي ترى.. فتسلم. تؤمن بمحمد. إنه الهدى من الله. وإنه الاستقلال بالذات وبالرأي.. والجرأة في إعلان الحق.. امرأة من قوم العرب فعلت ذلك لا تخاف.. ثم يقال لقد كان العرب لا شيء!. وهل من تعظيم الإسلام أن ينتصر.. ينتشر بلا شيء؟ إنهم شيء.. وشيء كبير، منّ الله عليهم بالهدى.. ليكونوا الشيء الأكبر في بني الإنسان، بالهداية ينشرون.. وبالمعرفة بنور الحق.. بالتوحيد يعتزون. وبالوحدة ينتصرون.. ثم بالتخاذل والفرقة ينهزمون.
قال ابن سعد (رضي الله عنه) في الطبقات: ولم تعلم قرشية خرجت من بين أبويها مسلمة مهاجرة إلى الله ورسوله إلا أم كلثوم بنت عقبة، خرجت من مكة وحدها وصاحبت رجلاً من خزاعة حتى قدمت المدينة، في هدنة الحديبية فخرج في أثرها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة فقدما المدينة من الغد من يوم قدومها.. وتكلم الوليد يريد أخذها عملاً بشرط الحديبية. يرد إلى المشركين من أسلم من ذكر وأنثى.. وقال أخواها: يا محمد، وَفَىَ لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه.. وسمعت أم كلثوم بغرض أخويها. فقالت: يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعفاء ما قد علمت. أفتردني إلى الكفار يفتنونني في ديني ولا صبر لي؟
وسمع الله.. وتكلم الرحمن، ونزلت آيات الكتاب، وحكم القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (الممتحنة: 10 - 11) يعني المرأة تعامل بالمثل.. إن أمسكوا صداقها أمسكنا وإن طلقوا مسلمة أعدنا إليهم صداقها. المال نعوّض عنه. أما النفس المؤمنة فلا نردها.. والله نقض هذا الشرط من شروط الصلح في الحديبية.. ثم جاءت قريش ترجو هي نقضه حينما أعجزها أبو جندل وأبو بصير ومن معهما، وهذا المخرج لهما من صنع الله. من التوفيق يهتدي إليه ذكاء المؤمنين.
وامتحنها رسول الله والله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام وما خرجتن لزوج أو مال.. وقالت ذلك كما قالته أخوات لها بعدها.. وقال رسول الله لأخويها الوليد وعمارة: قد نقض الله العهد في النساء بما قد علمتاه فانصرفا. لم ترجع معهما.. بقيت في المدينة ولم يكن لها حين هاجرت زوج.. فتزوجها زيْد بن حارثة. الحب. مولى رسول الله. وقتل عنها يوم مؤتة.. ولعلّ زواجها وهي الأموية الفارعة النسب من زيد إنما كان لشيء منها. ولشيء منه، أما منها فهو الإيمان لا تعبأ بهذا الذي يقال. عبد. مولى. إنه المؤمن وكفء لها بإيمانه.. ثم هو كلبي من رؤوس ((كلب))، فأصله فارع عزيز، وأما الذي منه فهو الكلاءة من رسول الله تزوجها، صاحبه. صديقه الأثير الحبيب عنده. رجل من أهل بيته، كأنما هو الرسول العظيم قد سأله نفسه عنها يحميها جزاء وفاقاً تكريماً لهجرتها، ولإسلامها.
وقتل عنها زيد شهيداً في مؤتة. فهو صاحب رايتها الأول.. فتزوجها الأسد الإسلامي الزبير بن العوام، فولدت له زينب. وكانت في الزبير شدة على النساء وما أعظم أسماء بنت أبي بكر حينما تذكر كيف كانت تصبر على شدة الزبير.. وكرهت أم كلثوم العيش مع الزبير لشدته وكانت تسأله الطلاق فيأبى عليها. ولكن هذه السيدة الحصيفة استعملت ذكاءها.. صبرت حتى ضربها الطلق. طلق النفساء فألحت عليه وهو يتوضأ للصلاة فطلقها تطليقة.. أراد الخلاص من مشكلة مؤقتة. ثم يراجعها.. ولكنها تعرف ذلك.. فلما خرجت أو كادت وضعت فأنبتَ الطلاق. انتهت العدة بالولادة.. فأدرك الزبير إنسان من أهله، فأخبره أنها وضعت فقال أبو عبد الله: خدعتني خدعها الله! فأتى النبي فذكر ذلك له فقال الرسول: سبق فيها كتاب الله فأخطبها. فقال إنها لا تريد الرجوع. وتزوجت عبد الرحمن بن عوْف فولدت له إبراهيم وحُميْداً، ومات عنها.. فتزوجها عمرو بن العاص فماتت عنده. لقد كانت سيدة عظيمة خيرة، لها العزة في قومها.. جدها حرب. من أب قاد كنانة يوم الفجار وسيد الوادي بحق.. وجدّها عبد شمس كأخيه الشقيق التوأم هاشم له مكان الصدارة في المجتمع الذي أسسه جدها قصي بن كلاب، فهي ابنة لعبد مناف، أصحاب الصدارة في مكة. وجدها لأبيها أبو عمرو كان يسمى: ذكوان، ويعيبه النسابون أنه لم يكن ابناً لحرب ابن أمية من صلبه. لم يكن شقيقاً لأبي سفيان وإنما هو عبده ألحقه حرب بنسبه وصيَّره ابناً له. ذلك قول العيَّابين من النسابين. أما معاوية فقد شهد أنه ابن حرب. يعني عمه. وبذلك يكون الوليد بن عقبة المؤمر على الكوفة ابن عثمان وأخو صاحبة السيرة اليوم ابن عم لمعاوية وأخ لعثمان ابن عفان من أم.
ولا بأس أن أبيح لنفسي، فأرويها ملحة بين معاوية رضي الله عنه وبين أحد المشيخة من قريش في هذا الموضوع، سأل معاوية بن أبي سفيان بن حرب أحد مشيخة قريش: هل رايت أحداً من علية قريش، وكان معاوية كبير الاعتزاز بقومه. الأمويين. قريش. كنانة. مضر. عدنان. العرب. والأمويون أول من أشعل نار القومية العربية. فلم يكن في دولتهم لغير العربي حول أو سلطان. فقال الشيخ: لقد رأيت عبد المطلب بن هاشم، ورأيت حرب بن أمية.. فقال معاوية صفهما لي؟ فقال الشيخ هذا شيء فعلتموه أنتم أبيض طوالاً كأنما وجهه هالة بدر. يحف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب. ورأيت حرب بن أمية رجلاً قصيراً دميماً، أعمى يقوده عبده ذكوان.. فقال معاوية: ذلك ابنه أبو عمر وجدّ أم كلثوم هذه؟. فقال الشيخ هذا شيء فعلتموه أنتم يا بني أمية، لا نعرفه، ولا تعرف قريش. لا أدري أتعجب من صراحة الشيخ، أم من سعة الصدر. الحلم في معاوية؟ لا عجب. هذه طريقة العرب في مجالسهم إنها باقية حتى اليوم. فلو أن رجلاً عني بجمع ما يجري فيها الآن من بديع الكلام ومترف القول وجريء الرأي، لكان العجب، إنهم فرع من أصل، وجميل من الناس أعطاه الله فصاحة اللسان. في القصر. في الكوخ. في بيت الشعر. سواء منهم الأمير الخطير أو الفقير الراعي في رأس جبل.
رضي الله عن أم كلثوم فإنها خير من كثير من أهلها.. فقد ذهب أبوها يلقي جزاءه يوم يبعثون، قتله النبي صبراً مأسوراً ببدر. وأسلم أخوها الوليد، حتى ولاه عثمان بن عفان الكوفة حينما عزل سعداً.. والوليد بن عقبة هو الذي نزلت فيه هذه الآية حينما أرجف ببني المصطلق يقول للنبي شيئاً عنهم، ليس فيهم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (الحجرات: 6).
كاد النبي يغزوهم. لأنه سمع لأرجاف الوليد.. وهم بريئون، لم يريدوا شراً.. فبرأهم الله.
وحينما ذهب الوليد بن عقبة إلى الكوفة.. قال له سعد بن أبي وقاص: لا أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس. وسكر الوليد وهو أمير الكوفة، وصلَّى الصبح بالناس أربع ركعات، ثم التفت إلى من وراءه. وفيهم ابن مسعود ابن أم عبد.. وقال لهم الوليد: هل أزيدكم.. فقال ابن مسعود: ما زلنا في زيادة معك منذ اليوم، وعلم عثمان فعزله وجلده في الخمر.
رضي الله عن صحابة الرسول جميعهم، ورحمنا الله بحبهم أجمعين.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :686  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 174 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.