شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أنَسُ بن مَالك
أنس بن مالك العدوي النجاري الأنصاري.. وأمه أم سليم بنت ملحان وهي أم أخيه البراء بن مالك.. وليسا هما من زوجها الصحابي الكريم أبي طلحة زيد الأنصاري الذي ربى أنس وقدمه إلى النبي يخدمه. ترجمنا لأمه وزوجها أبي طلحة زيد الأنصاري في هذه السلسلة من قبل.
وأنس طراز آخر. لم يكن بطلاً فارساً يخوض المعارك كأخيه البراء وإنما كان في قلب المعركة.. بين يدي النبي يخدمه في السفر والحضر. فهو ربيب النبي. له من الكرامة عنده ما استحق به منزلة المخلص الأثير. منزلة كانت لأمه المؤمنة الكريمة البرة الطاهرة، وكانت لأخيه البراء.. ذرية بعضها من بعض. كتب الله لهم الخير وأنالهم الفلاح. فقد تحدث أنس عن نفسه فقال: خدمت رسول الله وأنا ابن ثماني سنين. وقال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما أمرني بأمر توانيت عنه أو صنعته فلامني.. وإن لامني أحد من أهله قال: دعوه فلو قدر قضى أن يكون لكان.. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
كان يفخر أنه من الأزد لأن الأنصار أوسهم وخزرجهم من الأزد وبهذا يثبت أن الأزد قحطانيون لا عدنانيون كما هو الراجح الصواب.
قال مرة: لئن لم تكن من الأزد فما نحن من العرب.. أي نحن من الأزد.
وقدم النبي المدينة فأخذ أبو طلحة بيد ربيبه أنس. فانطلق إلى رسول الله فقال له: إن أنس غلام كيس فليخدمك. وقالوا: إن أمه أخذت بيده مقدم النبي. فأتت به رسول الله فقالت: يا رسول الله هذا ابني وهو غلام كاتب. وذهبت به أمه إلى رسول الله فقالت يا رسول الله خويدمك ادع الله له. فدعا له الرسول اللَّهم أكثر ماله وولده وأطل عمره وأغفر ذنبه. وتحدث أنس عن ذلك فقال: دفنت من صلبي مائة غير اثنين، أو هو قال مائة واثنين وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين ولقد بقيتُ حتى سئمت الحياة. وأنا أرجو الرابعة.. كان رسول الله يدعوه ((يا بني)) خلق النبي العظيم يدعو خادمه، صاحبه، ناشر سننه، فقيه أمته، أنس يا بني.
وتحدث أنس فقال: قدم رسول الله وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن عشرين، وكانت أمهاتي يحثثني على خدمته فدخل دارنا ذات يوم فحلبنا له من شاة لنا داجن وشرب من ماء بئر في الدار، وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه وعمر ناحيته، فشرب رسول الله فقال عمر: أعط أبا بكر يا رسول الله. فناوله الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن. يعني أن السنة تناول رئيس القوم ثم من على يمينه وفعل ذلك رسول الله. شرب أولاً. وكان الفضل بن العباس وهو شاب صغير على يمينه فأعطاه ثم أعطى أبا بكر الكبير الجليل بعده لأنه كان على يسار النبي.
كان كل ليلة يرى النبي ((ما من ليلة إلا وأنا أرى فيه حبيبي.. ثم يبكي)) وقال أبو هريرة: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله من ابن أم سليم يعني أنس بن مالك.
وحدث أنس بن مالك بحديث عن رسول الله فقال له رجل: أنت سمعته من رسول الله فقال أنس: ما كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله، ولكنا لا يتهم بعضنا بعضاً. وقدم أنس المدينة وقد مات أبو بكر واستخلف عمر فقال لعمر: أرفع يدك أبايعك على ما بايعت عليه صاحبك قبلك على السمع والطاعة ما استطعت. ورفع عمر يده يبايع أنساً. يحترم الصحابي الأخ. أما الحجاج بن يوسف الطاغية فحسبه الله. لم يرع حرمة لأنس فخاصمه وأهانه، وعذّبه، وأنس صابر لم يخالف ولم يخرج على بيعة ولكن هكذا كان. وشكا قيِّم لأنس العطش في أرضه، فقام أنس يصلي ودعا فثارت سحابة غشيت أرضه حتى ملأت صهريجه فأرسل غلامه فقال: انظر أين بلغت هذه. فنظر فإذا هي لم تعد أرضه. وفي رواية أخرى بصورة أخرى، جاء أنس أكار بستان في الصيف فشكا العطش فدعا بماء فتوضأ وصلَّى ثم قال: هل ترى شيئاً؟ فقال: ما أرى شيئاً.. فدخل أنس فصلى ثم قال في الثالثة أو الرابعة: انظر. فقال الأكار: أرى مثل جناح الطير من السحاب، قال فجعل يصلي ويدعو حتى دخل عليه القيم فقال: قد استوت السماء ومطرت. فقال أركب الفرس الذي بعث به بشر بن شفاف. فانظر أين بلغ المطر. فركبه فإذا المطر لم يتجاوز قصور المسيرين، ولا قصر الغضبان. كرامة من الله كرّم بها أنساً. استجاب فيها ربه دعاءه لأنها دعوة رسول الله.
وكان نقش خاتمه محمد رسول الله. فكان إذا دخل الخلاء نزعه. كان يلبس أزاراً أصفر. ورئي يضع رجله على الأخرى.. وكان يلبس عمامة خز وجبة خز ومطرف خز، فقالوا له: ما لك تنهانا عن الخز وتلبسه أنت؟ فقال: إن أمراءنا يكسوننا فنحب أن يروه علينا. لم يُر أحد أضنّ بكلامه منه. حتى لكأن مولاه ((محمد بن سيرين)) قد تأثر به. فقد قالوا: تكلم الحسن ((يعني البصري)) احتساباً ((يعني ابن سيرين)). وتحدث أبو غالب الباهلي فقال: تبعت جنازة عبد الله بن عمير الليثي، فإذا رجل علي بردينه وعليه كساء أسود رقيق، وعلى رأسه خرقة تقيه الشمس وإذا قطنتان قد وضعهما على موقي عينيه.. فقلت من هذا الدهقان؟ قالوا: هذا أنس بن مالك.. فزحمت الناس حتى دنوت منه، فلما وضعت الجنازة قام أنس عند رأسه فصلى عليه، فكبر أربع تكبيرات لم يطل ولم يسرع. دونوا كل شيء في سيرته كعالم فقيه تؤخذ عنه السنة. ولم يكن فارساً كأخيه البراء.
دخل على أخيه البراء فوجده يتغنى ويرنم قوسه.. فقال أي شيء هذا؟ فقال البراء: يا أنس أتراني أموت على فراشي موتاً؟ والله لقد قتلت بضعة وتسعين سوى من شاركت فيها. يعني المشركين.
وذهب البراء يقاتل. يدعم فتح الإسلام بفارس كما جلس أنس يملأ العراق فقهاً وعلماً. يشارك صديقه وصفيه ابن مسعود. وضعف عن الصوم فجفن جفانا وأطعم لكل يوم مسكيناً أطعم العدة وزيادة. وتوفي أنس فأوصى أن يغسله مولاه محمد بن سيرين.. وكان ابن سيرين محبوساً في ديْن من بضاعة اشتراها وغبن فيها ولم يردها فتحمل قيمتها. فكلموا الأمير عمر بن يزيد فأخرج من السجن فغسل أنس. وصلَّى الله فلما فرغ رجع إلى السجن، ولم يذهب إلى أهله. ولم يزل محمد بن سيرين الإمام الورع يشكر هذا الصنيع لآل عمر بن يزيد حتى مات.
وجعل في حنوط أنس صرة مسك، وشعر من شعر النبي كان عند أمه من الشعر الذي أخذه أبو طلحة، حينما حلق النبي في حجة الوداع. والمسك كانت أم سليم - أم أنس - قد عجنته بعرق الرسول جمعته حينما نام عندها في ظهيرة يوم قائظ.
ومات أنس في الطيبين، وعاش في الخيرين. رضي الله عنهم أجمعين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :592  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 165 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج